تفاعلات مشادة دافوس: أردوغان سيستفيد في انتخابات المحليات ومعلقون يخشون تأثر دور تركيا كوسيط في الشرق الأوسط

نفي علاقة تأجيل زيارة ميتشل بالحادث.. ونجاد يشيد.. ورئيس الوزراء التركي يشدد على أنه لم ينسحب بسبب بيريس

TT

استمرت أمس تفاعلات المشادة التي وقعت في دافوس بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، على الرغم من المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما في أعقابها، في محاولة لنزع فتيل الأزمة بين البلدين اللذين تربطهما علاقات قوية. وبينما استقبل أردوغان استقبال الأبطال في اسطنبول، قال محللون أتراك إن هذا الموقف سيقوي وضع حزبه بين الناخبين في الانتخابات البلدية المقبلة في مارس (آذار). لكن صحفا تركية ومعلقين في الشؤون الخارجية اعتبروا أن هذا الموقف ربما يضر بموقف تركيا كوسيط في الشرق الأوسط.

وكان أردوغان قد ترك المنصة في إحدى جلسات مناقشات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كان يشارك فيها بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة، وعمرو موسى أمين عام الجامعة العربية، احتجاجا على عدم إعطائه الفرصة من قبل مدير الجلسة للرد على بيريس الذي تحدث 25 دقيقة. وقالت «رويترز» عن الحادثة، إنه عندما أشار بيريس بأصبعه في اتجاه أردوغان مدافعا عن الهجوم الذي شنته إسرائيل على غزة، ربما لم يضع في اعتباره الحساسية المعروفة عن الزعيم التركي تجاه الهجوم الشخصي.

ومن المؤكد أن رد أردوغان لدى سؤاله، كيف كان سيتصرف لو كانت الصواريخ تسقط على اسطنبول، لم يكن مكتوبا، لكنه وصل إلى لب الموضوع. وقال أردوغان (الرئيس بيريس.. أنت أكبر مني سنا، وصوتك عال جدا. السبب الذي يدفعك إلى رفع صوتك هو شعورك بالذنب. ولن أرفع أنا صوتي بهذا الشكل. عليك أن تعرف هذا. حين يتعلق الأمر بالقتل، أنتم تعرفون جيدا كيف تقتلون. أنا أعلم جيدا كيف قصفتم وقتلتم أطفالا على الشواطئ). لكن بعد الحادثة حاول الجانبان احتواء تداعياتها، فقد شدد أردوغان مساء المشادة يوم الخميس، على أنه انسحب من الجلسة، ليس بسبب خلافه مع بيريس، لكن لأنه لم يعط الفرصة للرد، فقد منح بيريس 25 دقيقة للحديث، بينما لم يحصل هو سوى على 12 دقيقة. وفي مؤتمر صحافي لاحق قال أردوغان «إنني لم استهدف بأي شكل الشعب الإسرائيلي أو الرئيس بيريس أو اليهود، فانا رئيس وزراء وزعيم أكد بشكل محدد أن معاداة السامية جريمة ضد الإنسانية».

وبعد عودته إلى إسرائيل قال بيريس، الذي اتصل هاتفيا بأردوغان، وأوردت صحف تركية أنه اعتذر إلا أن مكتب بيريس نفى أن يكون قدم اعتذارا، لكن بيريس قال إنه اتصل بأردوغان، وقال له أنا لا أرى المسألة شخصية، والعلاقات يجب أن تظل كما هي، واحترامي له لم يتغير، كان لدينا اختلاف في الآراء، والآراء آراء. ودافع بيريس عن فورته خلال النقاش في دافوس بأنه رأى سيل انتقادات لإسرائيل على عملية غزة التي ترى إسرائيل أن مسؤوليتها تقع على حماس بسبب إطلاقها الصواريخ.

وفي تركيا حاول الجيش الذي تربطه علاقات قوية بإسرائيل أن يخفف من التداعيات، مؤكدا أن علاقات البلدين تحميها المصالح الوطنية. وقال الجنرال متين جوراك المتحدث باسم هيئة الأركان إن المصالح الوطنية هي التي تقود العلاقات العسكرية لتركيا مع جميع البلدان. وعكس ذلك أيضا السفير الإسرائيلي في تركيا غابي ليفي الذي قال للتلفزيون التركي إنه يمكن أن تظهر خلافات بين الدول الصديقة من فترة إلى أخرى. وتركيا وإسرائيل لديهما وجهات نظر مختلفة تجاه إيران وحماس. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب أن نعتبر أنفسنا محظوظين لأننا نختلف على أشياء، بينما علاقتنا القوية مستمرة.

