تونسي يوظف ملفوظات البحر في معارض بيئية

استخدم أكثر من 100 ألف قطعة في لوحات فنية تسر الأعين

يقول محسن لهيذب «إن العمل الذي يقوم به هو حركة تلقائية ومتواصلة يمارسها مساء السبت ويوم الأحد» («الشرق الأوسط»)
TT

البحر يطوق المدن التونسية على طول 1300 كلم من مدينة طبرقة في الشمال الغربي التونسي المحاذي للجزائر، إلى مدينة جرجيس الواقعة في الجنوب الشرقي وعلى بعد حوالي 600 كلم عن العاصمة التونسية.

والبحر يتجاوز جرجيس كآخر مدينة بحرية ليرتبط مع الحدود الليبية جنوباً. وميزة السواحل في مدينة جرجيس أن البحر لا تتخلله موجات وتيارات بحرية قوية وتطول المسافة القليلة التي تفصل اليابسة عن الأعماق، لذلك تسهل فيها تربية الأحياء المائية وممارسة عديد الهوايات التي من بينها هواية غريبة للتونسي محسن لهيذب، الذي هو من أبناء المدينة ومستقر فيها منذ سنوات. وإذا كان للتونسيين هوايات مختلفة مثل صيد الأسماك بالصنارة أو ممارسة الرياضة والذهاب إلى الملاعب خلال نهاية الأسبوع، فإن محسن لهيذب اختار التصرف فيما يلفظه البحر من مواد متنوعة (بلاستيك، عجلات مطاطية، قوارير، وغيرها) مما أضفى على ما يخلفه من لوحات فنية، مسحة من الجمال جمعت بين تنظيف البيئة التونسية من الملوثات، إلى جانب خلق محيط مختلف عما يعرفه الناس.

يقول محسن لهيذب «إن العمل الذي يقوم به حركة تلقائية ومتواصلة يمارسها مساء السبت ويوم الأحد» ويرى أن الملفوظات القادمة علينا من الضفة الأخرى للمتوسط تمثل هدايا ومصافحة مباشرة مع بقية الشعوب». ويعمل محسن على جمع القوارير ويصنفها ويجملها ثم يوزعها في شكل أفكار وأحلام جميلة ومفيدة، وهذا ما جعله لاحقاً يدرج ضمن موسوعة «غينس» للأرقام القياسية، فقد استطاع توظيف أكثر من 100 ألف قطعة من القطع التي لفظها البحر في متاحف بيئية عجيبة تسر الأعين وتريح الناس منها. كما أنجز كذلك شريطاً وثائقياً حول هوايته هذه حمل عنوان «قوارير الحكمة» وهو ما جعل المشرفين على مهرجان قرطاج السينمائي يتوجونه، كما جازته كذلك منظمة الأغذية والزراعة.

ويقول لهيذب إنه مهووس بالبحر فهو الذي يلفظ الأسرار جميعها ويطهر القلوب مما تحمل من أدران الدهر، لذلك «راسلت الكثير من الناس عبر أمواج البحر وخرج من بحر جرجيس 86 رسالة كما تلقيت 46 رسالة من مناطق عديدة من العالم».

ويرى محسن أنه منذ سنوات ينظر إلى البحر على أساس أنه محيط جميل وعلى جميع الناس المحافظة عليه، إلا أنه مع ذلك يبدو بعيداً عن السعادة. ويفسر ذلك بأنه يسعى إلى المزيد وأنه ينتظر أن يمرر مكتسبات تجربته إلى الآخرين وهو ما يعمل على تنفيذه خلال الفترة المقبلة.

وإلى جانب مجموعة المتاحف والمراسلات البحرية التي خلقت لديه الصبر والمثابرة وانتظار المفاجآت، فإن محسن لهيذب، قال إنه بعث مشروع «نينجا البحر» وهو من المبادرات الموجهة للفئات الشابة التي تكون لديها تدريجياً حس ووعي بيئيان، فأصبحت تباشر بشكل تلقائي عمليات تنظيف الشواطئ ونجدة السلاحف والطيور الجريحة، وكذلك غراسة الأشجار وتقليم النخيل بشكل تلقائي ودون انتظار الجزاء. بقي أن نشير إلى أن محسن يعمل متفقداً للبريد في مدينة جرجيس، والصدفة وحدها هي التي أفرزت هذا التطابق مع هوايته، فهو في مهنة البريد يؤمّن الرسائل ويفرزها ثم يوزعها، وهذا تماماً ما فعله مع البحر، فهو كذلك يصنف ويرسل ويوزع وفي ذلك تماهٍ مع مهنته الأصلية.