أوباما يبني علاقة متينة مع الجيش

عدم التحاقه بالخدمة العسكرية أثار قلق العسكريين في البداية

TT

التواصل بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والعسكر، بدأ منذ أكثر من عام عندما اتجه أوباما، المرشح المناهض للحرب الذي لم يخدم في الجيش مطلقا، إلى مجموعة من الضباط الشباب خارج الخدمة، ليتعرف على رؤية حية للحربين اللتين تخوضهما الولايات المتحدة. يذكر أحد الضباط، كريغ مولاني، الجندي السابق المكلف بالحفاظ على الأمن في أفغانستان، عندما كان يخبر أوباما في جولاته الانتخابية كيف كانت فصيلة الجنود التي انضم إليها والمكونة من 35 رجلا، تعطي الأمصال للجمال وتعمل مع مشايخ القبائل، وتتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن محافظة مساحتها مثل مساحة فيرمونت.

مهدت هذه المعرفة المبكرة الطريق أمام حملة مخططة بعناية، ليبني أوباما الثقة لدى الجيش ويتجنب الأخطاء التي قيدت بيل كلينتون، آخر قائد أعلى ديمقراطي. يوم الخميس الماضي، عندما اجتمع الرئيس لأول مرة مع الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان في غرفة اجتماعات البنتاغون الآمنة، كانت الحملة قد وصلت إلى مرحلة شعر معها المشاركون «بالراحة» حيال رغبة أوباما في العمل معهم، كما قال أحدهم.

ويقول مسؤولو وزارة الدفاع إنهم شعروا بالراحة لأن أوباما يحرز حتى الآن تقدما ببطء في وعدين تعهد بهما في حملته، وهما: سحب جميع القوات القتالية من العراق في غضون 16 شهرا، والسماح للمثليين بالالتحاق بالخدمة العسكرية علنا.

وقد أشار مساعدو أوباما إلى أنهم سيتجنبون مواجهة مبكرة بشأن الجيش، وسينتظرون عدة أشهر قبل التحرك من أجل إلغاء سياسة «لا تسأل، لا تجب» المستمرة منذ 16 عاما، التي تشترط أن يبقي المثليون العاملون في الجيش على توجهاتهم الجنسية سرا. وقال دينيس ماكدونو، وهو من كبار مساعدي أوباما في السياسة الخارجية: «إننا نتحرك بحذر. وأعتقد أننا رأينا ما يحدث عندما نتناول قضايا مهمة في غير حكمة. إن ذلك ليس في صالحنا وليس الأسلوب الذي يتبعه الرئيس». (وقد تسبب ضغط كلينتون عام 1993 من أجل السماح بخدمة المثليين علانية في نقد عاصف في البنتاغون، وكانت سياسة «لا تسأل، لا تجب» هي الحل الوسط.) وقد وصلت رعاية أوباما للجيش إلى درجة تسببت بالفعل في بعض القلق بين بعض أعضاء قاعدته الليبرالية الذين يقولون إنهم سيحملونه على الوفاء بوعده في شأن انسحاب القوات وسيضغطون عليه من أجل التحرك بمزيد من السرعة في قضية «لا تسأل، لا تجب». وقد دعت أكبر جماعة ضغط مدافعة عن حقوق المثليين في البلاد، الرئيس إلى وضع خطة من أجل إنهاء سياسة «لا تسأل، لا تجب» في أول مائة يوم من رئاسته، وتطلب جماعة أخرى من أوباما أن يلغي هذه السياسة بحلول نهاية العام.

يقول أوبري سارفيس، المدير التنفيذي لشبكة الدفاع القانوني سيرفيس ميمبرز الممثلة عن المثليين في الجيش: «سأكون قلقا بشدة إذا لم ينتهزوا الفرصة في عام 2009. إننا نضغط على الرئيس للوفاء بوعده، ونخطط أن نظل في الضغط عليه حتى يحقق ما نطلبه».

