ولادة خطاب أوباما على يد جون فافرو.. أصغر كاتب خطابات يدخل البيت الأبيض

سهر حتى ساعات الصباح الأولى ينقح الخطاب مستعينا بأكواب القهوة ومشروب «رد بول» للحفاظ على نشاطه

جون فافرو كاتب خطابات اوباما يتفقد هاتفه الـ«بلاكبيري» («نيويورك تايمز»)
TT

قبل أيام من نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان جون فافرور، كاتب خطاب الرئيس الاميركي باراك أوباما يتحضر لقضاء عيد الشكر مع اصدقائه وعائلته. قبل بدء اجازة كان يتوق اليها، توجه الشاب الذي يتجاوز عمره الـ28 عاما، للقاء مديره، ليتفقا على الخطوط العريضة لخطاب التنصيب الذي سيلقيه اوباما اليوم. حمل فافرو، المعروف بين أصدقائه باسم «فافز»، جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص به، وجلس مع اوباما وكبير مستشاريه ديفيد اكسلرويد، لمدة ساعة من الوقت تقريبا. كان يدوّن الافكار التي يطرحها اوباما على جهازه. طلب اليه اوباما ان يعدّ النسخة الاولى من الخطاب ويسلمه اياها بحلول عيد الشكر، على الا يتعدى وقت القاء الكلمة الـ15 الى 20 دقيقة. قال فافرو انه تم الاتفاق حينها على فكرة الخطاب الرئيسية: اللحظات التي نمر بها اليوم، وفكرة ان اميركا تم تأسيسها على مثل عليا معينة، علينا استعادتها. ولكن النسخة الاولى تأخرت الى ما بعد عيد الشكر ولحين عودة فافرو من عطلته التي قضاها مع عائلته في مانهاتن في نيويورك، لكنه حتى خلال العطلة، لم يتوقف فافرو عن التفكير بخطاب التنصيب. كان يرسل الى نفسه افكارا عبر جهاز الـ«بلاكبيري» كلما خطرت على باله فكرة ما، وناقش كيفية تطوير الافكار وكتابتها مع أفراد عائلته وهم مجتمعون حول طاولة العشاء في عيد الشكر. استمع الى خطابات تنصيب سابقة، وحتى أنه التقى بيغي نونان، كاتبة خطاب الرئيس السابق رونالد ريغان، لاخذ نصيحتها. والفريق الذي يعمل معه، والذي يضم ثلاثة كتاب آخرين هو مديرهم، اجروا أبحاثا معمقة عن تاريخ خطابات التنصيب، وبعضهم قابل مؤرخين مثل ديفيد ماككلو. وفي واشنطن، توجه فافرو الى الموقع حيث سيجري حفل التنصيب، وقف أمام تمثال لينكولن يتخيل الساحة أمامه مكتظة بملايين الاشخاص، لكهم يستمعون الى كلماته ينطقها اوباما. هذا المشهد الذي تخايله فافرو، لم يخيفه مقارنة بالمشهد الذي ذكره به بيل بورتون، أحد الناطقين باسم اوباما، عندما قال له: «الذي ستكتبه، سيعلقه الناس في غرف منازلهم!».

«اذا فكرت بالامر، وحجم الذي تفعله، يمكن ان يشلك الامر»، قال فافرو.

