معهد بوش السياسي يثير الجدل: محاولة لتلميع صورة إدارته أم مركز لدعم النقاش

الرئيس الأميركي مستعد للحياة بعد البيت الأبيض: مكتبة ومتحف ومنزل جديد بمليوني دولار

TT

يتجه الكثير من الرؤساء السابقين إلى أعمال أخرى بعد مغادرتهم الرئاسة. فقد أسس جيمي كارتر مركز حقوق الإنسان، وفاز بجائزة نوبل للسلام، بينما أقام بيل كلينتون مؤسسة خيرية، وجال العالم ليلقي المحاضرات. وحتى الرئيس ريتشارد نيكسون الذي لقي الكثير من النقد، فقد افتتح مركزا لأبحاث السياسة الخارجية قبل وفاته بفترة قصيرة. والآن جاء دور جورج بوش.

فبعد أن يسلم البيت الأبيض إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما غدا، سيعود بوش (62 عاما) إلى تكساس للبدء في مرحلة ما بعد الرئاسة، وفي جعبته خطط لإقامة مكتبة ومتحف ومركز أبحاث في السياسة العامة في دالاس، وهذه تعد أكثر الخطط طموحا مقارنة مع معظم الرؤساء السابقين.

وبالإضافة إلى تكلفة هذه المشروعات (نحو 300 مليون دولار للمباني و200 مليون دولار كهبات)، تمثل خطط بوش محاولة للدفاع عن أعوامه المضطربة في البيت الأبيض، ولدفع النقاش حول أكثر سياساته المحلية والخارجية إثارة للجدل. وسيضم مركز جورج بوش الرئاسي «معهد الحرية» الذي يركز على عدد كبير من الموضوعات، من بينها نشر الديمقراطية في الخارج وإصلاحات التعليم التي أقرها بوش أثناء فترته الرئاسية، وفقا للمسؤولين عن تنظيم المشروع.

يقول دان بارتليت، مستشار بوش السابق، والذي يعمل الآن متحدثا رسميا باسم المشروع: «تتجه رؤية الرئيس إلى أن يكون المركز حاضنا للأفكار والمناقشات والمناظرات التي تدور حول قضايا كانت في المقدمة وفي محور الاهتمام أثناء فترته الرئاسية، ومنها أيضا تلك المثيرة للجدل. وتكمن الفكرة هنا في وجود مكان يمكن أن يستمر فيه النقاش».

وتبدأ مرحلة حياة بوش فيما بعد البيت الأبيض يوم غد بوقوفه أمام حشد يرحب به في مسقط رأسه في مدينة ميدلاند في تكساس، ويقوم بعد ذلك بالعودة إلى مزرعة الأسرة في كراوفورد في تكساس.

ومع حلول الشهر المقبل، من المتوقع أن تنتقل أسرة بوش إلى منزل اشترته حديثا بقيمة 2.1 مليون دولار في حي بريستون هولو في دالاس، وهو على مقربة من مجمع المكتبة المزمع إقامته في حرم جامعة ساذرن ميثوديست. وتستأجر أيضا إدارة الخدمات العامة، التي توفر مساحات للرؤساء السابقين مساحة 8.000 متر مربع لنشاطات بوش في ناطحة سحاب قريبة.

وقد تحدث بوش، الذي صرح أنه سيكتب مذكراته وسيلقي بعض المحاضرات، بحماس كبير عن آماله في مركز السياسة. وأكد أن رؤيته لهذا المركز تمتد إلى ما بعد فترة رئاسته. وقال بوش أثناء إحدى مقابلاته التي أجريت في الفترة الأخيرة من رئاسته: «هذا لن يكون مركز جورج بوش الشخص الرائع أو مركز تكتيكات حملة الحزب الجمهوري، بل سيكون مكانا للنقاش والتفكير والكتابة والمحاضرات».

