الغزاويون في رام الله يعيشون في توتر وقلق مستمر ولا يغادرون شاشة الأخبار

يتفحصون وجوه الضحايا عبر الأخبار ويفضلون الموت مع عائلاتهم في غزة على موت أحبابهم بعيدين

TT

«انا بموت مليون مرة كل يوم في رام الله خوفا على اولادي في غزة»، هذا ما قاله رامي سالم، الذي يعمل في رام الله، بينما يترك زوجته وولديه في مدينة غزة، التي تتعرض لقصف متواصل وشديد. يعلم رامي ان القصف في كل مرة قد يودي بحياة احد منهم او بحياتهم جميعا، خصوصا انهم يعيشون في شارع الجلاء، وسط غزة، وهي منطقة يتكثف فيها القصف احيانا. قبل يومين تناقلت الانباء ان الطيران الاسرائيلي استهدف منزل ابو عبير، احد مسؤولي ألوية الناصر، لم يكن أبو عبير في منزله، وانتهى الامر عند هذا الحد عند الجميع، إلا عند رامي الذي فقد توازنه وامتلأ رعبا وخوفا وقلقا، واخذ يحاول مثل «مجنون» ان يتصل بزوجته ويطمئن، اذ يقع منزله خلف منزل ابو عبير. احيانا على ابناء غزة الذين لا يواجهون الموت هناك، ان يموتوا الف مرة في رام الله، هكذا يعيشون هنا، قلقين ومتوترين وعصبيين للغاية، وقال رامي، «علاقاتي باصدقائي في العمل وجيراني تأثرت كثيرا بسبب عصبيتي الشديدة، اصبحت دائم العصبية ومتوترا وغير قادر على التركيز ابدا.. ان تكون غزاويا وتعيش في رام الله يعني انك تنتظر بعد كل غارة ان تعرف اذا ما مات اهلك او اذا ما بقوا احياء». ويعيش رامي يومه كله في مراقبة الاخبار، وقال «اتابع الاذاعات والتلفزيونات وكل وسلية اعلام، اتصل كل دقيقة كل ثانية، احاول ان اطمئن». الغارات هناك لا تتوقف، ولذا لا يتوقف رامي عن الخوف الشديد. يكفي ان تخيلاته تحمل له دائما الاسوأ، حتى يطمئن مؤقتا عندما يسمع صوت ابنته الصغيرة ريتا، وعمرها اربع سنوات عبر الهاتف، تقول له انها بخير لكنها مشتاقة. تطالبه ريتا بان لا يتركها وشقيقها عطا وامهما، تقول له «بابا اشتقتلك، وعنا هون في قصف تعال خذني».

يقف رامي عاجزا عادة امام دعوة ابنته، لكنه لا يبرئ مسؤلين في السلطة مما وصل له، قال «الرئيس وقع قرارا بان احضر عائلتي لكن المسؤولين تلكأوا وانظر الى ماذا وصلنا». ومثل رامي يعيش مئات الغزاويين الذين اضطروا الى مغادرة قطاع غزة، إما بعد سيطرة حماس عليه، او من اجل البحث عن مصدر رزق. ومنذ بدأ العدوان على غزة، لم تغادر أم يزن، التي تعيش مع زوجها في رام الله، بينما ظل اهلها في شمال القطاع، تحت القصف، منزلها ابدا. قالت لـ«الشرق الاوسط» انها تعيش اجواء الحرب في غزة، وبسبب ان الاتصالات مقطوعة مع تل الزعتر، حيث تعيش عائلتها قرب بيت حانون (مركز العمليات لاسرائيلية)، فانها تضطر لمتابعة الاخبار دقيقة بدقيقة. تتابع ام يزن كل خبر وتنتظر كل جديد، تتفحص الاسماء ووجوه الجرحى على شاشات التلفزة. واضافت «عنا حالة استنفار ما بنقدر نطلع من البيت، كيف بدي اطلع وفي قصف على غزة». تخشى مع كل صورة جديدة لجريح او ضحية، ان يكون الضحية، احد افراد عائلتها او معارفها. ومنذ خمسة ايام لم تستطع ان تتحدث الى اهلها. قالت «من الصبح حتى اخر الليل لا اغادر شاشة التلفزيون». واخيرا بدأت تاتيها الكوابيس كل ليلة. قالت «لا استطيع النوم، احلم بكوابيس مفزعة من كثر ما بنسمع ان المنازل بتنهد على رؤوس اصحابها، نحن نعيش حالة رعب كامل». وهو رعب لا ينتهي الا اذا هدأ القصف وتراجع الاسرائيليون فقط. واخيرا، منحت فترة توقف القصف لثلاث ساعات يوميا، لأم يزن ان تطمئن، فقد اتصل بها والدها من منطقة اخرى بعدما غادر منزله فقط ليطمئن ابنته، لكن تجدد القصف لاحقا كفيل بان يجدد عندها نفس المخاوف والكوابيس.

اما محمد عرام، فلديه قصة مختلفة، ويجد بخلاف الاخرين ان مصيبته، مصيبتان، فزوجته واولاده الاربعة يتنقلون من منزل الى منزل منذ بدأ العدوان. ولسوء حظه، فان اهله يعيشون في مصر واهل زوجته يعيشون في رفح جنوب القطاع، ولا يستطيعون الوصول الى ابنتهم كما لا تستطيع هي ان تصلهم. وقال محمد لـ«الشرق الاوسط»: «تعيش وحدها بلا معين وسط غزة، وطلبوا منها اخلاء شقتها بعدما اخلى جميع سكان العمارة شققهم خوفا من قصف اسرائيلي، فاتصلت باحد الاصدقاء ليقلهم، فاذا بمحيط بيته يتعرض لقصف اسوأ، فاتصلت بصديق اخر وهكذا من بيت الى بيت تتنقل خوفا على حياة اولادنا».