الحريري: نجاح «14 آذار» في الانتخابات النيابية يعني تقديم خيار الدولة اللبنانية على الارتهان للخارج

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يدعم مبادرة الملك عبد الله للمصالحة رغم موقفه من سورية ولن يشارك في الحكم إذا فازت «8 آذار»

رئيس كتلة المستقبل في البرلمان اللبناني سعد الحريري (أ. ب)
TT

أعلن رئيس كتلة «المستقبل» النيابية النائب سعد الحريري أنه لن يشارك في الحكم إذا فازت قوى «8 آذار» في الانتخابات النيابية المقبلة، مؤكداً أنه لن «يكرس مبدأ الثلث المعطل المعمول به في الحكومة الحالية» في إشارة إلى تقاسم فريقي «14 آذار» و«8 آذار» السلطة داخل الحكومة. معتبراً أن لبنان «سيذهب في اتجاه آخر إذا فاز الفريق الآخر في الانتخابات، داعياً اللبنانيين إلى اختيار «أي لبنان يريدون». ووجه الحريري انتقادات عنيفة إلى فريق الأقلية البرلمانية، معتبراً أن فريق «8 آذار» لا يمتلك أي مشروع للنهوض الاقتصادي وأنه «الفساد بعينه»، مشيراً إلى أن الناس بحاجة إلى فرص عمل ولا يستطيعون أن يعيشوا على «سندويش سياسة». ورأى تعليقاً على كلام النائب وليد جنبلاط الأخير عن المؤسسة العسكرية أن الأخير «زعيم سياسي لديه تساؤلات ومن حقه أن يحصل على إجابات واضحة من المعنيين». وكشف الحريري في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في بيروت أن لوائح «14 آذار» ستعلن في 14 مارس (آذار) المقبل في الذكرى السنوية الرابعة لانتفاضة الاستقلال، مشيراً إلى وجود «تباينات صغيرة» يتم حلها داخل «14 آذار»، داعياً الخصوم إلى «عدم الرهان على خلافات داخلية». وشدد الحريري على ضرورة التجاوب مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمصالحة العربية. مشيراً إلى أنه معنيّ بهذه المصالحة بالرغم من موقفه من النظام السوري «لأن المصلحة العربية العليا فوق أي اعتبار». وفي ما يأتي نص الحوار:

* ما الذي يعنيه لك بدء عمل المحكمة الدولية في مارس (آذار) المقبل؟

- سمعنا الكثير عن المحكمة، وتلقينا الكثير من التهديدات وسقط لنا شهداء من نواب ووزراء وصحافيين ومدنيين وعسكريين. كلهم سقطوا من أجل المحكمة في سبيل زرع الشك والرعب في قلوب اللبنانيين، لكن المحكمة قامت مع ذلك، والعدالة آتية إن شاء الله. بدء أعمال المحكمة هو إنجاز كبير في حدّ ذاته ويعني بالنسبة لنا أن تضحيات الشعب اللبناني منذ ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لم تذهب سُدًى، وأن تباشير الحقيقة التي رفعنا شعارها منذ لحظة ارتكاب الجريمة بدأت تلوح في الأفق. الكل يعلم أن لبنان دولة استبيح أمنها ودم قياداتها على مدى سنوات طويلة، وآن الأوان لمواجهة هذه الاستباحة ووضع حدّ لها، ومن هنا نحن نراهن على المحكمة الدولية، ونتطلع إلى أن تعمل بجدية في إطار العدالة التي تنشدها، وصولا إلى كشف الجناة وملاحقتهم. وموضوع المحكمة بالنسبة إلينا ليست قضية ثأر شخصي أو عائلي، إنها قضية تتصل بحماية لبنان وإنقاذ مفهوم العدالة.

