الصومال: قراصنة السفينة الأوكرانية أطلقوها بعد حصولهم على ضمانات أميركية بعدم ملاحقتهم

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: أخضعوا أموال الفدية لجهاز يكشف تزويرها.. أو حملها علامات غير مرئية

جندي في البحرية الفرنسية يتطلع إلى جهاز الرادار على متن السفينة الفرنسية «اف.اس.فار» التي تزور ميناء الدمام السعودي أمس أأ.ف.ب)
TT

أنهى أمس القراصنة الصوماليون أطول حادثة خطف من نوعها لسفينة قبالة السواحل الصومالية، وأطلقوا سراح سفينة الشحن الأوكرانية «فاينا» بعدما حصلوا على فدية مالية قدرها 3.2 مليون دولار أميركي، ليتجاوز بذلك مجموع ما حصدوه من فديات مالية منذ مطلع هذا العام فقط مبلغ 7 ملايين دولار أميركي.

وبعد 134 يوما ونحو 3213 ساعة من احتجازهم للسفينة التي تحمل علم بيليز و33 دبابة من طراز «تي-72» ومخازن ذخائر عديدة منذ نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، تخلى القراصنة عن السفينة بعدما ألقيت إليهم حقيبة مليئة بالنقود على متن السفينة من مروحية صغيرة سرعان ما اختفت. وغادرت السفينة الأوكرانية تحت حراسة السفن الحربية الأميركية المياه الإقليمية للصومال متجهة إلى ميناء مومباسا الكيني، لكن وجهتها النهائية ما زالت غير معروفة. وكانت وجهة السفينة موضع جدل حيث أكدت كينيا أنها كانت مخصصة لجيشها في حين أشارت مصادر أخرى أنها كانت ستسلم لسلطات جنوب السودان.

وكانت الرئاسة الأوكرانية أعلنت خبر الإفراج عن السفينة. وأوضحت الرئاسة في بيان أن أفراد الطاقم العشرين وهم (17 أوكرانيا وروسيان ولاتفي واحد) «بصحة جيدة وهم على متن فاينا». وجمعت عملية القرصنة هذه التي تعد بين الأطول في تاريخ القرصنة الصومالية، كافة عناصر الإثارة من الدبابات والذخائر على متن السفينة الى الفدية التي أسقطت بمظلة.. والى مقتل قبطان السفينة. فبعد ايام من خطف السفينة في 25 سبتمبر (أيلول) توفي قبطانها الروسي بسبب التوتر الزائد. وابقي على جثته في براد في السفينة تمت تغذيته بواسطة محول كهربائي.

وقالت مصادر صومالية وكينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن القراصنة حصلوا على ضمانات بعد ملاحقتهم، لدى توجههم إلى البر، من قبل سفن البحرية الأميركية الموجودة في المنطقة التي كانت تراقب عن كثب عملية خطف السفينة خشية تسرب حمولتها إلى الجماعات المتشددة في الصومال. وروت المصادر أن قاربين صغيرين سارعا إلى السفينة الأوكرانية المخطوفة على سواحل مدنية ميناء هارديرى القريبة من إقليم البونت لاند (أرض اللبان) شمال شرقي الصومال لنقل القراصنة المدججين بالسلاح والفدية التي تم تقسيمها أولا على متن السفينة بين الخاطفين الذين تجاوز عدهم الخمسين شخصا.

وكشفت النقاب عن أن القراصنة سارعوا لدى استلام الفدية وقبل تقسيمها فيما بينهم إلى إخضاع المبلغ بالكامل لجهاز خاص للكشف عما إذا كانت مزورة أو تحمل علامات غير مرئية تسهل لاحقا من مطاردة حامليه لدى إنفاقه. وأوضح احد المصادر ان «القراصنة الصوماليين سريعون جدا في عد النقود. ولديهم المعدات الملائمة لذلك».