عاد من اجازته، وفي الاسبوع الاول من ديسمبر (كانون الاول)، سلم النسخة الاولى من الخطاب لاوباما. ادخل الرئيس بعض التعديلات والملاحظات على الخطاب، فعاد فافرو ليكتب النسخة الثانية من اهم خطاب يحضره في حياته. عاد فافرو ليقضي الاسابيع المقبلة يفكر ويكتب لغاية ساعات الصباح الاولى. كان يعمل 16 ساعة يوميا مع اقتراب انتهاء المهلة الثانية لتسلمي النسخة المعدلة للخطاب، يسهر للساعة الثانية أو الثالثة صباحا، ويستيقظ باكرا في الخامسة فجرا أحيانا. يقول انه عندما يكتب لا ينام اكثر من 6 ساعات يوميا، ويساعده على الحفاظ على نشاطه أقداح قهوة ومشروب الطاقة «رد بول». بعد عطلة الميلاد كانت النسخة الثانية جاهزة. قرأ أوباما خطابه للمرة الثانية، وللمرة الثانية أدخل عليه تعديلات واقتراحات جديدة. يوم الاثنين الماضي، اجتمع اوباما مع فافرو واكسلرويد لمناقشة التعديلات الاخيرة.. التي لا تنتهي. فبين الاثنين الماضي واليوم، قد يكون اوباما أدخل الكثير من التغييرات على الخطاب الذي سيحدد سياسته للسنوات الاربع المقبلة، والذي سيستمع اليه ملايين الاشخاص في انحاء العالم. بالنسبة لفافرو، أن يكتب نسختين وثلاثة وأكثر من خطاب لرئيس هو نفسه كاتب، ليس غريبا. يقول اكسلرويد عن اوباما أنه أفضل كاتب خطابات في الفريق، «وهو يعرف ماذا يريد ان يقول وعموما يقوله افضل من أي واحد منا». ولكنه يضيف ان أوباما يثق بفافرو كثيرا، علما ان الاشخاص الذين يثق بهم ليسوا كثر. واذا كان اوباما هو الذي يعطي الخطوط العريضة لخطابه ويدخل التعديلات اليه، الا ان فافرو هو الذي يكتب الجمل كما يريد ان يقولها اوباما، ينمقها ويجملها حتى تصبح خطابا، ويطلق جملا من وحي الافكار الذي يضعها اوباما. والاهم أصبح يعرف كيف يفكر اوباما وأصبح متمرسا في طريقة كتابته، وقد حفظ تقريبا كتاب أوباما «أحلام من أبي» الذي يحمله معه أينما كان. وفافرو مثلا هو الذي أطلق الجملة الشهيرة التي قالها اوباما بعد فوزه في ولاية أيوا، الولاية الاولى التي صوتت له في الانتخابات التمهيدية: «قالوا ان هذا اليوم لن يأتي أبدا». فافرو يقول ان هذه الجزئية من الخطاب كانت سهلة. «عرفت انها ستحمل معاني مختلفة لاشخاص مختلفين... لاشهر قبل بدء الانتخابات التمهيدية، ظل الناس يقولون انه لن ينجح، وبالطبع جاء اليوم الذي ظنوا انه لن يأتي، عندما فاز مرشح اسود بأول ولاية أغلبية المصوتين فيها من البيض». تعرف اوباما على الشاب الذي اصبح في ما بعد كاتب خطاباته، عندما كان فافرو يبلغ من العمر 23 عاما. المرة الاولى التي رآه فيها، يتذكر فافرو ان أوباما نظر اليه بنظرة تعجب، وكأنه اراد القول: «من هو هذا الولد؟» كان ذلك في عام 2004، وحينها كان فافرو يعمل مع جون كيري مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. ركض فافرو الى الكواليس في مؤتمر الحزب الديمقراطي، حيث كان اوباما يتمرن على خطابه الذي سيلقيه في المؤتمر، فقاطعه فافرو ليقول: «اضطر السيناتور الى اعادة كتابة جملة في خطابه لتفادي التكرار بين خطابه وخطابك». وبعد عام في هذا اللقاء، أصبح فافرو يعمل لدى اوباما بعد فوزه في مقعد مجلس الشيوخ. فبعد خسارة كيري، وجد فافرو نفسه عاطلا عن العمل، وفاقد الارادة على العمل في السياسة مجددا، رغم انه تمكن من التقدم بسرعة، وتحول من شخص يجمع اقوال الصحف الى كاتب خطابات كيري. يقول فافرو عن تجربته مع كيري: «بعد خسارتنا في الانتخابات، شعرت بان المثالية والحماسة التي كنت اتمتع بهما، قد سحقتا. لقد كنت شاكرا جدا للتجربة التي عشتها، ولكنها كانت تجربة صعبة، اضافة الى الخسارة، وشعرت انني قد انتهيت. ولكن باراك استطاع اشعال الحماسة فيّ».

فبعد انتهاء الحملة، وانتهاء عمله، اتصل به روبرت غيبس الذي كان يعمل مع اوباما منذ ذلك الحين، وعين ناطقا باسم البيت في الادارة الجديدة، وعرض عليه عملا مع اوباما ككاتب خطاباته. وفي المقابلة التي اجراها معه اوباما قبل ان يوظفه في كافيتيريا مبنى الكابيتول هيل في شيكاغو، تحدثا لنصف ساعة في امور عامة مثل كرة السلة، وتحول بعدها اوباما ليسأله: «ما هو مبدأك في كتابة الخطب؟». لم تكن لدى فافرو اجابة. فهو لا يملك مبدأ للكتابة. اعترف بذلك ولكنه قال انه عندما سمعه يتحدث في المؤتمر ويروي قصته، شعر بأنه يمكن التواصل مع الاميركيين بطريقة لم ير فيها ديمقراطيا يمكنه ان يتواصل معهم منذ فترة طويلة. ثم طلب منه ان يعطيه فرصة. وهكذا بدأت رحلة فافرو مع اوباما في الكونغرس وانتقل معه طوال الحملة الانتخابية، يكتب خطاباته ويتناقش معه في امور شتى. أمضى الاشهر الاخيرة من حياته وهو في استعجال دائم لتسليم عمله قبل الموعد النهائي. تحول من شاب يلبس الثياب الرياضية كل يوم، ويعيش في منزل في شيكاغو مع ستة من أصدقائه، نادرا ما يحلق ذقنه ويقضي معظم اوقاته بلعب العاب الفيديو حتى الصباح، الى مسؤول عن كتابة خطابات الرئيس الاميركي الجديد. سيبدأ بارتداء البذات الرسمية وسيكون مسؤولا عن فريق من الكتاب، بعضهم أكبر منه في السن. صغر سنه الذي يبدو واضحا على وجهه، ينعكس أحيانا في تصرفاته. فمثلا بعد عطلة قضاها مع اصدقائه في ديسمبر (كانون الاول)، ظهرت صورة له على موقع «فايسبوك» يبدو فيها الى جانب صديق له وبينهما صورة لهيلاري كلينتون على لوحة خشبية، يعبثان معها. وقد اثارت الصورة موجة من التساؤلات في الاعلام حول حكمة الشاب الذي لا يزال يتصرف كمراهق، الا ان القصة طويت بعد ان قدم فريق اوباما الاعتذار الى كلينتون. واليوم، ينتقل فافرو مع اوباما الى البيت الابيض ليصبح أصغر مسؤول فريق كاتبي خطابات يدخل الى البيت الابيض.