* المحكمة أصبحت أمراً واقعاً، لكن ألا يبقى هناك من مجال للخوف من صفقة ما تُبعد القاتل الحقيقي عن العقاب؟

- نسمع هذا الكلام منذ 4 سنوات، كلام عن صفقات وتسويات وما إلى ذلك، لكن المحكمة باتت أمراً واقعاً الآن، رغم كل «البروباغاندا» والشعارات الفارغة. المحكمة تحققت لأن إيماننا بالله كبير ولأننا واثقون من قضيتنا، وناسنا صادقون وشرفاء. المحكمة أصبحت حقيقة، وكل محاولات إجهاضها وتطويقها فشلت. أما الحديث عن صفقات وما شابه فهو من باب التمنيات التي تروجها جهات سياسية وإعلامية تراهن على ربط مصير المحكمة بالمتغيرات السياسية. نحن على يقين أن هذا الرهان لن يكون له مكان في الوجود، وأن المسؤولين عن ارتكاب الجرائم سيجدون أنفسهم يوماً أمام هذه المحكمة ولو طال الزمن.. العدالة آتية ولا شيء أقوى من العدالة.

* هل أنتم مستعدون لتقديم تضحيات ما قد تجنب القاتل العقاب مقابل «تعاون» في الملف اللبناني؟

- ملاحقة القاتل أصبحت في عهدة المحكمة الدولية، والمسألة لم تعد مرتبطة بتقديم تضحيات أو عدمها بعد مسيرة التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب اللبناني ودفع ثمنها غالياً من دماء قادته ومثقفيه طوال السنوات الأربع الماضية. فالمسألة أصبحت أبعد من تقديم تضحيات من هنا أو من هناك، خصوصاً بعد المسيرة المعقدة والطويلة التي قطعتها التحقيقات في الجرائم الإرهابية التي استهدفت لبنان.

* هناك كلام داخلي كثير عن نية قوى «14 آذار» استغلال هذه المحكمة في الانتخابات المقبلة؟

- الحقيقة هي أن رفيق الحريري استشهد وأن رفاقه ورفاقنا استشهدوا. هذا هو الواقع، ومن المعيب والمؤسف أن يقال هذا. نحن أوفياء لشهدائنا ونكبر فيهم بعدما ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن. نحن لا نستعمل الشهداء، بل هم يفعلون. إنهم يحاولون تغيير مجرى العدالة ويحاولون تعطيلها. نحن واثقون من أن الناس سوف يصوتون في هذه الانتخابات بوعي، وأنا أطلب منهم شيئاً واحداً فقط هو أن يصوّتوا للبنان.

* ما الذي تعنيه هذه الانتخابات؟

- تعني أن لبنان أمام مفترق طرق، ولذلك نقول إنها انتخابات مصيرية. حق فريق «8 آذار» أن يكون لديه مشروعه السياسي، وحقي أن يكون لدينا في «14 آذار» مشروعنا الذي هو الإعمار والاقتصاد والحرية والسيادة ومحاربة الفساد، ولا «يتفذلكون» علينا بالكلام عن الفساد، لأن مشروعهم الوحيد هو الفساد... «8 آذار» هو الفساد بعينه. معركتنا الانتخابية هي للعروبة والاستقلال والإنماء والاقتصاد. هذه الكلمات لا يعرف كثيرون معناها، والحمد لله نحن حصلنا على استقلالنا بفضل دماء الشهداء الذين سقطوا بالاغتيالات والتفجيرات، وشهداء حرب يوليو (تموز) 2006 وشهداء الاعتداءات الإسرائيلية في الأعوام الماضية وفي كل الحروب، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه.

* ماذا تعني كلمة «انتخابات مصيرية»... فما الذي سيتغير؟

- فوز 14 آذار يعني تشبث اللبنانيين باستكمال مسيرة السيادة والاستقلال وبالنظام الديمقراطي والعيش المشترك وتقديمهم خيار الدولة اللبنانية على خيارات الارتهان للأنظمة الإقليمية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، أما الخسارة فهي نقيض ذلك، وعلى اللبنانيين أن يختاروا أي لبنان يريدون. إذا خسرت «14 آذار» سيتغير كل شيء، البلاد ستذهب في اتجاه آخر ومشروع آخر، نحو الكلام الذي نسمعه دائماً عن «مشروع الممانعة» وما إلى ذلك. إنهم لا يمتلكون مشروعاً اقتصادياً، فكيف سيقومون بالبلد... لا أعرف. وفي المقابل، كلما حصلنا على مساعدة للجيش تقوم قيامتهم، والآن بعد حصول الجيش على المساعدات الإماراتية سيبدأون حملة جديدة.

