لبنان: «حرب المجالس» تهدد الانتخابات البرلمانية.. والتهدئة السياسية

بري يقترح إلغاء المجالس لصالح وزارة التخطيط.. و«14آذار» ترى فيها مناورة

TT

اهتزت «هدنة المجالس»، التي فرضها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لعشرة أيام على القيادات السياسية اللبنانية، بعد اصطدام المساعي الرامية الى تمرير موازنة الدولة اللبنانية لعام 2009 بعقدة موازنة «مجلس الجنوب»، الذي يتبع اداريا لرئاسة مجلس الوزراء، وسياسيا لرئاسة مجلس النواب نبيه بري، الذي يطالب وفريقه السياسي باقرار موازنة تبلغ قيمتها نحو 40 مليون دولار، كشرط للموافقة على الموازنة العامة، فيما تبرز اخطار تعطيل الدولة جراء هذا التجاذب الذي يعطل اقرار الموازنة ويدفع بالدولة الى اعتماد قاعدة صرف تسمى «القاعدة الاثني عشرية» السارية منذ عام 2006، علما بأن هذا التعطيل يهدد ايضا الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، بسبب تعطيل مصاريف اجرائها.

وذهب بري أمس بعيدا في عملية «الكباش»، باحالته الى المجلس النيابي اقتراح قانون قدمه معاونه السياسي النائب علي حسن خليل يرمي الى اعادة العمل بوزارة التصميم وابدال اسمها بوزارة التخطيط، والغاء القوانين والمراسيم التي انشأت مجلس الانماء والاعمار ومجلس الجنوب والصندوق الوطني للمهجرين والهيئة العليا للإغاثة. ورغم أن هذه المجالس تتبع رئاسة الحكومة اداريا وتنظيميا، الا أن الواقع السياسي غير ذلك. فهي استخدمت خلال فترة الثمانينات من جانب القوى السياسية النافذة لتقاسم الانماء عبر هذه القوى. فبري يسيطر سياسيا على مجلس الجنوب منذ منتصف الثمانينات، وقد قام بواسطته بمشاريع انمائية هائلة لمنطقة الجنوب اللبناني القوي فيها شعبيا وانتخابيا، وينتمي رئيس المجلس ومديره وفريق عمله اجمالا الى فريق بري السياسي. أما صندوق المهجرين فيديره مقربون من النائب وليد جنبلاط منذ عام 1993، وهو تخصص بملف المهجرين الذي دفعت من اجله ملايين الدولارات، سعيا الى الغاء جرح الحرب الاهلية والتهجير في مناطق الشوف والجبل. أما مجلس الانماء والاعمار فقد كان الوسيلة التي التف من خلالها الرئيس الراحل رفيق الحريري على روتين الدولة، واستخدمه في عملية الاعمار الواسعة التي قام بها خلال التسعينات، فيما فعَّل رئيس الحكومة الحالي فؤاد السنيورة عمل الهيئة العليا للإغاثة بعد وصوله الى السلطة عام 2005، وأصبح يعتمد عليها لتنفيذ المشاريع.

ونفى النائب علي حسن خليل أن يكون الاقتراح الذي قدمه «مناورة». وقال لـ«الشرق الاوسط»، «نحن جديون في هذه الخطوة، فإذا قبلت الحكومة السير بها لا مشكلة. أما إذا لم تقبل، فهناك مؤسسة قائمة اسمها مجلس الجنوب وهي تحتاج الى موازنة». ورأى أن قضية المجالس «كبيرة جدا وصغيرة جدا في آن واحد، فاذا عرفوا كيف يتعاملون معها انتهت من دون مفاعيل»، مستغربا كيف الغيت موازنة مجلس الجنوب وحده دون بقية المجالس والصناديق «بما يوحي ذلك به من استهداف لفريق سياسي معين». ورأى ان الكلام عن تسوية تقضي برصد مبلغ 25 مليار ليرة لبنانية كموازنة للمجلس «هو كلام سخيف». وقال، «بالمبدأ هذا المجلس قائم ويحتاج الى موازنة، وموازنته خلال الاعوام 2001 وحتى 2004 كانت 60 مليار ليرة (40 مليون دولار) وهو يحتاج هذا المبلغ للقيام بالاعمال المنوط به القيام بها».

