همسة في آذان التجار

سـعود الأحمد

TT

أتفهم موقف بعض التجار السعوديين الذين لديهم مخزون من البضائع بتكاليف عالية، لا يستطيعون البيع بأقل منها. لكنني متأكد من أن تعاملهم مع انخفاض الطلب على السلع جراء الأزمة المالية العالمية، ليس بعين الصواب. وأن التجار لم يفكروا في الخيارات الأخرى المتاحة، لأنهم تعودوا على عدد محدود من الآليات في التعامل مع تذبذبات الأسعار بالأسواق المحلية والعالمية. وأتذكر بهذه المناسبة مقولة المفكر جون مينارد كينز.. يقول «إن الصعوبة ليست في تطوير أفكار جديدة، بقدر ما هي صعوبة التخلص من الأفكار القديمة». وأن هذه المقولة ينبغي أن يُهمس بها في آذان تجارنا الخليجيين بوجه عام. فتجارنا تعودوا على ديمومة الارتفاع المضطرد للأسعار. وإذا انخفض الطلب على سلعة ما ينتظرون حتى يرتفع. وإذا زادت تكلفة التخزين أو الشحن أو التأمين أو مواد الخام (أو غيرها)، يضيفها التاجر على سعر البيع (ليتحملها المستهلك). وعلى هذا النحو، لم يعد لدى معظم التجار الرغبة في العودة للتفكير في تطوير آليات التعامل مع حالات انخفاض الأسعار ... لكن واقع الحال اليوم سيضطر الكثير من تجارنا لتقديم تضحيات مؤلمة نتيجة التأخر في التعامل بعقلانية مع الركود الاقتصادي العالمي القادم. ومن الطبيعي أن من يتأخر أكثر ستكون تضحيته أكثر إيلاماً! فلم يعد سراً أن هناك شعورا عارما بأن أسعار معظم السلع لا بد أن تنخفض. بل أن هناك إجماعا شعبيا جامحا في أوساط المجتمع السعودي، للإحجام عن شراء بعض السلع وتركها.. إلى أن تنخفض أسعارها. ولا نغفل تأثير الحملة الجماعية فيما يُنشر من تعليقات على الأخبار والمقالات بمواقع الصحف اليومية السعودية، على مواقع الشبكة العنكبوتية... بل أن هناك مواقع على الشبكة تعمل بتفان للأخذ بالثأر من بعض الوكلاء .. جراء ما كانوا يقومون به من رفع للأسعار خلال العقود الماضية.

هذه المشاعر صورها الرسام الكاريكاتيري الزميل عبد الله صايل بجريدة «الاقتصادية» (مؤخراً) ... عندما رسم كاريكاتيراً شبه فيه بعض العملاء بأنهم مقيمون في خيام بانتظار الوكلاء (الذين رسمهم أيضاً في خيمة) ليخفضوا الأسعار .. بمعنى أنهم ينتظرون من الوكلاء تخفيض الأسعار. والذي ينبغي مراعاته أن من الطبيعي أن تؤثر مثل هذه الحملات الشعبية. مما يضعف من قوى الطلب على السلع، ولو لم يكن هناك أزمة كساد اقتصادية عالمية.. وهو ما ينبغي على الوكلاء ألا يديروا لهم ظهرها. وعوضاً عن تقديم أفكار جديدة لامتصاص الأزمة. لا زال البعض يتجاهل تأثيرات عوامل دفع قوى العرض والطلب المحلي والعالمي. ومن يتعرف (عن قرب) على أوضاع الوكلاء؛ يجد المعادلة غير المنطقية بأن المستودعات والمعارض مكتظة بالبضائع والمصانع تُعلن عن خسائر فادحة، إلى درجة بعضها تتهدده شبح الإفلاس وبعضها أوقفت بعض خطوط إنتاجها وسرحت الآلاف من عمالها.. ومع ذلك الأسعار في السوق السعودي مشتعلة! ختاماً... فإن من يحاول التماسك عن طريق بناء تحالفات، يتناسى أن لكل تاجر ظروفه وليس كل وكيل يستطيع الصمود أمام هذا التيار. فهناك من يحتاج للبيع بأي سعر لتوفير سيولة لمقابلة النفقات التشغيلية، والبعض لديه بضائع لا يمكن تخزينها أو أن عملاءهم لديهم الخيار (البديل) لشراء نفس السلع من أسواق الدول الخليجية المجاورة. وبعضهم لا يمكنه تحمل مصاريف تخزين إضافية لفترة طويلة، وبعضهم ملتزم بعقود تصريف كميات لن يجد من يقاسمه مسؤولياتها..! إضافة إلى تكاليف رأس المال المجمد في صورة أصول ثابتة (سيارات وقطع غيار). ويخشى أن تتقادم ولا يجد من يدفع فواتير خسائرها.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]