وفي نهاية العام الماضي، كشف استبيان أجرته صحيفة «ذا ميليتراي تايمز»، وهي غير ممثلة عن الجيش ككل، أن هناك الكثير من الشك بل والتشاؤم حيال أوباما بين 1,900 من المشاركين المجندين في الجيش. فأوباما لم يلتحق بالخدمة العسكرية، وهو صاحب أكثر السجلات الليبرالية في التصويت في مجلس الشيوخ، ولديه خلفية بدت متناقضة ثقافيا مع أكثر التقاليد المحافظة في القوات المسلحة. وعلى الرغم من أن جد أوباما كان مجندا في جيش باتون أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي الحقيقة التي ظهرت في خلال الحملة، إلا أن معرفته بالجيش كانت قليلة. ومن أجل تثقيف ذاته والحصول على الثقة، اقترب أثناء الحملة الانتخابية، كما يفعل المرشحون عادة، من الجنرالات المتقاعدين ومن بينهم أول وزير خارجية في عهد جورج دبليو بوش، كولين باول، الذي أيده ضد المرشح الجمهوري.

ولكن أوباما أيضا احتضن مجموعة من الضباط الشباب، وهم جميعا محاربون قدامى في العراق أو أفغانستان قدموا له سردا واقعيا لهاتين الحربين، وساعدوا على تكوين طلاقته العسكرية. وكان من بين أفراد هذه المجموعة مولاني (30 عام)، وهو طالب حائز منحة روديس سابقا، ومؤلف كتاب سيطرح قريبا عن أفغانستان «الدقيقة القاسية»، الذي عمل مساعدا للأمن القومي في حملة أوباما في شيكاغو؛ وماثيو فلافين (29 عام) خريج كلية أمهيرست وضابط الاستخبارات البحرية السابق الذي عمل في العراق وأفغانستان والبوسنة، وكان مساعد الأمن القومي للحملة في واشنطن؛ وفيليب كارتر (33 عام)، المحارب القديم ومستشار الشرطة العراقية في بعقوبة في عامي 2005 و2006، الذي كان مسؤولا عن التقرب من المحاربين القدامى في حملة أوباما.

وكان الثلاثة يجيبون عن أسئلة ماكدونو (39 عام) ومارك ليبيرت (35 عام)، مستشار أوباما في السياسة الخارجية منذ فترة بعيدة، وضابط الاستخبارات السابق في القوات البحرية في العراق. وبدأت المجموعةحاليا عملها في مناصب الإدارة الجديدة. ويحتل ليبيرت منصب رئيس موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ويعمل فلافين مساعدا في الفريق القانوني في مجلس الأمن القومي، بينما ينتظر مولاني وكارتر وظيفتيهما. ويقول مسؤولو الجيش إن أكبر خطوة في حملة أوباما نالت ثقتهم كانت احتفاظه بوزير الدفاع في عهد بوش، روبرت غيتس، بل وأيضا تعيينه لثلاثة من رجال الجيش الآخرين في مناصب عليا. ويحتل الجنرال جيمس جونز، قائد البحرية المتقاعد منصب مستشار الأمن القومي لأوباما، والجنرال إيريك شينسكي، قائد أركان الجيش المتقاعد، منصب وزير شؤون المحاربين القدامى، ودينيس بلير، الأدميرال المتقاعد، منصب مدير الاستخبارات الوطنية.

وصرح الجنرال جيمس كونواي، قائد قوات المارينز، للصحافيين في الأسبوع الماضي: «يوجد في مجلس الوزراء جندي وبحار وفرد من المارينز. وأجد هذا مشجعا جدا». (ولكن فنيا، لا يعد الجنرال جونز عضوا في مجلس الوزراء.) ويشير مسؤولو البنتاغون أيضا إلى البوادر المبكرة التي أظهرها أوباما والتي تحمل رمزا مهما بالنسبة لهم. من الممكن أن يقول أي شخص في الجيش إن أوباما استغرق وقتا لتأدية التحية العسكرية الأولى في 20 يناير (كانون الثاني). في ذلك المساء، تحدث الرئيس عبر الفيديو إلى القوات الأميركية في أفغانستان في قاعة القائد الأعلى للجيش؛ وفي الأسبوع السابق لذلك، وضع إكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول في مقابر أرلينغتون الوطنية، وزار الجنود الجرحى في مركز والتر ريد الطبي العسكري.

وبالطبع ستمر أوقات عصيبة في المستقبل. ليس أقلها أنه سيكون على أوباما أن يتخذ خيارات صارمة حيال خفض ميزانية الجيش.

* خدمة «نيويورك تايمز»