الشروع في تصنيف مكتبة عبد الله بلخير مترجم الملك المؤسس وأول وزير إعلام سعودي

أسرته أهدت مكتبته وأوراقه لدارة الملك عبد العزيز التي تضم وثائق مهمة تخدم التاريخ المحلي

الملك سعود يجري اتصالات هاتفية بسفرائه خارج المملكة ويظهر في الصورة الأمير سلطان وزير المواصلات آنذاك والأمير سلمان وعبد الله بلخير («الشرق الأوسط»)
TT

شرعت دارة الملك عبد العزيز في ترتيب وتصنيف مكتبة عبد الله بن عمر بلخير، المستشار والمترجم المرافق للملك المؤسس وأول وزير إعلام سعودي والشاعر والأديب المعروف الذي رحل عن الدنيا قبل 6 سنوات.

وتضم المكتبة مجموعة كبيرة من أوائل المطبوعات والصحف المحلية والوثائق التاريخية المهمة، استعداداً لوضعها ضمن مقدراتها العلمية، وبالتالي تهيئتها للباحثين والباحثات، واستثمارها في مشروعات الدارة المقبلة في كتابة جوانب أخرى من تاريخنا الوطني.

من جهته، ثمّن الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز مبادرة أسرة عبد الله بلخير، على تعاونهم مع الدارة بإهدائهم مكتبة وأوراق والدهم وإيداعها الدارة.

ووجه الأمير سلمان، شكره إلى أبناء وأسرة عبد الله بلخير، على مبادرتهم الوطنية بإيداع مكتبة والدهم في دارة الملك عبد العزيز، مثمّناً هذا التعاون البناء مع الدارة، الذي يعد امتداداً لجهود والدهم في خدمة الوطن، ولما تمثله تلك المصادر المتنوعة من قيمة وطنية وعلمية لخدمة التاريخ المحلي.

وقال الأمير سلمان، في خطاب موجه لـ محمد سبأ عبد الله بلخير: «أشكر لكم مبادرتكم وإهداءكم هذه المكتبة. وسوف تقوم الدارة بالمحافظة عليها وخدمتها الخدمة اللائقة بها، وحفظها ضمن المجموعات الخاصة المحفوظة بالدارة باسم والدكم». كما ثمّــن أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة الدارة جهود الشيخ عبد المقصود خوجة في متابعة تسليم هذه المكتبة المهمة للدارة. وأوضح الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز الدكتور فهد بن عبد الله السماري «إن ما تسلمته دارة الملك عبد العزيز من أوراق وأعمال أدبية خاصة بـ عبد الله بلخير يعد تدعيماً لدورها في توثيق المصادر التاريخية وحفظ التاريخ المحلي، وما كان ذلك ليكون لولا فضل الله، ثم اهتمام ورعاية الأمير سلمان في دعم كل ما يحقق أهداف دارة الملك عبد العزيز لخدمة تاريخ السعودية والمحافظة على مصادره»، مشدداً بالقول إن «أهمية مكتبة عبد الله بلخير تنبع من أهمية المناصب التي تسنمها منذ عهد الملك عبد العزيز، ومرافقته له في مناسبات سياسية مهمة، واشتغاله في الشعبة السياسية التي أسست للخارجية والدبلوماسية السعودية، ثم تكليفه بإنشاء المديرية العامة للإذاعة والصحافة قبل أكثر من خمسين عاماً، وغيرها من المناصب المهمة الأخرى في بداية توحيد البلاد، فضلاً عن مكانته الأدبية والثقافية كشاعر وأديب بارز، وسيحظى كل ما تم إيداعه من تلك الأوراق والوثائق بالأهمية والرعاية والاهتمام من قبل الدارة، لكونها إضافة كبيرة وإضاءة جدية لجانب من التاريخ المحلي». يشار إلى أن الراحل بلخير، عاش في الفترة من عام 1913 حتى 2003. ووُلد الوزير بلخير في قرية غيل بلخير في حضرموت، وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ودرس شيئاً من الحساب، وتعلم فن الخط، وانفطر مبكراً على ميدان الشعر، والتعلق به منذ نعومة أظفاره، فكان والده يصطحبه معه إلى الأفراح التي تقع قريباً، وهو مازال طفلا في حضرموت، وكان دائمًا يتشوق إلى حضورها، والحفظ من أشعار الزوامل وروايتها عن ظهر قلب مع أحداثها. وكان قد هاجر مع والده من حضرموت، وهو في الثانية عشرة من عمره، واستقر بهم المقام في حي الشبيكة بمكة المكرمة، وأتيحت له فرصة التعليم النظامي بالمدرسة الأهلية، ثم مدرسة الفلاح عند إنشائها، وكان والده حريصاً على أن يكون عبد الله بلخير مدرساً في الحرم المكي.

