هوادج الإبل .. آرائك ومساند في مضايف البادية السورية

صالونات الفنادق والمطاعم تتبناها كشكل تراثي

الهودج بشكله التراثي المزخرف على يد الدمشقيين («الشرق الاوسط»)
TT

عرفت البادية السورية وسكانها الإبل منذ مئات السنين كوسيلة تنقل وخاصة في المناطق الواسعة كبوادي تدمر والرقة ودير الزور وحلب ولكن مع دخول السيارات والشاحنات واستقرار الكثير من سكان البادية في مناطق وبيوت حديثة داخل تجمعات سكانية بدوية، انخفض عدد الجمال في البادية بشكل كبير لانتهاء دورها ووظيفتها في السنوات الأخيرة. ومع انخفاض عددها انخفض الطلب على مستلزمات تربية واقتناء الجمال وخاصة الهوادج التي كانت توضع على ظهر الجمل ليجلس فيها المرتحل. وكان العديد من الحرفيين الدمشقيين بارعين في تصنيع نماذج الهوادج وزخرفتها بشكل فني وبيعها في سوق السروجية القديم قرب سوق الحميدية الشهير والمتخصص بصناعة سروج الخيل وهوادج الجمال. لكن هذه المهنة وصلت اليوم إلى مرحلة الانقراض تقريباً، حسبما قال محمود ميداني، أحد الذين عملوا في تصنيع هوادج الجمال وورثها عن والده قبل حوالي ربع قرن.

يؤكد ميداني لـ «الشرق الأوسط» أن «الهوادج بشكلها التقليدي دخلت للعرض في متاحف التقاليد الشعبية في دمشق وتدمر وحماة وحمص كما تُطلب أحياناً من منظمي المهرجانات التراثية السياحية مثل مهرجان تدمر السياحي والبادية ومهرجان الفرات في دير الزور حيث يتم إقامة سباقات للهجن أو تنظيم عرس بدوي يستخدم فيه الجمل كما كان في السابق قبل عشرات السنين، حيث يتم إجلاس العروس في القن على الجمل ويرسلونها بزفة شعبية وأهازيج إلى منزل زوجها. كذلك تُطلب أحياناً من منتجي ومخرجي المسلسلات البدوية والتاريخية ولكن هؤلاء قلّوا أيضاً».

مع انقراض مهنة تصنيع الهوادج تفتق ذهن العديد من الحرفيين اليدويين الدمشقيين عن فكرة جديدة وهي الاستفادة من نموذج وشكل الهودج بتصنيع آرائك خشبية تتم زخرفتها بشكل فني متقن ويمكن أن توضع في المضايف البدوية وفي صالونات البيوت العربية والشامية التقليدية بدلاً من المساند العادية، وبالفعل نجح هؤلاء في ابتكارهم الجديد واستطاعوا في السنوات الأخيرة من جذب انتباه الكثيرين إلى هذه المساند الفاخرة الشبيهة بهوادج الجمال، ومن هؤلاء محمود الميداني الذي حوّل ورشته المتخصصة بتصنيع هوادج الجمال التي ورثها عن والده إلى ورشة لتصنيع الأرائك والمساند، مبرراً ذلك بأنه لو بقي فقط يصنع الهوادج لأفلس مادياً ولن يستطيع إطعام أولاده الأربعة ولن يتمكن من العمل بمهن أخرى وهو على أعتاب الخمسين من العمر؟! لذلك يعمل حالياً على تصنيع هذه المساند والأرائك ويبيعها بسعر جيد ولها زبائنها وعددهم لا بأس به، خصوصا مع انتشار المطاعم والفنادق التراثية في دمشق القديمة وضرورة وجود صالون ضيافة على النمط العربي التقليدي وبالتالي لا بد من وجود الأرائك والمساند الفاخرة في هذه الأماكن التراثية كذلك من زبائننا ـ يضيف محمود ـ أصحاب المضايف وبيوت الشعر في البادية السورية وهؤلاء حريصون على وضع هذه الأرائك للوجاهة واستقبال الضيوف خاصة أن الجلوس هنا يكون في المضيف على مطارح فوق الأرض وليس على مقاعد أو كراسي (جلسة عربية). أما التصنيع ـ يضيف محمود ـ فهو كحال الهودج يتم من نشر خشب الجوز بسماكات معينة ومن ثم تشد شرائح الخشب بالغراء وتترك حتى تلتصق وتجف وبعدها يتم تصنيع مقدمة الهودج ونهايته بأربعة عصي خشبية وبعد ذلك يتم تلبيس الخشب بجلد جمل أو جلد بقري وهما الأفضل والبعض يلبسه بجلد صناعي وهو رخيص الثمن وفي المضيف يوضع على الهودج (المسند) فروة خاروف صغيرة مصنعة على مقاس الهودج الأريكة للدلالة على الوجاهة والثراء. وهناك مقاسات متنوعة للهوادج وتسميات مختلفة، ومنها الشداد والكومي. من جهته، قال الباحث السوري في مجال التراث حسان العبيد لـ «الشرق الأوسط» عن تقاليد الهودج والجمال في البادية السورية: «لم يبق في البادية السورية سوى حوالي 7 آلاف جمل حسب إحصائيات تعود لقبل حوالي عشر سنوات، والاهتمام ينصب حالياً على حماية ما تبقى من الجمال من الانقراض من خلال محميات البادية وغيره. كذلك مازال بعض البدو والحريصين على تقاليد الأجداد يستخدمونها خاصة في المناسبات كالأفراح والأعراس وفي رياضات البادية كسباقات الهجن والتحمل. والمعروف أنه في تقاليد البادية السورية ثلاثة أنواع للجمال وهي: جمل مخصص لقائد القافلة والثاني جمل عليه هودج يستعمل في احتفالات الزواج حيث تجلس العروس عليه ومظللة من الأعلى يرافقها المشاركون في حفل الزفاف من خيمة أهلها إلى خيمة العريس وهم يغنون ويرقصون بشكل تراثي. والجمل الثالث عليه هودج صغير يسمى القن يستعمل لتأمين الظل للراكبين على الجمل.