كروكر وهو يستعد لمغادرة بغداد: على إدارة أوباما أن تدرك أن العراق لعبة طويلة

السفير الأميركي قال إن الإدارة الجديدة ستخطئ إذا اعتبرت ما جرى «حرب» بوش

TT

دون قصد، بعث الرئيس جورج بوش في نفس سفيره في بغداد شيئاً من الضيق عندما قال إنه «مصدر البهجة»، ويرجع ذلك إلى أن تقييماته عن الوضع السياسي في العراق كانت تتسم بالكآبة، في بعض الأحيان. ولكن استمر ريان كروكر خلال الأيام الأخيرة في وصف الأشياء بدقة كما يراها. ربما لا يجب على الصحافيين أن يكون لهم أبطال، ولكن يعد كروكر أحد أبطالي. تقابلنا لأول مرة في لبنان عام 1981، وقد تابعته على مدار الأعوام وهو يواجه أصعب التحديات في مجال العمل الدبلوماسي حتى أصبح دبلوماسياً من الدرجة الأولى دون أن يفقد دعاباته الساخرة اللاذعة أو إصراره على قول الحق لذوي السلطان. ومن المقرر أن يترك كروكر بغداد ليترك مجال العمل الدبلوماسي الشهر المقبل، وقد وافق (ولكن بعد إبداء تذمره بطريقته المميزة)، على إجراء مقابلة معه في نهاية خدمته الأسبوع الماضي، عندما كان في واشنطن. وما جعل من كروكر شخصية غير عادية بدرجة كبيرة هو فضوله الفطري بالعالم من حوله. ففي صيف عام 1970، عندما كان طالباً في كلية وايتمان كولدج وقرر ألا يقضي باقي حياته في مقاطعة والا والا، بواشنطن، سافر من أمستردام إلى كلكتا، وقد أصابته حالة من الافتتان لم يستطع التخلص منها أبدا، عندما سافر خلال الشرق الأوسط. والتحق كروكر بوزارة الخارجية في عام 1970، وخدم في إيران وقطر، وبعد ذلك قضى عامين في مدرسة لغات في تونس، حيث اكتسب قدرته على تحدث العربية بطلاقة. وفي عام 1981، أُرسل إلى لبنان كمستشار سياسي، وهي الوظيفة التي ساعدته على تشكيل سلوكه المهني، وكان كروكر في غرب بيروت عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان في يونيو (حزيران) 1982، وكان هناك بعد ثلاثة أشهر عندما وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا، وبشجاعته دخل المعسكرات وقدم أول تقرير رسمي يمكن الاعتماد عليه عن المذبحة، وكان في لبنان في أبريل (نيسان) 1983، عندما دمرت سيارة مفخخة السفارة عندما كان داخلها. وقد بقيت مع كروكر الدروس التي تعلمها من لبنان، وقد شكلت هذه الدروس نظرته إلى العراق. ويقول كروكر: «يكون للصدمات الكبرى تبعات لها أثر عظيم». وأضاف: «الغزو الذي قامت به إسرائيل في عام 1982 كان له أثر جوهري ومستمر على المنطقة بالكامل وعلينا، فقد أوجد التحالف الإيراني - السوري كما تسبب في ظهور حزب الله والتبعات الأخرى التالية والتالية، والبعض منها نواجهه في غزة في الوقت الحالي».

وقد جعل التشكك الفطري الملازم لكروكر منه حذراً إزاء قرار بوش غزو العراق. لن يتحدث عن آرائه في السياسات، حتى في الوقت الحالي، وكل ما سيقوله هو: «كان الأمر غامضا بالنسبة لي، فلم أكن أفهم ما سيحدث»، ولكن يقول: «لا يهم رأيي أو رأي أي شخص آخر في منطق الذهاب (إلى العراق) في 2003، فهو يبعث على الخلاف. لقد ذهبنا، ونحن فيه منذ ستة أعوام.... ويجب التركيز على أين نذهب حالياً».

وصل كروكر كسفير في بغداد في مارس (آذار) 2007، وكان بوش قد قرر فعلا زيادة القوات الأميركية الإضافية هناك، ولكن يتذكر كروكر التساؤلات التي كانت تطرح خلال الأيام الأولى، ومنها «كيف يمكننا على أرض الواقع أن نجعل من ذلك مكاناً أفضل؟» وبدأت دائرة فعالة توطد أركانها ببطء، حيث بدأ السنة الواثقون في أنفسهم في قتال «القاعدة»، وقرر الشيعة أنهم ليسوا في حاجة إلي الحماية التي تقدمها فرق الموت التابعة لـ«جيش المهدي»، وفي النهاية اجتمعت الأحزاب العراقية الرئيسة سوياً للموافقة على طلب كروكر لاتفاقية وضع قوات والانسحاب التدريجي للقوات الأميركية. ويصر كروكر على أن مفتاح النجاح في العراق هو الأثر النفسي الذي خلفه قرار بوش بزيادة عدد القوات هناك. ويقول عن ذلك القرار «مع شيوع وجهة نظر سلبية، كان له شعبيته. وفي مواجهة الكثير من النصائح التي لها منطقها بالقيام بعكس ذلك، قال (بوش) إنه يتحرك للأمام وليس للوراء».

ويقول كروكر إن قرار بوش كان بمثابة لطمة لمناوئيه في الولايات المتحدة. ويضيف «كان الدرس الذي كانوا قد تعلموه من لبنان هو (اتركه للأميركيين، دعهم يتجرعون الألم، وبعد ذلك لن تكون لهم القدرة على لفظه) وقد كانت الزيادة في عدد القوات بمثابة طعن في هذه الفرضية».

قريبا سوف يكون العراق مشكلة باراك أوباما. وقد سألت كروكر ما هي الأخطاء التي يمكن أن تقوم بها الإدارة الجديد، فرد قائلا إنه يعتقد أنها سوف تتجنب هذه الأخطاء، ولكنه سردها على أي حال: «الخلوص إلى أن هذه الحرب كانت حرب إدارة بوش، وأن الوضع مستقر بالدرجة الكافية في الوقت الحالي وأننا لا نريد أن نرثها، ولذا علينا أن نعود أدراجنا».

ويقول كروكر، يحتاج واضعو السياسات إلى استيعاب أن هذه لعبة طويلة، فتحقيق تغير في العراق لا يحدث سريعا: «ليس خلال العام الحالي، ولا خلال خمسة أعوام، وربما ليس في 10 أعوام».

ويضيف أن الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمه من العراق ومن حياته المهنية في مجملها هو أن الأحداث لها تبعات لا يمكن توقعها أو الهروب منها ويقول «عندما نكون جزءا من مجموعة من الأحداث الكبيرة والمهمة، علينا أن نفهم أن التيارات التي تتحرك سوف تدور وحدها على مدى أعوام عديدة بطريقة قد لا نفهمها بصورة دائمة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»