هبة عادت إلى منزلها قرب الخط الفاصل لتجده مدمرا وفوق ركامه جثة حماها السبعيني

أهالي مناطق التماس يفرون جراء العدوان ويعودون ليجدوا بيوتهم وقد سويت بالأرض

TT

استهجن ماجد النعيمات أن يطرق شخص ما، باب منزله في مخيم المغازي للاجئين، وسط القطاع في ساعة متأخرة من ليل يوم الجمعة الماضي، وبعد تردد قام بفتح الباب، ليجد نجلي شقيقته التي تقطن بالقرب منه بالباب، حيث اخبراه بأنه لم يعد في منزلهما متسع لهما بعد أن تدفق على بيت عائلتهما العشرات من أقاربهما الذين يقطنون في الأراضي الزراعية بمنطقة «أبو العجين» شرق مدينة دير البلح، وسط غزة، بعد توغل القوات الاسرائيلية. عشرات النساء والأطفال هاموا على وجوههم في عتمة الليل وقطعوا بضعة كيلومترات حتى وصلوا الى بيت عبد الرحمن العودات، زوج شقيقة ماجد، الذي تربطه بعوائل الفارين صلة قرابة من درجات مختلفة. وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إنه شعر بحرج شديد لأنه لم يكن في بيته ما يفي من الغطاء والفراش لعشرات النساء والأطفال الذين تكدسوا في صالون المنزل والغرف الاخرى، سيما وأن المناخ شتوي والبرد قارس. لكن ما لم يكن في حسبان هؤلاء الفارين هو ما كان ينتظرهم بعد عودتهم في صباح اليوم التالي لمنازلهم.

كانت هبة، 27 عاماً، ابنة شقيق عبد الرحمن التي تقطن في «ابو العجين»، كانت أول العائدين في صباح اليوم التالي لمنزل العائلة، لكن الفاجعة كانت أكبر من أن تستوعبها، فقد اكتشفت وهي على الطريق المؤدية الى منزلها، ان اسرائيل قد سوته بالأرض. وفي حالة من الذهول واصلت هبة طريقها صوب المنزل لتصعق لهول ما رأته، فتطلق صرخة مدوية في السماء، فقد وجدت جثة حماها السبعيني ملقاة فوق كومة من الحطب، حيث كان يظهر بوضوح أثر رصاصة قد اخترقت جبهته. وعندما ألقت هبة بنظرها صوب كرم الزيتون الذي يقع على مقربة من البيت، فإذا بجثة عجوز آخر هو شقيق حماها. وقالت هبة التي تقطن في البيت برفقة حماها، حيث أن زوجها يقضي حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات لـ«الشرق الأوسط» أن أكثر ما يثير المرارة في نفسها هو أنها طلبت من العجوزين ترك البيت والتوجه للمبيت عند احد اقاربهما الذي يقطن بالقرب من منطقة «وادي السلقا» القريبة، حيث أن المكان أكثر أمناً، لكن العجوزين سخرا منها، وفهمت من تعليق حماها أن الجنود الاسرائيليين لا يمكن أن يتعرضوا لعجوزين مثله ومثل شقيقه.

وكانت عائلة جمعة السلاسلة التي تقطن جنوب «ابو العجين»، أكثر حظاً من عائلة هبة، فقد ترك جمعة وأنجاله الثمانية وزوجتا اثنين من اولاده البيت بمجرد أن سمعوا هدير الدبابات وهي تندفع من الخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل بمحاذاة محور كيسوفيم الذي يصل قطاع غزة بإسرائيل ففر جمعة وأفراد عائلته نحو الأحياء الجنوبية لقرية القرارة، القريبة من مدينة خان يونس، حيث يقطن عدد من أقاربه وحلت العائلة بأسرها عندهم. وفي الصباح عاد جمعة ليجد أن جرافات الاحتلال قد سوت بالأرض منزلي ولديه عمر ومحمد. في عملية التوغل هذه فقط، عادت ثلاثون عائلة بعد فرارها لتجد أن بيوتها قد سويت بالأرض تماماً.

وترك المنزل واللجوء الى الأقارب هو أحد مظاهر سلوك الكثير من الفلسطينيين لمواجهة تبعات عمليات التوغل التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. والوحشية والبربرية وعمليات الإعدام الميدانية التي ينفذها الجنود الاسرائيليون جعلت معظم الفلسطينيين، وتحديداً الذين يقطنون في مناطق التماس لا يخاطرون بالبقاء في منازلهم.

ويتعمد الجنود الاسرائيليون تدمير كل ما تصل اليه ايديهم، وهذا جعل الكثير من الناس يقومون بإيداع ممتلكاتهم لدى أقاربهم الذين يقطنون في المناطق التي تعتبر نسبياً أكثر أمناً. ومن هؤلاء محمد الحيلة سائق يملك سيارة اجرة «ميني باص»، يقطن في التخوم الشرقية لمخيم المغازي، وهي منطقة عادة ما يقتحمها الجيش الاحتلال عندما يتوغل في المنطقة. وقام الحيلة منذ أن شرعت إسرائيل في حملتها البرية على القطاع بإيداع سيارة الأجرة لدى أحد أقاربه الذي يقطن غرب المخيم.