مدينة ثقافية للمبدعين التونسيين

تفتح أبوابها خلال النصف الأول من سنة 2009

مجسم بالألوان لمدينة الثقافة («الشرق الأوسط»)
TT

على مساحة 8.6 هكتار وسط العاصمة التونسية وعلى مقربة من ضفاف البحيرة، تقع الأرض المخصصة لمشروع مدينة الثقافة التي كثر الحديث عنها والتي أسالت الكثير من الحبر في صفوف المبدعين التونسيين باعتبارها ستفتح الأبواب على مصراعيها أمام كل ضروب الإبداع وأصنافه. المشروع ضخم بكل المقاييس، فالمساحة المغطاة ـ حسب مصادر مطلعة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية ـ لا تقل عن 70 ألف متر مربع أما التقديرات المالية الأولية لهذا المشروع وحسب تقديرات سنة 1994 فهي لا تقل عن120 مليون دينار تونسي (حوالي 100 مليون دولار أميركي) وهي بذلك تعد من أضخم المشاريع الثقافية التي عرفتها تونس منذ الاستقلال.

المدينة أذن ببعثها الرئيس التونسي سنوات قليلة بعد وصوله للحكم وبالتحديد في 29 يناير من سنة 1992 وبعد الانتهاء من كامل مراحل البرمجة والدراسات الفنية، انطلقت عمليات انجاز القسط الأول منذ سنة 2002 حيث شرع في بناء الأسس العميقة التي لا يقل عددها عن 559 وتدا بعمق 60 مترا تحت الأرض وقطر يتراوح بين 80 و 120 سنتمترا وقد تم الانتهاء منها سنة 2004 وقدرت كلفتها بحوالي 6.5 مليون دينار تونسي... كما تم انجاز أشغال تحويل مسيل مياه الأمطار بين شارع محمد الخامس وشارع المغرب العربي ليكون خارج حوزة البناية وتم الانتهاء من تلك الأشغال في شهر أوت (أغسطس) من سنة 2004 كذلك وبكلفة مقدرة بـ850 ألف دينار تونسي.

ومنذ شهر فبراير (شباط) 2006، تم الشروع في انجاز الهياكل والبناية وتدوم الأشغال 30 شهرا كأجل تعاقدي أي أنها ستنتهي مبدئيا في شهر يونيو من السنة الحالية.. وحسب آخر المعلومات المتوفرة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، من المؤمل أن يكون المشروع جاهزا لاستقبال مختلف الأنشطة الإبداعية خلال النصف الأول من سنة 2009. وسيمكن هذا المشروع من انجاز الهيكل الحامل لسبع مرافق ممثلة في البهو الرئيسي وفضاءات الإنتاج السبعة والخزينة الوطنية للمقتنيات الفنية والمكتبة المعلوماتية ومجمع السينما والمأوى المسقوف وجزء من الفضاءات التجارية أما بقية مكونات هذا المشروع الضخم، فهي عبارة عن فضاءات فنون الفرجة وقاعة الأوبرا وقاعة السمعيات والمسرح التجريبي والإدارة العامة وقاعات المعارض الفنية للمتحف الوطني للفنون الحية المعاصرة. وبزيارتنا لموقع هذا المشروع الثقافي الضخم، كانت الأشغال على قدم وساق وقد اتضحت ملامح البناية بالكامل ولن تكون نهاية الأشغال إلا خلال فترة وجيزة. ومن خلال ما يبدو من أعمدة وطوابق، فان هذه البناية ستكون من بين أعلى البنايات في العاصمة التونسية إلى جانب أحد النزل التي يعود بناؤه إلى عقد الستينات وبناية الحزب الحاكم. وستكون مدينة الثقافة تبعا لذلك، أحد الفضاءات التي ستغير وجه العاصمة الثقافي...

يرى عمر الغدامسي (فنان تشكيلي) أن هذا المشروع إذا ما استغل على الوجه الأفضل وخصص بالكامل لرجال الإبداع دون غيرهم، فانه حتما سيطلق أجنحة عدد من الطاقات المعطلة. وطالب بالمناسبة بوجوب الاعتماد على مبدعين لهم برامج ومشاريع يودون تنفيذها عند تعيينهم على رأس مدينة الثقافة، فالتسيير الإداري لوحده لا يكفي ـ كما جاء على لسانه.

أما يوسف عبد العاطي (روائي)، فقد أكد من ناحيته على أهمية مثل هذه المشاريع في تقريب الهوة المصطنعة بين المبدعين الموزعين على أبواب الإبداع وضروبه. فالشاعر والملحن والقاص والروائي والمسرحي والسينمائي وغيرهم من المبدعين، سيجدون أنفسهم يتحركون في نفس الفضاء وهو ما سيمكنهم من عرض مشاريعهم الإبداعية على بعضهم البعض والاستفادة المباشرة من تجارب الآخرين، وهو ما سينعكس بالإيجاب على الحركة الثقافية التونسية ككل. ونادى يونس الفارحي (ممثل مسرحي) بضرورة دعم الفن الرابع من خلال مدينة الثقافة وذلك باستقطاب الطاقات الإبداعية الشابة دون استثناء معتبرا أن الشباب هو الشرايين المجددة للمسرح والمسرحيين. ودعا كذلك إلى الاعتماد على أدوات عمل جديدة تمكن من الاستشراف والإبداع اللذين يمكنان من الابتعاد عن طرق التسيير التقليدية المركزة على الدعم المادي للأعمال الفنية فحسب في حين أن أهل المسرح في حاجة إلى رعاية كاملة ولا شك أن مدينة الثقافة ستكون نقطة إشعاع مهمة تجمع المبدعين من مختلف المشارب في مكان واحد وهو ما سيعود بالنفع على كل الفنون.