واختير ضمن أفراد البعثة الدراسية في الجامعة الأميركية ببيروت، وعاد بعد إكمال الدراسة إلى السعودية، ليعمل في وزارة المالية أولا، ثم انتقل إلى الشعبة السياسية بديوان الملك عبد العزيز آل سعود مترجماً بـ (قسم الاستماع)، حيث كانت هناك إدارة قد أُنشئت في منتصف الخمسينات الهجرية الموافق 1935، سميت بشعبة الإذاعة، تابعة للشعبة السياسية، التي كان لها شأن كبير في ذلك الوقت، حيث كانت تعادل (وزارة الخارجية). ومن عمل هذه الشعبة السياسية، رصد الإذاعات العالمية 3 مرات في اليوم، ورفع تقريرها إلى الملك عبد العزيز آل سعود.

ويعد الشاعر والأديب والإعلامي والسياسي الشيخ عبد الله علي بلخير أحد الرجال القلة الذين تكونت منهم إدارة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان الملك عبد العزيز يصطحبه في رحلاته المختلفة داخل وخارج المملكة. ونظراً لإجادته اللغة الإنجليزية، فقد اعتبره الملك عبد العزيز من أهم مترجميه، حيث ترجم للملك عبد العزيز في لقائه التاريخي، إبان الحرب العالمية الثانية، مع الرئيس الأمريكي (روزفلت)، ورئيس الوزراء البريطاني (تشرشل)، في أربعينات القرن الماضي.

وأول ما لفت انتباه بلخير، وهو ما زال طالبا، أن بلاده بدون أناشيد وطنية، فكتب ما يقرب من 15 نشيدا وطنيا للناشئة، وقدمها إلى لجنة المسابقات، التي اختارت 13 نشيدا منها، وأقرتها ثم عممتها على مدارس البلاد.

ومن روائع بلخير الشعرية «ملحمة قرطبة» التي أصبحت مشهورة في عواصم البلاد العربية الثقافية، من بغداد إلى القاهرة وبيروت، فالخرطوم وعدن.

ومن أهم المناصب الإدارية والسياسية التي تقلدها في الدولة السعودية، رئاسته لديوان الملك سعود بن عبد العزيز. ونتيجة لثقة الملك سعود به، كلفه بإنشاء المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عام 1955، وعُين أول وزير للإعلام في المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود، حيث لمع نجمه كسياسي وإعلامي ناجح.

وعندما عاد الأمير فيصل من «مؤتمر باندونج»، لاحظ الملك سعود بن عبد العزيز أن الوفد السعودي لم يحظ بتغطية صحفية مصورة في الصحافة العربية، وكذلك الصحافة السعودية، فاقترح على بلخير أن يؤسس «مديرية للإذاعة والصحافة والنشر»، وأصبح مديراً عاما للمديرية في الفترة بين 1954-1962، وهو أول مدير للمديرية في عهد الملك سعود، فهي بمثابة حقيبة وزارية للإعلام، ولم يُسمَّ بلخير وزيراً للإعلام، إلا أنه كان يقوم بهذا الدور كوزير للإعلام.

