مجلس الأمن يصدر قرارا بوقف فوري لإطلاق النار وواشنطن تمتنع عن التصويت

الفيصل: القرار 1860 يبعث في نفوسنا الأمل في بدء مرحلة جديدة في مجلس الأمن

TT

دعا مجلس الأمن في قرار اعتمده بأغلبية 14 صوتا بعد مفاوضات طويلة وشاقة استغرقت ثلاثة أيام إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار يحظى باحترام الجميع ويفضي إلى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة. وحرص القرار الذي يحمل الرقم 1860، والذي امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عليه على الحاجة الملحة لهذا الوقف لإطلاق النار. ورغم أن القرار يستجيب إلى الحد الأدنى من مطالب اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الملف الفلسطيني، على حد تعبير وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم، إلا أنه قد حظي بترحيب وزراء الخارجية العرب واعتبروه مؤشرا على نجاح جهود الدبلوماسية العربية التي قادها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بصحبة وزراء خارجية كل من مصر والأردن وليبيا والمغرب وقطر وفلسطين ولبنان وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.

وقد أشاد وزير الخارجية السعودي بالقرار الذي اعتمده مجلس الأمن بحضور عدد كبير من وزراء خارجية الدول الأعضاء في المجلس إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وفي بيانه بعد التصويت على القرار قال وزير الخارجية السعودي والرئيس الحالي لدورة الجامعة العربية الأمير سعود الفيصل «ان هذا اليوم يبعث في نفوسنا الأمل في بدء مرحلة جديدة في مسيرة مجلس الأمن الدولي، إذ تحمل المجلس مسؤوليته لإنهاء الأزمة المأساوية في غزة». وأعرب عن أمله في أن تمهد هذه الخطوة إلى حل الأزمة.

وتابع الأمير فيصل «ان اتخاذ هذا القرار من شأنه إعادة الثقة إلى آلية صنع السلام». وأعرب عن أمله من جميع الأطراف في أن تنظر إلى هذا النجاح باعتباره «إنجازا للسلم والأمن الدوليين وأن يشكل لنا نموذجا للتعامل مع الأزمات التي تعترضنا مستقبلا». وأضاف «ان السعادة الحقيقية لا تكمن فيما حققناه من إنجاز ولكن البهجة ستكون في غزة حيث من المؤمل أن يساهم إنجازنا اليوم في إنقاذ العديد من الأرواح البشرية».

وأشاد الأمير سعود الفيصل بالجهود التي بذلتها اللجنة الوزارية العربية وبجهود جميع الذين شاركوا في المفاوضات، غير أنه استدرك قائلا «إننا عندما نتذكر الثمن الباهظ للأرواح البشرية التي أزهقت فإن ذلك لا بد أن يحد من شعورنا بالاعتزاز». وفي ختام بيانه دعا الأمير سعود الفيصل الى أن تلتزم كل الأطراف بهذا القرار «لكي نتمكن من بناء السلام الشامل والعادل للنزاع الذي طال أمده في الشرق الأوسط وتعاظمت كلفته على الأمن والسلم الدوليين».

