رواتب القطاع المالي كانت أعلى 30 ـ 50% من الصناعات الأخرى

18 مليار دولار مكافآت دُفعت العام الماضي

TT

بالنسبة لغالبية الأفراد، لا يعد تحديد الحد الأقصى للراتب بـ500 ألف دولار عقابا. ومع ذلك، فإن هذا الأمر يشكل خفضا في الراتب يرقى لمستوى الإهانة بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين بوول ستريت، وربما يمثل بداية حدوث تحول ثقافي. في الواقع، إن الأثرياء دائما ما يتوصلون لسبل جديدة لزيادة ثرواتهم. لكن على امتداد التاريخ، تتحرك الرواتب المرتفعة في وول ستريت صعودا وهبوطا عبر دورات من الإفراط والتصحيح. وبعد حقبة من الثروات المذهلة، يرى الخبراء أن دورة الرواتب بدأت في التحول باتجاه الهبوط مجددا. وعلى هذا الصعيد، تعتبر القيود التي فرضتها إدارة أوباما على رواتب المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت، التي أُعلن عنها الأربعاء، مجرد خطوة محدودة. لكن عادة ما تميل الإجراءات الحكومية لتحقيق أكبر نتائج لها عندما تتناغم مع قوى السوق والرأي العام. ويشير المحللون إلى أن نظام العلاوات الغريب المتبع في وول ستريت يتعرض الآن لانتقادات واسعة، حتى داخل الأوساط المصرفية، لإسهامه في المشكلات الاقتصادية التي أصابت البلاد. وبطبيعة الحال، تعتبر الرواتب واحدة من الموضوعات الحساسة بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين حاليا، في وقت تشير تقارير ظهرت الأسبوع الماضي إلى أن إجمالي المدفوعات في إطار نظام العلاوات داخل الشركات المالية في نيويورك وصل إلى 18.4 مليار دولار العام الماضي. إلا أنه مع فرض تنظيمات أكثر صرامة على اتخاذ الإجراءات ذات المخاطرة والخضوع لرقابة عامة أكبر، من الممكن انخفاض رواتب كبار المصرفيين، بحيث تصل لمستوى تلك التي يتقاضها أصحاب المهن الأخرى، مثل الأطباء والمحامين.

في الواقع، تعد الرواتب الهائلة التي شهدتها وول ستريت بمثابة ظاهرة فريدة. على سبيل المثال، صدر مؤخرا بحث وضعه اثنان من الباحثين عكفا على دراسة الرواتب داخل المجال المالي خلال الفترة بين عامي 1909 و2006، وتضمن مقارنة بين مستويات الرواتب داخل الصناعة المالية بمستويات الرواتب داخل القطاع الخاص ككل، مع محاولة مراعاة التعليم والمهارات والسن ونوع العاملين في النتائج. وخلال الورقة البحثية الصادرة عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، توصل توماس فيليبون من جامعة نيويورك وأرييل ريشيف من جامعة فيرجينيا إلى وجود فروق طفيفة بين مستوى الرواتب داخل المجال المالي وباقي أنحاء الصناعة، حال وجودها من الأساس، فيما عدا الفترة الممتدة من أواخر العشرينات والثلاثينات، ثم مجددا في الفترة بين منتصف التسعينات وحتى عام 2006. وخلال سنوات الازدهار تلك، كان معدل الأجور داخل المجال المالي أعلى بنسب تتراوح بين 30 في المائة و50 في المائة عن باقي جوانب الصناعة. وقال فيليبون يوم الأربعاء إن الفارق بين رواتب وول ستريت ومستوى الرواتب في باقي جوانب الاقتصاد، يتراجع، وفي طريقه لمزيد من الانكماش. وأضاف «سيعود الأمر إلى مستوى طبيعي» يذكر أنه من خلال الرواتب التي تقدمها للمسؤولين التنفيذيين، حددت وول ستريت النهج العام للصناعات الأخرى، حيث ارتفعت أجور كبار المديرين بمعدلات أسرع بكثير عن غالبية العاملين. عام 2007، بلغ إجمالي راتب الرؤساء التنفيذيين للشركات الأميركية الكبرى 275 ضعف متوسط راتب العامل العادي، حسب التقديرات الصادرة عن معهد السياسات الاقتصادية في واشنطن. في أواخر السبعينات، كان راتب الرئيس التنفيذي 35 ضعف متوسط ما يتقاضاه العامل الأميركي. من ناحيته، قال لورانس ميشيل، الخبير الاقتصادي بالمعهد البحثي: «قادت وول ستريت الطريق، وهذا الأمر سيتحرك في الاتجاه المعاكس الآن. وسنشهد تراجعا في مستوى التفاوت». وربما يتضاءل الإقبال على تقلد وظائف في وول ستريت مع انحسار الفارق في الرواتب بينها وبين المهن الأخرى. على مر السنوات، على سبيل المثال، حدثت زيادة كبيرة في نسبة خريجي جامعة هارفارد الذين انضموا للعمل بالمجال المالي. وقد عكف اثنان من الخبراء الاقتصاديين من خريجي هارفارد، وهما لورانس إف كاتز وكلوديا غولدين، على دراسة الاختيارات المهنية للطلاب الذين لم يتخرجوا بعد منذ الستينات، وتوصلا إلى أن نسبة الملتحقين بقطاع المصارف والمال ارتفعت من أقل من 4 في المائة إلى 23 في المائة في السنوات الأخيرة.