* هناك سجال قائم حول المؤسسة العسكرية الآن، ومنه كلام النائب وليد جنبلاط الأخير وسحبه ممثله في لجنة صياغة الاستراتيجية الدفاعية، فأين أنت منه؟

- وليد بك زعيم سياسي ولديه تساؤلات، ومن حقه أن يحصل على إجابات.

* إجابات مِن مَن؟

- من المعنيين عن هذا الملف، والمطلوب إجابات واضحة.

* هناك كلام عن أن لا أحد سيحصل على فوز كاسح في الانتخابات المقبلة.... - من يقول هذا؟.

* عديدون بينهم رئيس البرلمان نبيه بري، فهل سنعيش تجربة مماثلة لما نعيشه الآن من «تعايش» في الحكم؟

- لا أحد يستطيع أن يتكهن بالنتائج. يستطيع المرء أن يتمنى، كحال الذين يطلقون هذا الكلام في «8 آذار». وفي أي حال، إذا فازت «8 آذار» فمن المستحيل أن أشارك في حكومة مقبلة. إذا فازوا لن أشارك، فليحكموا بأنفسهم، أما أنا فلن أكرس «الثلث المعطل».

* وإذا حصل العكس وفازت «14 آذار»؟

- هناك معادلة جديدة في البلد، هناك «14 آذار» ومستقلون يأخذون من دربنا ومن دربهم. هناك معادلة سياسية جديدة تتبلور، فلننتظر ونَرَ، لا داعي للتكهن. * مستقلون أم «وسطيون»؟

- سمّهم كما شئت. ما يهمنا هو سياستهم ومنحاهم السياسي والاقتصادي. يهمني أن اعرف ما هو مستقبل لبنان، وما هو مستقبل وضعه الاقتصادي والمعيشي بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يتحدثون عنها، وكأنها لم تحصل.

* هل يحتاج الرئيس سليمان إلى كتلة للحكم؟

- هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الرئيس سليمان شخصياً، وعلى حدّ علمي فرئيس الجمهورية أعلن مراراً أنه ليس معنياً بكل ما يطرح في هذا الخصوص. هناك من يتذرع بالكتلة الوسطية لكي يهاجم رئيس الجمهورية، ويوجه إليه السهام من وقت إلى آخر لاستهداف مركز الرئاسة وإضعاف تأثيره في الواقع السياسي القائم، لإرباك قيام مشروع الدولة وإبقاء لبنان رهينة المشاريع الإقليمية الخارجية.

* ترى أن الجانب السياسي يتفوق على كل ما عداه لدى «8 آذار»؟

- فليطعموا الناس «سندويش» سياسة. الناس تحتاج أيضاً لقمة العيش، وواجبنا أن نؤمّن لهم فرص عمل جديدة. والذي يحصل الآن مثلا أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لديه مجموعة من القوانين المتعلقة بمؤتمر باريس 3 والإصلاحات الاقتصادية، والتي لا يستطيع تمريرها في البرلمان.

* يرفض الرئيس بري تسلمها؟

- هذا إشكال يجب أن نحله.

* بينها المحكمة الدولية؟

- المحكمة الدولية أصبحت أمراً واقعاً. بقية القوانين هي لمصلحة الإصلاح، ونأمل أن نجد الطريقة المناسبة لتمرير هذه القوانين، والحوار قائم حولها.

* هو يرفض استقبالها لأنه يعتبر أنها صدرت عن حكومة غير شرعية؟

- هذا أمر تخطيناه. حصلت الانتخابات في المتن واعترف الرئيس بري بنتائجها. أنا حريص على تجاوز هذا الموضع بالتعاون مع الرئيس بري.

* كيف؟

- يجب أن نجد طريقة ما. لقد تجاوزنا الكثير من الأمور، كمثل طريقة انتخاب رئيس الجمهورية (من دون تعديل للدستور) وأيضاً موضوع الدائرة الثانية في انتخابات بيروت.

