نادلو البلقان.. ليس بالإمكان أحسن مما كان

مطالبة مستمرة بنظرة أكثر احتراما

النادل أمل يأمل في أن يكون رئيسا للنادلين وفي الاطار النادلة انديرا («الشرق الأوسط»)
TT

كم كان إيمرسون متسرعا، عندما أطلق جملته الشهيرة «لو لم يكن العمل ضروريا لكسب المعيشة لكان أساسا لسعادة الإنسان».. فكثيرون يعملون ويكدحون من دون أن يعرفوا طعم السعادة أو حتى الرضا. بين المهن التي يشعر فيها أصحابها بالاضطهاد، لا السعادة، مهنة النادل، لا سيما في المقاهي الشعبية. وهي حالة تكاد تكون عامة في أكثر بقاع العالم.. ومنها البلقان.

الجميع يألف الأوصاف التي يطلقها البعض على النادل أو «السفرجي» أو «الغرسون»، مثل «تعالى يا زفت»، وغيرها من المستوى نفسه. وهي عبارات تجرح النادل، ولكنه يكظمها للمحافظة على عمله، ويقابل الإساءة بالصمت، وأحيانا بابتسامة مرة. سامر غيت (23 سنة)، شاب في العاصمة البوسنية سراييفو، يقول إنه اضطر للعمل نادلا لحاجته إلى المال، لتمويل دراسته، لكنه أضاع دراسته التي عمل من أجلها «العمل لم يسد حاجتي وأخذ كل وقتي، وأكثر من نصف الراتب كان يضيع في الأكل والمواصلات، وضاعت دراستي ولم أكن مرتاحا في العمل». وعن الأشياء التي كانت تزعجه في العمل انفجر سامر قائلا «قسوة كلام الزبائن.. يعتقد البعض أن النادل ملك خاص أو دون مستوى البشر». ومن الأشياء التي تزعجه أيضا «أن البعض يطلب قهوة ويجلس 8 ساعات في مكانه، وأحيانا أجد نفسي بين نارين؛ صاحب المقهى الذي يطلب مني إخراجهم، والزبائن الذين يتلكأون في الخروج». وذكر قصة تتكرر مع كثير من الزبائن؛ «في إحدى المرات طلبت من بعض الزبائن ترك المقهى لأنهم جلسوا ساعات طويلة وشغلوا الطاولات بدون فائدة، فطلبوا قهوة واحدة، وعند الخروج تركوا يورو واحدا كبقشيش، ثم عاد أحدهم ليأخذه قائلا إنني لا أستحقه». أما إنديرا هرتسغوفاتس (22 سنة)، التي بدأت العمل نادلة منذ كان عمرها 19 سنة، فوصفت عملها بأنه صعب جدا، لا سيما في الليل، خصوصا للفتيات. وتابعت «المكان الذي أعمل فيه يبعد عن بيتي 20 كيلومترا، ولم يكن أي من الزبائن يترك إكرامية (بقشيش) ولا أحد يلقي عليّ التحية عند الدخول أو الخروج، ولم ألمس أي احترام من أي زبون، فالجميع يعاملونني كخادمة خاصة، والبعض لا يترك مكانه إلا بعد إلحاح شديد، وإذا خرج أحدهم يعرب عن غضبه بإسقاط الكراسي أو الضرب بقوة على الطاولة». وواصلت «إذا لم يكن لديك صرف (فكة) تحدث مشكلة، والبعض يستعرض وضعه الاجتماعي بإخراج كمية من المال أمامك، ليبحث بينها عن قطعة من فئة صغيرة ليدفع، وقل أن قال أحد من الزبائن لي شكرا أو عندما يدخل أحدهم أو يهم بالخروج مرحى.. وبعد كل منغصات العمل لا بد للنادل أو النادلة من ختم اليوم بتنظيف المقهى، وهو عمل صعب، لا سيما في فصل الشتاء». ثم قالت بألم «الناس لا ينظرون إلى الظروف التي تدفع الطالبة أو غيرها للعمل نادلة، فقط ينظرون إلى المقهى على أنه مكان غير لائق، وبالتالي يعاملها البعض كما لو كانت من بنات الليل، ويحتاجون وقتا ليتأكدوا من خطأ نظرتهم السابقة». مع هذا، إذا كانت هناك ميزة للنادل فهي تعرفه على الناس، ولا سيما كبار المسؤولين، والكوادر الطبية والأمنية والنخبة الثقافية ورجال الأعمال ونجوم السينما. فقد كان النادل في يوغوسلافيا السابقة من أفضل الوسطاء الذين يهرع إليهم الناس لتحقيق مصالحهم مع الجهات المذكورة. لكن الزمان تغير، وتراجع كثيرا دور النادل منذ تسعينات القرن الماضي، ولم يعد مهما كثيرا لدى الدوائر المؤثرة في المجتمع. مع هذا يقول أمل مؤذنوفيتش (20 سنة) إنه اختار بنفسه العمل نادلا بعدما أنهى دراسته الثانوية في معهد لإعداد العاملين في الفنادق، ومنها وظيفة نادل. وأفصح عن أمله في أن يصبح رئيسا للنادلين، أو مديرا لفندق، إذ تؤهله دراسته لهذه المناصب بعد حصوله مستقبلا على الخبرة العملية. ويتابع أنه ليس نادما على خياره، وأن علاقاته مع زملائه حميمية ولا تشوبها أي خلافات. وعن سلوك الزبائن حياله خلال السنوات الأربع التي أمضاها في وظيفته، أكد أمل - الموظف بفندق «أوروبا» - أن «سلوك الزبائن نابع من مستوى المكان ومستواهم الاجتماعي، فهنا مكان جيد يفرض احترامه على الزبائن، وهناك مكان آخر وضعه مختلف». ويوافق حسين سالكيتش (21 سنة) على وجود «فارق كبير بين مكان وآخر وإنسان وإنسان، فالأماكن، حيث يباع الكحول، يعاني النادل فيها من الاضطهاد، وحتى الاعتداء الذي يصل إلى حد الإيذاء. وثمة أماكن لا تباع فيها القهوة وإنما المشروبات فقط»، وهذه هي الأسوأ كما يقول.