تقلص شديد في عدد الزيجات بلبنان

شُحّ في الرجال وفَيْض في النساء

هجرة الشبان اللبنانيين تسببت إلى حد كبير في تراجع نسبة الزواج (أ.ف.ب)
TT

رجل لكل خمس نساء في لبنان. هذه النسبة أوردتها وكالة «رويترز» في تقرير لها، نقلا عن تقديرات لخبراء السكّان. وطرحت عبر تقريرها هذا مسألة «العثور» على فارس الأحلام، التي أصبحت مطلبًا ملحًّا في أذهان الشابات اللبنانيات الباحثات، في غالبيتهن بِنهَمٍ، عن زوج يقيهن «تهمة» العنوسة، إزاء الشحّ في أعداد الشباب اللبناني.

ويردّ الخبراء في علم الاجتماع «الخلل» في «سوق التعارف» تمهيدًا للزواج، إلى النقص الحاد في «عرض» الشباب؛ ما يتسبّب في زيادة كبيرة في «طلب» الإناث عليهم. وهذا بدوره يعود إلى ازدياد الهجرة، التي لم تتوقّف يوما في لبنان، لا.. بل أخذت دائرتها تتّسع مع توالي الأحداث خلال الأعوام الأخيرة.

ويورد التقرير المذكور أن الشباب العاملين في الخارج يحظون بالأفضلية لدى الشابات الباحثات عن نصيب، لا سيما إذا نجحوا في تأسيس مستقبل زاهر لأنفسهم. فالعثور على شاب لا يزال يعيش في لبنان، وإنْ كان يتمتّع بالسمعة الحسنة، وحامل شهادات عالية، ويعمل في وظيفة مقبولة، قد لا يفي بالغرض ويشجع الفتاة على الارتباط، ذلك أن إجمالي الرواتب المتوافرة في لبنان لا يسمح بشراء شقة وتأثيثها، تمهيدا لدخول القفص الذهبي.

وانطلاقا من هذا الواقع، صار ممكنًا مشاهدة التهافت على شباب الاغتراب بوضوح لدى التجوّل في أبرز شوارع بيروت وأماكن السهر فيها خلال مواسم الأعياد والعطلات، إذ يزدحم شارعا مونو والجميزة مثلا، بالمغتربين العائدين إلى رحاب الوطن لتمضية إجازة باتت تسمح لهم بالتمعّن قبل الاختيار، فيما تختال الفتيات بأبهى صيحات الموضة ومساحيق التجميل؛ علّهن ينجحن في اصطياد «فريسة» على قدر الأحلام.

وتسأل زينة (26 عاما)، التي تجلس في أحد مقاهي الجميزة، عن سبب عدم عثورها على شاب، رغم أنها تتحلى بالجاذبية والطلة الجميلة والذكاء، وتحمل شهادة جامعية، وناجحة في عملها. وتقول: «سابقا، لم يكن الزواج يهمّني. كنت سعيدة بمتابعة دراستي، ومنهمكة في العثور على وظيفة لائقة. أما اليوم، وقد أنجزت ما سعيت إليه، فبتّ أشعر بأنني أريد تأسيس عائلة والإنجاب.. ليتني أعرف سبب تعثّر حظي في العثور على شاب!».

وتقول الاختصاصية في علم الاجتماع الدكتورة مي مارون سبع لـ «الشرق الأوسط»: «إن هجرة الشبان تسببت، إلى حدّ كبير، في تراجع نسبة الزواج. وهناك عامل آخر يلعب دورًا مهمًّا، وهو تمتّع الفتاة باستقلالها، إذ بعدما صارت تحمل شهادات، بات بإمكانها الحصول على وظيفة مرموقة، لذلك باتت ترفض الزواج مبكرًا، لئلا تتحوّل إلى ربّة منزل، تطهو وتنظّف.. فلم تعد تقبل بالزواج لمجرّد السترة». وتسأل صونيا (24 عاما) بصراحة: «لماذا أرضى بالزواج من شاب، وضعه المادي ليس جيدًا، ما دمت قد تجاوزت المرحلة الصعبة ماديًّا التي عشتها في المنزل مع أهلي، بعدما بدأت أجني راتبًا جيدًا جدا؟. إنني مستعدّة للزواج، إذا أحببت شخصًا ميسورًا». وتلفت سبع إلى أن «الكثير من العائلات المحترمة باتت تسمح لفتياتها بالعمل في الخارج، دون أن تشترط عليهن الزواج أولا. هذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل 5 سنوات». ماذا عن النتيجة؟. تجيب سبع: «لا يمكننا توقّع نتائج لأمر في طور الحصول، إنما قد يؤدي التأخر في سنّ الزواج إلى ازدياد الهوة بين الأجيال.. فإقبال الفتيات على الإنجاب في الثلاثين يعني أنهن سيكنّ في الخمسين حين يبلغ أبناؤهن العشرين».

ويبدي المغترب اللبناني زياد ح. (38 عاما) استغرابه «لإقبال الفتيات على الزواج من رجال يكبرونهن على الأقل بـ 20 عاما. هذا ما يحصل مع الكثيرات ممن أعرفهن. وحين أسأل الفتيات؛ يجبنني بصراحة: نريد أن نتمتّع بالأمان المادي».

وتلفت المحللة النفسية اللبنانية ميراي حلو إلى أن «سعي الشابات للتمتّع بالجمال، بغية الحصول على الشاب الأفضل، بمعنى أن يكون بهي الطلّة وثريًّا ومتعلّمًا، يعود إلى تأثّرهن بالأساطير وقصص سندريللا، حيث كانت الشابة الطيبة جميلة دومًا، وتتزوّج بالأمير، فيما السيئة تتّسم بالقبح، ومصيرها العنوسة».

تبقى الإشارة إلى أنه هروبًا من العنوسة، وجدت نسبة من الشابات اللبنانيات، لا سيما الجنوبيات، في جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» سبيلا للعثور على رفيق العمر.