في بحث أجري على خريجي الجامعات من الستينات إلى التسعينات، وجد أن خريجي هارفارد الذين اختاروا مهنا تتعلق بمجال التمويل، يحصلون على ثلاثة أضعاف رواتب أقرانهم، وفقا لمتوسط التقديرات ودرجات الاختبارات.

يقول كاتز: «نرى تحولا كبيرا إلى مجال التمويل على مدار الأعوام، ومن الواضح أن طلاب هارفارد يستجيبون للحوافز الاقتصادية. ولا أعتقد بالتأكيد أن حبا خالصا في مجال التمويل هو الذي يدفع الناس إلى الدخول فيه».

وفي الأعوام الأخيرة، وفقا لأبحاث أجرتها جامعة هارفارد، سلك 40 في المائة من الطلاب مجالات الأعمال الأكثر ربحا مثل التمويل والاستشارات. وإذا لم تكن الأموال محل اعتبار، قال كثيرون إنهم كانوا ليسلكوا طريقهم في مجالات أخرى. وفي خطابها في حفل تخرج دفعة العام الماضي، حثت رئيسة جامعة هارفارد درو فاوست الطلاب على سلك الطريق المهني الذي يحفزهم.

وقالت فاوست: «إذا لم تحاولوا أن تفعلوا ما تحبون، سواء كان الرسم أو الأحياء أو التمويل، إذا لم تسلكوا الطريق الذي تعتقدون أنه الأهم، فسوف تندمون على ذلك».

وستهبط الأسواق والتنظيم الحكومي بما تقدمه وول ستريت أمام المهن الأخرى، لأن البنوك لن تستطيع أن تتحمل الديون لتزيد من حجم المراهنات المجازفة التي تقوم بها. ونتيجة لذلك، كما يشير المحللون، سيقل احتمال الحصول على أرباح ورواتب كبيرة، حتى عندما تتعافى الأسواق المالية.

ولكن على الرغم من أن وول ستريت ربما لا يكون مربحا كما كان في الماضي، فإن العمل فيه سيكون بالتأكيد مكافئا ماديا لأصحاب المهارات العالية.

ويقول روبرت هول، أستاذ الاقتصاد في ستانفورد: «سيحقق الأشخاص المتفوقون في مجال التمويل المزيد من الأموال أكثر من الآخرين. وهذا حقيقي في الاحتراف الرياضي، وحقيقي أيضا مع أساتذة الجامعات، وبالتأكيد سيستمر في وول ستريت»

* خدمة «نيويورك تايمز»