يخطأ البعض بتسمية القصر الجمهوري العراقي بـ(قصر صدام)، او اضافته الى سلسلة قصور صدام التي تحولت، اما الى مقرات للقوات الاميركية او مساكن لبعض المسؤولين العراقيين الجدد.
يقع القصر الجمهوري في واحد من احياء بغداد الراقية، كرادة مريم، على الضفة الغربية (الكرخ) لنهر دجلة، وهو احد القصور الملكية، تم بناؤه ليتزوج فيه الملك فيصل الثاني، لكنه(الملك) اغتيل مع عائلته على ايدي الجيش عند عتبة قصر الرحاب صبيحة يوم 14 يوليو( تموز) 1958، في انقلاب دبره بعض ضباط الجيش بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان مخططا لان يتزوج فيصل الثاني في نهاية ذات العام الذي شهد مذبحة العائلة المالكة.
ويعد القصر الذي حمل تسمية «القصر الجمهوري» مع تأسيس اول جمهورية ترأس حكومتها قاسم، ثالث قصر ملكي من حيث التسلسل، بعد قصري الزهور والرحاب. وكان قصر الزهور الذي يقع في منطقة «ام العظام» مسكنا ومقرا للملك غازي، ثاني ملوك العراق ووالد الملك فيصل الثاني، حيث مات (الملك غازي) اثر تعرضه لحادث سيارة في الطريق المؤدي من القصر الى الشارع الرئيسي، وقيل ان الحادث مدبر من قبل البريطانيين بسبب ميول الملك الى الافكار القومية، واعجابه بالزعيم النازي هتلر. وتشاءمت العائلة المالكة من قصر الزهور فقررت الانتقال الى قصر الرحاب في منطقة الحارثية، وهو ليس بعيدا عن القصر الاول.
ويبدو انه من باب المبالغة اطلاق تسمية قصر على (الرحاب) فهو لم يكن سوى بيت بغدادي اعتيادي في حجمه ومرافقه واثاثه، والوصف هذا ينطبق على قصر الزهور ايضا الذي ضمه صدام حسين الى احد قصوره في نهاية التسعينات.
لم تكن للعائلة المالكة في العراق قصور ملكية بالمعنى الحقيقي، بل انه اذا ما اقامت في أي مسكن كان يطلق عليه تسمية (القصر)، فعندما جاء الملك فيصل الاول من الحجاز الى بغداد سنة 1921، احتار البغداديون في مسألة سكنه، واعادت السلطات البريطانية وقتذاك اعمار قصر عباسي قديم كان قد استخدمه العثمانيون كمدرسة مهنية ومن ثم كمعسكر.
يقع هذا القصر العباس في منطقة الباب المعظم وعلى نهر دجلة من جهة الرصافة، ملاصقا للقصر العباسي المطل مباشرة على دجلة، حتى اليوم. وقد اتخذه الملك فيصل الاول مسكنا له ولعائلته.
ومنذ بداية الحكم الملكي صار التفكير ببناء قصر ملكي كبير يكون مسكنا ومقرا للملك، فكان هذا القصر الذي اعد لزواج الملك فيصل الثاني.
الجدير بالذكر ان رئيس اول حكم جمهوري في العراق، عبد الكريم قاسم، لم يستخدم القصر الذي اطلق عليه تسمية القصر الجمهوري، بل قيل انه لم يشاهده او يزوره، بل كان قاسم يقيم في مكتبه في وزارة الدفاع.
وكان عبد السلام عارف، ثاني رئيس للجمهورية العراقية أول من اقام بالقصر الجمهوري واستخدمه كمكتب له كذلك، بل انه استخدم احدى السيارات الملكية، رولز رايز سوداء كسيارة لرئيس الجمهورية ووضع عليها شعار الجمهورية بدلا من شعار المملكة العراقية.
وكما ورث شقيقه عبد الرحمن عارف الحكم من عبد السلام بعد وفاته بحادث طائرة في منتصف الستينات من القرن الماضي، فقد ورث ايضا القصر الجمهوري ليكون ثاني رئيس جمهورية يقيم فيه ويدير البلد من خلاله. وفي فجر 17 يوليو( تموز) 1968 غدر الضباط المكلفون بحماية القصر، وفي مقدمتهم قائد الحرس الجمهوري ومعه رئيس الاستخبارات العسكرية، برئيس الجمهورية وتعاونوا مع البعثيين في فتح بوابات القصر الجمهوري امام البعثيين لاحداث انقلاب ضد عارف ومجيء حزب البعث الى السلطة.
وكان احمد حسن البكر ثالث رئيس جمهورية يستخدم القصر الجمهوري، بينما كان نائبه (وقت ذاك) صدام حسين يتخذ من بناية المجلس الوطني مقرا له، وهذه البناية هي الاخرى من انجازات العهد الملكي وكانت مخصصة لتكون مقرا للبرلمان العراقي، وتقع مباشرة على نهر دجلة من جهة الكرخ وليست بعيدة عن القصر الجمهوري.
اللافت للانتباه ان صدام حسين لم يقم في القصر الجمهوري، بل كان يقيم في قصره في ضاحية الرضوانية قرب مطار بغداد الدولي والذي تحول اليوم الى مقر للقوات الاميركية، وبقي يستخدم المجلس الوطني مكتبا له، بينما يستقبل كبار ضيوفه في القصر الجمهوري.
وكانت القوات الاميركية قد قصفت القصر الجمهوري لاكثر من مرة خلال (عاصفة الصحراء) عام 1991، وقبيل دخولها الى بغداد عام 2003.
وتبدو القبة الفيروزية التي تتوج القصر الجمهوري مثل تحفة معمارية تميز هذا القصر الذي شهد احداثا تاريخية مهمة من غير ان يقيم فيه صاحبه الاصلي. ولعل اكثر هذه الاحداث قسوة على العراقيين هو تحوله الى مقر للسفارة الاميركية منذ احتلال العراق حتى الاول من يناير (كانون الثاني) الحالي، اذ عاد ليكون مقرا لمجلس الرئاسة العراقي.