وقد اعتمد القرار في وقت متأخر من ليلة أول من أمس وبعد يوم طويل من المفاوضات الماراثونية شارك فيها وزراء خارجية الدول العربية والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع وزراء خارجية ترويكا مجلس الأمن الثلاثية وزيرة خارجية أميركا كوندوليزا رايس ووزير خارجية بريطانيا ديفيد مليباند ووزير خارجية فرنسا برنار كوشنير. وكادت فرنسا أن تفسد الاتفاق على نص القرار حين طلبت التأجيل على التصويت لمدة 24 ساعة، وقد أبلغ الوفد الفرنسي الوفد الوزاري العربي كما أفادت مصادر دبلوماسية «الشرق الأوسط» طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تأجيل التصويت بناء على محادثات أجراها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت بتأجيل التصويت. وقد تشدد الوفد الوزاري وأصر على التصويت على مسودة القرار الذي قدمتها بريطانيا باسم الترويكا الثلاثية في مجلس الأمن. وأكدت مصادر دبلوماسية أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل هدد وزراء خارجية الترويكا الثلاثية بتقديم مشروع القرار العربي للتصويت إذا أصرت فرنسا على التأجيل. وبرر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير التأجيل من أجل منح فرصة للمفاوضات التي تقودها مصر مع حماس وإسرائيل لتثبيت وقف إطلاق النار على الأرض. وبعد مشاورات اللحظة الأخيرة حسمت بريطانيا الموقف وبالاشتراك مع روسيا وألزمت فرنسا على التراجع عن موقفها من أجل عقد اجتماع للتصويت على مسودة القرار. ورغم تأييد واشنطن للقرار الذي شاركت في المفاوضات على بنوده غير أنها اختارت الامتناع عن التصويت بذريعة منح فرصة للوساطة المصرية لتثبيت وقف إطلاق النار. ووصفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس القرار بخريطة طريق «لاستعادة السلام في غزة»، وأعربت عن دعم الولايات المتحدة لكل البنود الواردة في القرار. وبررت رايس الامتناع عن التصويت قائلة «نحن ندعم بالكامل القرار، ولكن امتنعنا للتفكير بأهمية رؤية نتيجة الوساطة المصرية مع حماس وإسرائيل بهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار». ويدعو قرار مجلس الأمن إلى تقديم المساعدة الإنسانية بما فيها الغذاء والوقود والعلاج الطبي وتوزيعها دون عراقيل في جميع أنحاء غزة. ويرحب بالمبادرات الرامية إلى إيجاد وفتح ممرات إنسانية وغير ذلك من الآليات الرامية إلى توصيل المعونة الإنسانية على نحو مستمر. ويدين القرار جميع أشكال العنف والأعمال الحربية الموجهة ضد المدنيين وجميع أعمال الإرهاب. ورغم أن القرار لا يدعو إلى وضع آلية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، غير أنه يدعو «الدول الأعضاء إلى تكثيف الجهود الرامية لتوفير الترتيبات والضمانات اللازمة من أجل الحفاظ على وقف لإطلاق نار دائم وصون الهدوء بما في ذلك من أجل منع الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخيرة وضمان إعادة فتح المعابر بصفة مستمرة على أساس اتفاق التنقل والعبور المبرم في عام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل». ورحب القرار بالمبادرة المصرية وبالجهود الإقليمية والدولية الأخرى الجارية. وشجع مجلس الأمن في قراره على اتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين وبما في ذلك دعم جهود الوساطة التي تبذلها مصر وجامعة الدول العربية. ورغم أن القرار يبقي المسألة على قيد النظر، إلا أن وزير الخارجية الفلسطيني سجل بعض الملاحظات على القرار. وقال رياض المالكي «إن القرار رغم أنه يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، لكنه لا يتحدث عن الانسحاب الفوري (للقوات الإسرائيلية) ولا يتحدث صراحة عن موضوع رفع الحصار وانما يتحدث بصراحة بطريقة غير مباشرة». وانتقد المالكي القرار لأنه لا يوفر آلية لمراقبة وقف إطلاق النار ولا يوفر آلية لحماية دولية للمدنيين، وقال «إنهم تحدثوا عن ترتيبات وضمانات يمكن التوصل إليها لاحقا ولاحقا هذه متى تأتي وكيف تأتي هذا هو مصدر قلقنا كفلسطينيين». وأعرب المالكي صراحة من الخوف من استمرار القصف بحجة يوم عطلة يوم السبت للإسرائيليين لتنجز ما تريد انجازه. وبدورها رحبت بريطانيا بالقرار الذي لعبت دورا كبيرا في صياغته وفي التفاوض عليه، وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند «ان جوهر القرار الذي اعتمده مجلس الأمن يظهر إجماعا على سلسلة من الأهداف حول الوضع في غزة». وحددها بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار وقال «ان صياغة القرار واضحة في هذا الجانب». وأشار إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وإلى وقف إطلاق الصواريخ من قبل حركة حماس على المدن الإسرائيلية. واعتبر وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم العضو العربي في مجلس الأمن، القرار يلبي الحد الأدنى من المطالب العربية، وقال «بعد مشاورات واجتماعات متعددة ومطولة مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مع الوزراء العرب، تم التوصل إلى اتفاق إلى قرار قدمته بريطانيا ورأت المجموعة العربية أن القرار يلبي الحد الأدنى من مطالبها». وأعربت مصر عن الرضا من القرار وأعرب وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيظ عن أمله في أن يحرص مجلس الأمن «تمام الحرص على سرعة تنفيذ قراره حقنا للدماء وحفظا للأرواح البريئة»، واعتبر القرار مكملا للمبادرة التي أطلقها الرئيس حسني مبارك.