في الخطوط الأمامية لطالبان: يشاهدون الفضائيات ويتابعون الاستعدادات لتنصيب أوباما

اعترفوا بحرق المدارس وقالوا انهم ليسوا ضد التعليم

عتاد عنصر من طالبان من الكلاشينكوف وصديرية واقية من الرصاص (خدمة «لوس أنجليس تايمز»)
TT

تُعتبر طالبان الطريق السريع الرئيسي «أرض العدو»، وهو طريق مكوَّن من حارتين مروريتين، تمر وسطهما القوات الأميركية بسرعة كبيرة، في محاولة للقيادة بعيدًا عن المفجّرين الانتحاريين. ويسير المسلحون على هذا الطريق وكأنهم يملكونه.

في أحد الأيام، تَوجّه ثلاثة من مقاتلي طالبان، حاملين بنادقهم وأسلحتهم البيضاء، متخفّين تحت عباءات من الصوف، وعلى وجوههم ابتسامة يشوبها ازدراء، لقافلة من الجنود البولنديين، تحاول شقّ طريقها وسط المرور، إلى الطريق الآخر، ليسبقوها. عندما وصلوا إلى نهاية عاصمة الإقليم، وهي تقع على بعد ساعة ونصف الساعة جنوب كابل، انحرف السائق إلى طريق مُوحِل في الصحراء بسيارته القديمة، فوق المطبَّات الصناعية، ومرّ عبر حراس الجيش الأفغاني الذين بدوا قلقين.

على بعد 30 ياردة من الطريق السريع الذي أنشأه الأميركيون، نكون قد دخلنا إلى دولة طالبان.

وتُسهّل المطبّات الصناعية على الجنود أو رجال الشرطة، وقف السيارات والتفتيش عن أفراد العصابات أو الأسلحة. ولكن غالبًا ما تقف قوات الحكومة وتنظر في اتجاه آخر، عندما يتحرك مقاتلو طالبان من معقلهم وإليه، في الصحراء الشاسعة. ويقول أحد المقاتلين، وهو شاب يبلغ 28 عامًا، وعرف نفسه باسم أحمدي: «لا يستطيع رجال الشرطة والجنود القدوم إلى أراضينا أبدًا، وإذا فعلوا، فلن يعودوا سالمين آمنين».

بعد سبعة أعوام من إطاحة الغزو الأميركي بنظام طالبان، يحكم المقاتلون الإسلاميون المتشددون، الذين تَفرّقوا، جرّاء القصف الهائل، إلى قراهم والقواعد الخلفية في باكستان، من جديدٍ، بقاعًا عريضة من أفغانستان. وعلى الرغم من أنهم أقوى في الجنوب والشرق، فإنهم يشنُّون هجماتهم على جميع مناطق البلاد. ويقول الجيش الأميركي، إنه ربما يحتاج إلى 30000 جندي إضافي في أفغانستان، في الصيف، وهو، تقريبًا، ضعف عدد القوات الأميركية الموجودة هناك. ويقول القادة إنه من المرجَّح أن يزيد عدد القتلى الأميركيين، الذي ارتفع بمقدار أكبر من الثلث في العام الماضي، إلى 155، وفقًا لإحصائيات موقع Incasualities.com، وعلى الرغم من زيادة قوتهم وثقتهم، فنادرًا ما يرحّب مقاتلو طالبان بالصحافيين الأجانب، حيث يُفرِطون في الحذر من احتمالية التجسُّس عليهم.

ومن بين الممارسات البشتونية التي تسود طالبان، يوجد ميثاق شرف قديم، يتطلب أن يحمي المضيف حياة ضيفه، وكأنها أهمّ من حياته. وذلك ميثاق غير منطقي عندما يكون الزائر أجنبيًّا مسافرًا بين قرى، ينتشر فيها المختطفون والفصائل المسلحة المتنازعة، في أثناء حرب متصاعدة.

واعتبر بعض قادة طالبان طلب «لوس أنجليس تايمز»، توفيرَ مرور آمن إلى أراضيهم، فقط للحصول على رفض للزيارة، به مخاطرة كبيرة، ولكن وافق قادة طالبان في غزنة أخيرًا، متحمسين لإظهار نطاق سيطرتهم.

اختلطت سيارة المسلحين بمئات من الحافلات الصغيرة، التي تنقل الرُّكَّاب في الريف الأفغاني. وقال رجال طالبان، الذين ترمز لحاهم السوداء الكثيفة وعمائمهم الكبيرة إلى تراثهم البشتوني الفخور، وانتمائهم إلى الملالي المسلحين، إنهم يقومون برحلات منتظمة من مدينة غزنة وإليها، وإلى طريق كابل السريع.

وفي إقليم غزنة، على الأقل، مسلَّحو طالبان ليسوا المقاتلين الخائفين المختبئين في الكهوف، ولكنهم يعيشون في قرى زراعية، حيث وُلد الكثير منهم، ويملكون الأرض، ويجنّدون قوّات جديدة، ويدرّبونها.