ونفى ايضا أن تكون هذه الخطوة بمثابة «خرق للهدنة». وأكد التعامل الايجابي مع أي مسعى يقوم به رئيس الجمهورية، مشددا على «أننا نريد اصدار الموازنة لكن بعدل».

وفي المقابل أكد وزير الدولة جان أوغاسبيان (تيار المستقبل الذي يرأسه النائب سعد الحريري)، أن فريقه «ليس بالمبدأ ضد طرح الغاء المجالس والصناديق»، لكنه رأى أن هذا الامر يحتاج الى بحث ونقاش معمقين من اللجان المختصة. وقال لـ«الشرق الاوسط»، ان «هذه الخطوة هي نوع من الالتفاف على طرح وضع موازنة لمجلس الجنوب»، متسائلا عما اذا كان ممكننا حل هذا الموضوع في المدى المنظور، فيما أن الحكومة بحاجة الى قرار سريع حول موضوع الموازنة، فهل المطلوب الغاء الموازنة والعودة الى القاعدة الاثني عشرية»، معتبرا أن الحل يكون باقرار الموازنة، ثم البحث في هذا الموضع. ومشيرا الى جلسة قررتها الحكومة في فبراير (شباط) للبحث في موضوع الصناديق والمجالس. ورأى أن المخرج هو «اعطاء السلفات على اساس القانون 2001 الذي ينص على اعطاء 300 مليار ليرة لمجلس الجنوب يتم صرفها على شكل سلفات خزينة كلما توافرت الاموال».

واستغرب اوغاسبيان طريقة التعامل مع هذا الملف، كاشفا أن مجلس الجنوب أرسل الى اجتماع مجلس الوزراء لائحة بنفقات وحاجات للمجلس تبلغ قيمتها 148 مليار ليرة (نحو 99 مليون دولار) بما يفوق بكثير المبلغ الاول الذي طلب.

ورأى اكرم شهيب، عضو كتلة اللقاء الديمقراطي، الذي يرأسه النائب جنبلاط، أن طرح الغاء الصناديق والمجالس «هو في اطار المماحكة السياسية لا لتنظيم عمل ادارات الدولة». وقال شهيب لـ«الشرق الاوسط»، ان قانون الموازنة يقول بالغاء الصناديق بعد انتفاء الحاجة اليها، أي بعد انجاز مهماتها المنصوص عنها في قوانين انشائها. متسائلا عما اذا كان هذا الاقتراح عملا جديا أم من باب الضغط. وقال، «يجب فصل الموضوعين. من المهم انشاء وزارة مماثلة، لكن من المهم اتمام مهمات مجلس الجنوب وصندوق المهجرين».

واعتبر أن الخطورة تكمن في العودة الى منطق «الغاء الموازنات». وقال، «البلاد بحاجة في هذه الظروف الى ما يؤمن استمرار عمل اجهزة الدولة»، منبها الى أن استمرار الوضع القائم ينعكس تعطيلا لمجلس الوزراء وتشنجا في الحياة السياسية.

ورأى عضو كتلة المستقبل النائب مصطفى علوش، أن «مسألة تعطيل عمل المجلس النيابي والإقفال عليه بالمفاتيح لمدة سنة وأكثر، ومن ثم استخدام الثلث المعطل لتعطيل عمل السلطة التنفيذية برئاسة رئيس الجمهورية، عبر تعطيل أداتها التنفيذية على صعيد البرامج والمشاريع التي تهم كل المواطنين، ستطرح مسألة حساسة جدا هي معركة الرئاسة الثانية وستجعلها على طاولة البحث والتدقيق بعد الانتخابات المقبلة، لاسيما لدى قوى 14 آذار مجتمعة». وأكد أن «المشكلة قد لا تكون بالصناديق ولكن بعلامات الاستفهام الكثيرة على كيفية صرف الأموال وتحديدا عبر عمل مجلس الجنوب».