تراجع حلفاء طهران في الانتخابات يشكل ضربة للنفوذ الإيراني في العراق

العراقيون سنة وشيعة أكدوا أن انتماءهم الوطني أقوى من انتمائهم الطائفي

TT

تشكل الانتخابات المحلية الأخيرة في العراق «ضربة» للنفوذ الإيراني في العراق جراء الخسارة التي تعرض لها أقرب حلفاء طهران خاصة المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عبد العزيز الحكيم داخل أكثر الجولات الانتخابية أهمية، مما يوحي بظهور رفض عام لما يعتبره الكثير من العراقيين نفوذا إيرانيا غير مناسب داخل بلادهم. ويبدو هذا تحولا مثيرا للدهشة من وجهة نظر إيران التي بدت حتى عقد هذه الانتخابات الفائز الأكبر من وراء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003 وأسقط نظام صدام حسين. وأعرب المحللون الغربيون والعرب منذ أمد بعيد عن مخاوفهم من أن يسقط العراق في ظل حكم الشيعة تحت نفوذ الجارة الشيعية الأكبر، مما يمكن الإيرانيين من توسيع دائرة نفوذهم باتجاه الغرب باتجاه قلب الشرق الأوسط. وأكدت الانتخابات أن الشعور بالانتماء إلى العراق هو أقوى من الانتماء الطائفي الديني، وأن قدرة طهران على التأثير على السياسات داخل العراق محدودة، حتى وإن كان الشيعة يسيطرون على الحكومة هنا لسنوات قادمة. ورغم أن القضايا الكبرى في إطار الانتخابات اتسمت بطابع محلي ـ مثل جمع القمامة ونقص المساكن والفساد السياسي والمياه غير النظيفة ـ إلا أنه ظهرت تحت السطح نبرة خافتة معادية لإيران، وفي تقرير لوكالة «اسوشييتد برس» فإن بعض المرشحين حتى في الجنوب الشيعي أكدوا للناخبين أنهم «عراقيون مائة في المائة». والواضح أن الكثير من العراقيين ـ ليس من السنة فحسب ـ ما زالوا يكنون بداخلهم مشاعر ريبة عميقة تجاه الإيرانيين تعود إلى فترة الحرب الإيرانية ـ العراقية في الثمانينات. والمعروف أن الشيعة العراقيين تكبدوا النصيب الأكبر من الضحايا في الحرب لأن الكثير منهم كانوا في صفوف الجنود الأدنى مرتبة ممن يتقدمون الصفوف في المعارك. وصوت الكثير من العراقيين الشيعة لصالح الائتلاف الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي والأحزاب الأخرى التي خاضت الانتخابات اعتماداً على برامج علمانية ورسم مرشحيها صورتهم كوطنيين عراقيين. كما استفاد حلفاء المالكي داخل ائتلاف دولة القانون من الدعم العام للإجراءات الصارمة التي شنها رئيس الوزراء العام الماضي ضد الميليشيات الشيعية في البصرة وبغداد والمدن الأخرى. ويعتقد المسؤولون الأميركيون والكثير من العراقيين أن هذه الميليشيات كان يجري تدريبها وتسليحها وتمويلها من قبل طهران ـ وهو اتهام نفاه الإيرانيون مراراً. وقد تعني النتائج ـ على الأقل في الوقت الراهن ـ نهاية حلم المجلس الأعلى بإقامة منطقة شيعية تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب الغني بالنفط على غرار الدولة الكردية الصغيرة القائمة في الشمال. جدير بالذكر أن المالكي وغيره من السياسيين الشيعة يعارضون خطة الحكم الذاتي، خوفاً من أن يلحق ذلك الضعف بالدولة العراقية، خاصة داخل مدينة البصرة الجنوبية الرئيسية الواقعة على بعد بضعة أميال من الحدود الإيرانية. إضافة إلى ذلك، يعمل المجلس الأعلى مع الولايات المتحدة. وقد سعى مسؤولو الحزب للتقليل من أهمية الروابط القائمة بينهم وبين إيران باعتبارها السبب وراء أداء الحزب المخيب للآمال في الانتخابات. وبدلا من ذلك، قال المسؤولون إن الحزب عانى من مشاعر الغضب العام إزاء نقص الخدمات داخل المحافظات التي هيمن عليها منذ الانتخابات المحلية الأخيرة في يناير (كانون الثاني) 2005. على الجانب الآخر، سعى منافسو المجلس الأعلى إلى تصويره باعتباره أداة في يد إيران، حيث أُنشئ عام 1982 على يد عراقيين شيعة فروا من طغيان صدام. وقبل الانتخابات، بعثت بعض الأحزاب برسائل نصية إلى الناخبين تحثهم على الوقوف إلى جانب المرشحين الذين «سيضعون نهاية للنفوذ الإيراني في الشؤون العراقية». وفي البصرة، سعى أحد الأحزاب الشيعية الكبرى، الفضيلة، لوضع نفسه في مكانة مقابلة للمجلس الأعلى عبر التلميح إلى صورة الأخير كحزب موال لإيران. وأعلنت الملصقات الانتخابية الخاصة بالحزب أن الفضيلة «عراقي مائة في المائة»، بينما قالت أخرى إنه «وُلد في العراق ويموله العراقيون». ويوحي الأداء المثير للإحباط الذي مُني به المجلس الأعلى بأنه ربما يتعين عليه إعادة تعزيز أوراق اعتماده الوطنية العراقية قبل الانتخابات الوطنية عندما سيتعين على العراقيين اختيار برلمان جديد يختار بدوره رئيس الوزراء.