يقول أحمدي: «في الماضي، كان هناك الكثير من الجواسيس. لذا، كان علينا أن نتحرك في مجموعات صغيرة. ولكن الآن أصبحنا في مجموعات مكوَّنة من 300 أو 400 شخص. وليس لدينا مشكلات».

وفي فترة توقُّفهم عن العمل، يشاهدون القنوات التليفزيونية الفضائية، ويتابعون الأحداث اليومية الجارية. وفي الفترة الأخيرة، يشاهدون الكثير من التفجيرات والجثث في العدوان الإسرائيلي على حماس في قطاع غزة، عبر قناة الجزيرة. ويقول رجال طالبان في غزنة، إن هذه المشاهد زادتهم إصرارًا عن ذي قبل على القتال، وإذا لزم الأمر، الموت في سبيل طرد القوات الأميركية وحلفائها، الذين يعتبرونهم صليبيين، يريدون تدمير الإسلام.

ويتابع رجال طالبان، عبر التلفزيون، استعدادات تنصيب الرئيس المنتخَب باراك أوباما، الذي وصفه أحدهم بـ «مجرد كافر آخر»، ونبأ تعزيز القوات الأميركية الوشيك. ويقول رجال طالبان، إنهم بهذا سيجدون المزيد من الفرص لقتل غير المسلمين في الجهاد، مثلما فعل المجاهدون الذين ساندتهم الولايات المتحدة في الحرب، التي نشبت منذ عقد لطرد قوات السوفيات من أفغانستان، في الثمانينات.

وقال رجل آخر من طالبان، رفض الإفصاح عن اسمه: «كان للجيش الروسي مئات الآلاف من الجنود هنا، وفقدهم. والآن حان الدور على الأميركيين. إذا عزّزوا قوتهم بـ 100000، أو 200000، فلن نخسر روحنا المعنوية أبدًا، وسنستمر في القتال».

يتهم البعض طالبان بإجبار سكان القرى على القتال، ولكن رجال طالبان يقولون إن المتطوعين المتحمسين ينضمون إليهم، ليزداد عدد طالبان 10 في المائة شهريًّا، ويؤكدون أنهم يرفضون أعدادًا أخرى كبيرة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها قوات التحالف الأميركية، لمنع قدرة قادة طالبان، على إصدار توجيهات للعمليات العسكرية عن بعد، فإنه يبدو أن المسلحين على اتصال منتظم بقادتهم، وأنهم يتصرفون وفقًا لأوامرهم. وتوجهت بنا السيارة صوب منطقة قرة باغ، التي تشتهر بوجود خاطفين. وعبر طريق دائري، يمر عبر الحقول والممرات المائية، الناتجة عن ذوبان الثلوج أعلى المرتفعات، وصلنا إلى قرية على مرمى البصر من مُنطاد مراقبة صغير أبيض، مشدود بوتد فوق قاعدة بولندية. وقف اثنان مقنَّعان من رجال طالبان، وأصابعهما على زناد بندقيتين من طراز كلاشينكوف، ليفتّشا السيارة بسرعة، ثم رافقانا على دراجة بخارية، إلى مجمع كبير، محاط بجدران عملاقة من الطوب اللبِن.

وتنفيذًا للتعاليم البشتونية، بكرم الضيافة، قدّم رجال طالبان شايًا ساخنًا مُحَلًّى، وحبات لوز مكسوة بالسكر الأبيض، وقدموا حساء دجاج وزبادي وخبزًا للغداء. ومع استمرار الحوار، استرخى رجال طالبان وأزال معظمهم اللثام عن وجوههم. واعترف رجال طالبان بحرقهم للمدارس الحكومية، ولكنهم قالوا إن هذا لا يعني أنهم ضدّ التعليم، ما دام التعليم الإسلامي الصحيح. وقال أحدهم: «تُجرِي الحكومة عملية الاقتراع في المدارس، ونحن ضدّ الانتخابات، ما دام في البلاد أجانب، وهم يستخدمون المدارس كخنادق ضدّنا، لذا.. فعندما نحرق المدارس يكون ذلك خطأهم».

قال بعض من رجال طالبان من غزنة، إنهم قد شاركوا في جهود مبكّرة، من أجل تأييد انتخاب حكومة كرزاي، البشتوني، ولكنهم أفاقوا من الوهم، وحملوا السلاح ضدّها. وأظهر أحد رجال طالبان بطاقة سجلّ انتخابي، عليها صورته، بينما قال آخر إنه كان عاملاً مع الجيش الأميركي في غزنة، في فريق إعادة الإنشاء المحلّي. وخرجنا مجددًا من الصحراء، حيث لا يخشى الرجال تعقبهم، وانتظروا حتى وصلت سيارة الضيف لتقله، عبر نقطة تفتيش أفغانية. وبعد نقل زائرهم المسافر في أمان، لوّح رجال طالبان بأيديهم، وابتسموا صوب المدينة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»