ولكن يثير المشروع بعض الشكوك بين الأكاديميين، الذين يقولون إن بوش يبدو عاقد العزم على استخدام المركز لإعادة كتابة ميراثه كرئيس قاد البلاد إلى حرب غير شعبية وإلى أزمة اقتصادية. ويعارض العديد من أعضاء هيئة التدريس في جامعة ساذرن ميثوديست وطلابها المشروع، قائلين إنه لن يقود الى انتاج ذلك النوع من الأبحاث غير المتحيزة التي يجب أن تشجعها الجامعة.

وقال بروس بوتشنان، الاستاذ في جامعة تكساس في أوستن، إن المركز يجب أن يرحب بالمناهضين والناقدين لرئاسة بوش إذا أراد أن يأخذ في الاعتبار بجدية. إلا ان بوتشنان وآخرين يقولون إنهم يتوقعون أن يكون جزء من الهدف وراء هذا المشروع هو تحسين سمعة بوش.

ويمتلك بوش الأب، الرئيس الحادي والأربعون في الولايات المتحدة الأميركية، مكتبة ومتحفا في جامعة تكساس آيه آند إم، كما أطلق اسمه على إحدى الكليات هناك. ولكن التشابه التاريخي الأقرب لمخططات بوش الابن لما بعد الرئاسة قد يكون غير ايجابي على ضوء المناخ الاقتصادي الحالي: أسس هربرت هوفر مكتبة حرب في جامعة ستانفورد قبل أن يصبح رئيسا، وأصبحت في نهاية المطاف مؤسسة هوفر، وهو مركز رئيس للتفكير المحافظ والتحرري. ويقول ديفيد غرينبرغ المؤرخ في جامعة روتجرز، إنه يمكن عقد مقارنة أفضل مع نيكسون، الذي قضى الكثير من أعوامه بعد فترته الرئاسية في محاولة إصلاح صورته وسمعته كرجل دولة بعد فضيحة ووترغيت. وأسس نيكسون أيضا مركز نيكسون قبل وفاته في عام 1994 بأشهر. ويقول غرينبرغ إن مخططات بوش لتأسيس مركز بحثي خاص به «تهدف امتدادا لروحية إدارة بوش، التي كانت تشعر دائما بأنها في معركة مع نقاد أيديولوجيين».

ولكن يرفض المؤيدون هذه التقييمات على أساس أنها مجرد تخمينات، ويقولون إن بوش لا ينوي بناء مزار مقدس له. ويقول مارك لنغدال، رئيس مؤسسة المكتبة الرئاسية لجورج دبليو بوش إن معهد السياسة سوف يعتمد على العديد من الأفكار الهامة، منها «الحرية والعطف والفرصة والمسؤولية الفردية». ويقوم روبرت أيه إم سترن، عميد كلية يال للعمارة، بتصميم مبنى المركز الرئاسي، ولا يتوقع أن يتم الانتهاء منه حتى عام 2012، حسب ما قاله لانغدال وآخرون. وسوف تتولى إدارة الارشيف الوطني أوراق بوش وإدارة المكتبة بمجرد الانتهاء من عملية البناء، فيما سوف تدير مؤسسة بوش معهد السياسة. وفي الوقت نفسه، تخطط المؤسسة لبدء عقد ندوات وغيرها من الفعاليات في أقرب وقت ممكن لبدء نشاطها، حسب ما قاله منظمون. وقد قام بوش بدعوة الكثير من أصدقائه الأجانب القريبين منه للمشاركة بمجرد أن يبدأ المركز نشاطه، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ورئيسة ليبريا إلين جونسون سيرليف. ومن المقرر أن تلعب السيدة الأولى لورا بوش، التي وقعت اتفاقية مع دار النشر سكريبنر لكتابة مذكراتها، دورا محوريا في المركز، وستركز على حقوق المرأة ومحو الأمية والقضايا الأخرى التي استحوذت على اهتمامها خلال وجودها في البيت الأبيض، حسب ما صرحت سابقا وأكد الأمر آخرون.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»