وفي طهران أشاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بغضب رئيس الوزراء التركي أردوغان في منتدى دافوس، وقال «إنه تصرف بالغ القيمة، وهو بالضبط ما كنا نتوقعه منه». وأضاف «أن سلوك النظام الصهيوني يشكل إهانة للإنسانية، وإني أشكر السيد أردوغان على بادرته». كما أشاد الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني ببادرة أردوغان، مؤكدا أن «تصرفه كان له وقع القنبلة في العالم». وطلب النائب الإيراني النافذ كاظم جلالي من تركيا «قطع علاقتها مع إسرائيل وطرد سفير النظام الصهيوني» لديها، بحسب وكالة «مهر». وأشارت وسائل إعلام إيرانية إلى أن طلبة إسلاميين تجمعوا أمس أمام السفارة التركية في طهران دعما لبادرة أردوغان. وقالت وكالة «فارس» إن الطلبة هتفوا «أردوغان نحن ندعمك» وأيضا «الموت لأميركا».

كما أبرق رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة إلى أردوغان شاكرا إياه على الموقف الذي اتخذه في دافوس. وقال «إن هذا الموقف المشرف يذكرنا بموقف الأسلاف حينما رفض السلطان عبد الحميد الثاني إقامة كيان صهيوني على أرض فلسطين».

وفي أنقرة قال جنكيز كاندار المعلق التركي البارز وخبير شؤون الشرق الأوسط «سينظر إليه كثير من الأتراك، وليس فقط حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه، على أنه شخص شرف تركيا. سيقوي هذا صورته ومصداقيته داخليا على الأقل على المدى القريب». وقال كاندار «بضربة واحدة ربما غير متعمدة أصبح أردوغان بطل العالم العربي. أصبح صوت الشارع العربي». وأضاف «من الواضح أن تركيا ستكون لاعبا مؤثرا في لعبة الشرق الأوسط، لكن لم يتضح بعد في أي إطار سيجري هذا. ربما يكون الدور الذي ستلعبه غير مريح». لكن مراد يتكين كاتب عامود بصحيفة «راديكال» قال «قد يحتل أردوغان مكانه في التاريخ الدبلوماسي بوصفه الزعيم التركي الذي لقن رئيس إسرائيل درسا، لكن هل ستستفيد تركيا من ذلك.. هذا هو السؤال». وأضاف «ألم يكن أهم ما يميز تركيا هي قدرتها على الحديث إلى إسرائيل وسورية وإيران جميعا في نفس الوقت». ويبرز مسعى أردوغان مد جسور مع الشرق الأوسط الصعوبة التي تواجهها تركيا في تحقيق توازن. واتخذت تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي والتي تتطلع للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، وضع الوسيط في منطقة صعبة المراس. وقال محللون إن من المرجح أن تتأثر العلاقات بين تركيا وإسرائيل على المدى القصير، كما يمكن أن تتضرر جهود أنقرة الرامية إلى لعب دور أكبر في المساعدة على التفاوض من أجل السلام، لأن إسرائيل لن تعتبر تركيا لاعبا محايدا بعد الآن.

وتعرض أردوغان لتدقيق متكرر لسعيه إلى تعزيز نفوذ بلاده في الشرق الأوسط، كما انتقد في الداخل لما بدا انحيازا منه لحماس، التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية. وستحاول أحزاب المعارضة التركية تجسيد الخلاف مع إسرائيل كدليل آخر على محاولات حزب العدالة والتنمية لتوجيه تركيا نحو الشرق الأوسط، بدلا من الغرب.

وجاءت مشادة دافوس قبل أيام من أول زيارة كانت مقررة لجورج ميتشل، المبعوث الأميركي الجديد، إلى تركيا. لكن متحدثا باسم السفارة الأميركية في أنقرة قال إن الزيارة أجلت بسبب جدول الزيارات المكثف لميتشل، ونفى أن يكون للتأجيل علاقة بحادثة دافوس، فالقرار اتخذ قبلها، كما أوضح المتحدث.