إجراءات الجيش في جنوب لبنان تهدئ مخاوف المواطنين وبعضهم يرهن التطورات بطريقة تصرف حزب الله

نفذ عمليات مسح وتمشيط واسعة للتلال والوديان

TT

بعدما تكررت حوادث إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه المستوطنات الشمالية في إسرائيل، اتخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية جديدة لمنع استخدام ساحة الجنوب منصة لمثل هذه الأعمال وتوجيه الرسائل الأمنية والسياسية ومحاولة العبث بأمن الجنوبيين. والهدف الأساسي من هذه التدابير طمأنة الأهالي وإشاعة الاستقرار والتأكيد على تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي أناط بالجيش اللبناني والقوات الدولية مسؤولية حفظ الامن في المنطقة الحدودية الواقعة جنوب الليطاني. وهذه التدابير ينفذها الجيش بغطاء سياسي توفره الحكومة اللبنانية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية لبنانية أن الجيش يعمل على مستويين عسكري وأمني. فعسكرياً عزز الجيش من انتشار قواته في منطقة العرقوب حيث نشر العشرات من نخبة جنوده (المغاوير) في بلدات الهبارية والماري وكفرحمام وغيرها من قرى العرقوب. وقد نفذ الجنود أمس عملية مسح وتمشيط للتلال والاودية بحثاً عن صواريخ قد تكون معدة للإطلاق أو مخبأة في الأحراج. وأمنياً يعمل الجيش على مراقبة بعض الاشخاص والتقصي عن مجموعات قد تكون متورطة في اطلاق الصواريخ وتعمل لمصلحة جهات ومنظمات لبنانية وغير لبنانية.

وقد هدّأ تعزيز انتشار الجيش من مخاوف المواطنين لكنه لم يبددها. ويذهب كثير من المزارعين في قرى الجنوب وبلداته إلى القول إن ما يخيفهم ليس ما سموه «تلك المفرقعات الصاروخية التي أطلقت» بل القيام بعمل أمني مخطط. ويسأل بعضهم: «ماذا لو ذهب حزب الله الى المواجهة وفتح جبهة الجنوب اللبناني، فما الفائدة عندها من اجراءات اتخذت من قبل الجيش أو القوات الدولية؟». في الجنوب، ولاسيما في القرى المحاذية للشريط الحدودي، تذهب مخاوف السكان بالاتجاه الصحيح والمحدد، اذ تنحصر بالقرار السياسي لـ«حزب الله» بفتح جبهة الجنوب أو عدمه والتزامه الإجماع اللبناني على عدم استخدام الجنوب ورقة وحيدة للمواجهة. يخبرنا محمود شيت وهو مزارع في بلدة كفركلا الحدودية التي تبعد عشرات الامتار عن مستوطنة المطلة الإسرائيلية: «إن ما يخيفنا ليس تلك الصواريخ التي أطلقت، انما الموقف الذي سيتخذه لاحقاً حزب الله وهل سيدعم ويغطي أفعالاً كإطلاق الصواريخ أو يقوم بعمل ما؟». ويضيف ان الخوف «يستبد فقط في حالة كهذه. أي بمعنى آخر ان ورقة الحرب والسلم ما زالت، في غياب استراتيجية دفاع وطني لبناني، في يد حزب الله». وهو يصلي لكي يواصل «حزب الله» «التصرف بحكمة وتعقل كما أظهر حتى الآن حيال الوضع في غزة».

مواطنون آخرون لا يقللون من خطورة الصواريخ حتى ولو لم يكن «حزب الله» متورطاً في اطلاقها. ويرى حسين العبد الله من بلدة الخيام «ان الخطورة تكمن في عدم معرفة هوية من أطلق الصواريخ لان ذلك يدل على جهات متربصة تريد العبث بأمن الجنوب وجر لبنان الى مواجهة جديدة مع اسرائيل بذرائع الدفاع عن غزة. ويأمل في أن «تقمع» اجراءات الجيش اللبناني الأخيرة ظاهرة إطلاق الصواريخ المجهولة والتي يطلق عليها اسم «الصواريخ اللقيطة» ويجزم بأن الجيش «قادر على حماية المواطنين والقرى الجنوبية على الرغم من محاولات حثيثة يبذلها من لا يريدون الامن والاستقرار في الجنوب لإظهار الجيش بمظهر العاجز عن الايفاء بتعهداته حيال القرار الدولي 1701». أمام أحد أفران بلدة مرجعيون ذات الغالبية المسيحية، دعت المواطنة جورجيت عناصر من الجيش كانوا في دورية مؤللة الى تناول مناقيش بالصعتر والزيت. وتقول: «هؤلاء هم من يحمينا من أي اعتداء» مشيرة الى عناصر الدورية. وتتابع: «منذ انتشار الجيش نشعر بالاستقرار» متحدثة عن «أصابع خفية» تريد النيل من سمعة الجيش في المنطقة. وتجزم بأن «من يطلق الصواريخ ليس هدفه ضرب إسرائيل بقدر ما يهدف إلى ضرب هيبة الجيش اللبناني وإظهار أن الجيش فشل في مهمته في جنوب لبنان وأنه ضعيف». وتتدخل إحدى زميلاتها قائلة: «لن يستطيعوا النيل من الجيش لا هم ولا صواريخهم».

ما تتحدث عنه النسوة يقود إلى معادلة تشير إلى أن كثراً في الجنوب يعتقدون ان ما أطلق من صواريخ كان هدفه توتير الوضع واستدراج اسرائيل الى ردة فعل والنيل من الجيش بهدف احراجه وربما إخراجه.

في بلدة كفرشوبا ذات الغالبية السنية في منطقة العرقوب، يقول أبو محمود غانم «الدخان الأبيض لم يتصاعد بعد» لكنه متفائل بالآتي من الأيام «فإجراءات الجيش اللبناني الأخيرة ستعزز الطمأنينة في نفوسنا وستضيق الخناق على الأيادي العابثة التي أطلقت الصواريخ وهدفها ليس نصرة غزة بل النيل من الحكومة اللبنانية». وهو قرأ في زيارة قائد الجيش اللبناني جان قهوجي الى الجنوب «رسالة تطمين للمواطنين في الجنوب واللبنانيين عموماً بأن الامور مضبوطة ولا داعي للقلق».

وكما في الأيام السابقة، شهد خط الحدود أمس دوريات مكثفة للقوات الدولية والجيش اللبناني الذي أقام عناصره حواجز أخضعت السيارات والمواطنين للتفتيش والتدقيق في الهويات. وهي إجراءات قوبلت بترحيب من المواطنين. كذلك سيرت الكتيبة الإيطالية دوريات مكثفة على طول الطريق الساحلية بين الناقورة ـ رأس العين ـ سهل القليلة وحتى قرى شمع، طير حرفا، يارين، الضهيرة. وأقامت حواجز ثابتة ومتحركة. كما قامت بمراقبة «الخط الأزرق» الحدودي.