واعتبر القراصنة أن مبلغ الفدية، الذي حصلوا عليه من هذه العملية التي شدت انتباه العالم إلى مدى خطورة نشاطاتهم قبالة السواحل الخطيرة والمميتة للصومال، ليس كبيرا مقارنة بما تكبدوه من نفقات لإعاشة طاقم السفينة المكونة من عشرين بحارا معظمهم من حملة الجنسية الأوكرانية، وتوفير الطعام والدواء اللازم لهم.

وشككت المصادر في صحة ما أعلنه مكتب الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو من أن تحرير السفينة تم بفضل عملية صعبة جدا نفذتها استخبارات أوكرانيا بالتعاون مع استخبارات أجنبية، مشيرة إلى أن المالك الرئيسي للسفينة الذي يعتقد أنه إسرائيلي الجنسية، خضع في نهاية المطاف إلى الضغوط الهائلة التي مارستها الحكومة الأوكرانية وعائلات المخطوفين لتسريع وتيرة المفاوضات مع الخاطفين. وهدد القراصنة قبل أسابيع بإغراق السفينة وحمولتها العسكرية الثمينة ما لم يبادر مالكها إلى إجراء اتصالات مباشرة معهم ودون الاعتماد على وسطاء محليين، قالوا إنهم يعملون بالأساس كسماسرة ويريدون الحصول على نصيب من الفدية المدفوعة لاحقا.

وقال سوجولى علي الذي يقدم نفسه على أنه متحدث باسم القراصنة وأحد أبرز قادتهم الميدانيين، أن القراصنة بذلوا مجهودات كبيرة للحفاظ على أرواح طاقم السفينة رغم الضغوطات الكبيرة التي كانوا يتعرضون لها.

وكان ثلاثة على الأقل من بحارة السفينة قد حاولوا قبل أسبوعين التمرد على الخاطفين والهروب، لكن محاولتهم باءت بالفشل وأصيب اثنان منهم بجروح مما أدى إلى قيام القراصنة بتشديد الحراسة على السفينة ومنع معظم طاقمها من التحدث إلى ذويهم عبر الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية. وقال احد القراصنة لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد ضقنا ذرعا بفاينا». واضاف «فكرنا في الإفراج عنها دون فدية.. غير أننا أنفقنا الكثير من المال الذي اقترضناه في شراء القات والكوكاكولا والماء والغذاء».

إلى ذلك، نقلت وكالة نوفوستى الروسية عن العقيد البحري ايغور ديغالو، مساعد القائد العام للأسطول البحري الحربي الروسي أن السفينة الروسية الكبيرة المضادة للغواصات «الأميرال فينوغرادوف»، قد بدأت أمس بمرافقة 3 سفن تنوي المرور بالمناطق الخطرة في منطقة القرن الأفريقي. وقال ديغالو إن «السفينة الحربية الروسية ترافق في الوقت الحاضر السفينة الأوكرانية «بوريس بابوتشكين» والسفينة الروسية «تشيركاسي» والسفينة «اوشين ستارلينغ» التي تحمل علم سانت فينسنت والغرينادين». ومن المقرر أن تلتحق تلك السفينة بعد إيصال هذه القافلة إلى منطقة آمنة، بالمناورات الروسية الهندية «ايندرا ـ 2009» التي ستبدأ في القسم الشرقي من بحر العرب قريبا.

من جهته شكك اندروا مورانجو مسؤول برنامج مساعدة البحارة ومتابعة نشاطات القرصنة في شرق أفريقيا في أن يكون حادث خطف السفينة الأوكرانية هو الأخير من نوعه، ودعا في المقابل إلى معالجة المشكلة من جذورها ومساعدة الصوماليين على إيجاد فرص عمل شريفة. وقال مورانجو لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في العاصمة الكينية نيروبي، إنه طالما استمرت الفوضى السياسية والأمنية في الصومال وغابت الحكومة المركزية والأمن عن هذا البلد فإن المئات من العاطلين عن العمل بإمكانهم أن يثيروا الرعب في وجه العالم عن طريق مواصلة خطف السفن وإرباك الحركة الملاحية في منطقة مياه المحيط الهندي وخليج عدن.