وفي عهد بلخير، ازدهرت الإذاعة والإعلام، فتم إنشاء إذاعة صوت الإسلام، وإنشاء مجلة الإذاعة، ونقل الإذاعة من مكة إلى جدة، وظهور أكثر من 12 صحيفة، لا يزال بعضها مستمراً.

وكان الملك سعود بن عبد العزيز، قد أصدر مرسوما ملكيًّا بمنح الشيخ عبد الله علي بلخير، رتبة وزير مفوض، وعينه مشرفًا على المديرية الجديدة للصحافة والنشر.

كما أصدر مرسوماً مماثلاً بإنشاء مديرية للصحافة والنشر، مهمتها التنظيم والتنسيق على جميع وسائل النشر في المملكة، ونشر الحقائق والمعلومات، تربط بهذه المديرية (المديرية العامة للإذاعة) وإدارة المطبوعات والصحافة، ومختلف وسائل النشر في حدود الأنظمة المعتمدة، ويقوم سكرتيرنا الوزير المفوض عبد الله بلخير بالإشراف على هذه المديرية، وعلى مسئوليتها.

واصطحب الملك سعود بن عبد العزيز، في زيارته إلى الهند، بعد انعقاد مؤتمر باندونج بإندونيسيا، سكرتيره عبد الله علي بلخير والمدير العام للإذاعة والصحافة والنشر بتاريخ 29 ديسمبر (كانون الأول) 1955، وقد عقد الوزير المفوض عبد الله بلخير، سكرتير جلالة الملك مؤتمرا صحافيا في فندق (تاج محل) في مومباي، تحدث فيه إلى الصحافيين الهنود عن سياسة بلاده الخارجية، ومنها دعوة بلاده للدول الآسيوية والأفريقية للحضور لمؤتمر باندونج لتحقيق السلام العالمي.

وجاء على لسان بلخير في بيانه خلال المؤتمر الصحافي: «لقد أعلن جلالة الملك، في الحفلة التي أقامتها الجمعية العربية، عن بالغ تقديره للجهود الكبيرة التي بذلها رئيس وزرائكم المحبوب البانديت جواهر لال نهرو وحكومته في سبيل نهضة بلادكم وتقدمها، وأعلن جلالة الملك عن امتنانه للمعاملة العادلة التي يحظى بها 40 مليون مسلم في الهند».

وحينما زار السلطان حسين بن علي الكثيري، سلطان الدولة الكثيرية بحضرموت، جدة في أغسطس (آب) 1955، كلف الملك سعود بن عبد العزيز، الوزير المفوض وسكرتيره الشيخ عبد الله علي بلخير، باستقباله في مطار جدة، كما أنزله على ضيافة الحكومة السعودية في فندق الكندرة ـ أفخم فندق بجدة آنذاك.

ورافق الشيخ عبد الله بلخير، الأمير فيصل والأمير خالد في أربعينات القرن الماضي، في رحلتهما الشهيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث عمل مترجمًا في لقاء الأميرين مع روزفلت وتشرشل.

وكان الملك فيصل، كلما زار مصر أو الشام، يسأل عنه، ويستدعيه لاستشارته في بعض الأمور التي تتصل بتخصصه وتهم الدولة، كما رافق الأمير فيصل ـ ولي العهد ـ لمؤتمر دول عدم الانحياز في باندونج.

وتنقل الشيخ عبد الله بلخير، في مناصب عديدة، منها شئون الجامعة العربية والمؤتمرات، ورئاسته لديوان إمارة الرياض في عهد الأمير سلطان بن عبد العزيز عام 1953.

وقد آثر بلخير الراحة بعد سنوات من العمل، تجاوزت نصف القرن، حيث تنقل ما بين العاصمة اللبنانية بيروت، والمصرية القاهرة، إلى أن توفي عام 2003.