* أين أصبحت اللائحة الموحدة لقوى «14 آذار»؟

- اللائحة الموحدة صعب تحقيقها، لكن هذا لا يعني وجود خلافات داخل «14 آذار». هناك مستقلون يجب أن ننظر في كيفية التعامل معهم وإمكان التحالف معهم بناء على برنامجهم السياسي. ستكون هناك لوائح كاملة ومقفلة لقوى «14 آذار» في دائرة بيروت الثالثة وعكار والضنية وبشري وزغرتا والشوف وعاليه وصيدا، كما سندعم بعض المستقلين في الجنوب وبعلبك – الهرمل.

* ستعلن اللوائح قريباً؟

- في 14 مارس (آذار) * لم تعد هناك تباينات؟

- قليلة جداً ويمكن معالجتها، وعلى أية حال فإني أدعو «8 آذار» إلى عدم الرهان على أية خلافات داخلية.

* ما هي قضية «الدائرة الثانية» في بيروت، هل هناك اتفاق حولها مع «8 آذار»؟

- نعم هناك اتفاق على تقاسم مقاعدها بمعدل اثنين لكل منا. وهذا كان حصيلة الاتفاق في الدوحة على الدوائر في بيروت.

* يبدو أن لديكم حليفاً جديداً في «14 آذار» هو البطريرك صفير كما وصفه النائب ميشال عون أخيراً؟

- البطريرك هو ضمير لبنان، وعندما هرب بعضهم بقي هو صامداً. أنا أستغرب بشدة استهداف الرموز الدينية بهذه الطريقة، وهذا خطأ كبير. غبطة البطريرك من أكثر الذين صمدوا وقاوموا من أجل لبنان. ولما ناسبهم رأي غبطة البطريرك في العام 2005 لم ينزعجوا منه، ونحن لم نعترض.

* كيف هي العلاقة مع «حزب الله»؟

- علاقة عادية، هناك حوار هادئ يجري وتواصل لمصلحة البلد. نحن نختلف في السياسة ونعاتب بعضنا (ضاحكاً) في بعض الأمور.

* هل هناك من فرصة للقاء قريب مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله؟

- الفرصة موجودة دائماً للقاء إذا كان لمصلحة البلد.

* أين أنت من سجال التنصت الدائر؟

- لدينا وزير اتصالات يعمل وحده، وقد حجب المعلومات عن الأجهزة الأمنية رغم وجود مذكرات من المدعي العام التمييزي من أجل مصلحة التحقيق في جرائم كبيرة حصلت، وهذه ليست للتنصت، بل من أجل اعتراض المكالمات، أي تحديد مسار بعض الاتصالات. هناك لغط كبير في هذا المجال والوزير يقوم بعنتريات. والآن فهمنا إصرارهم على وزارة الاتصالات، فالوزير بدلا من تعزيز وضع قطاع الاتصالات يقوم بردع الأجهزة الأمنية تحت ذريعة تطبيق القانون. عندما يرفض الوزير تطبيق القانون وتقع جريمة تفجير البحصاص (طرابلس) فما الذي سنقوله لعائلات الشهداء؟

* الوزير يخشى على سلامته الشخصية الآن جراء هذا الملف! - من الأفضل للوزير باسيل أن يقوم بواجباته كوزير للاتصالات بدلا من هذه الادعاءات. وفي أي حال فأنا متأكد أن الوزير باسيل هو الأكثر اطمئناناً إلى أمنه الشخصي لأنه يعرف أن من يقوم بالاغتيالات هم حلفاؤه في النظام السوري.

* ما هو سر الهجمة على مصر والسعودية؟

- عندما قدم خادم الحرمين الشريفين مبادرة الشجعان في قمة الكويت، كان ينقذ الوضع العربي في ظل وجود من يعمل على شرذمة العرب. وعندما قام بمبادرته كان يهدف إلى جمع العرب وفتح صفحة جديدة. وهذا يدل على أن المملكة دائماً تتعالى على الصغائر بهدف المصلحة العربية العليا. والهجمة التي حصلت خلال العدوان على غزة استهدفت المملكة ومصر، وهما أكثر من قدم للقضية الفلسطينية وناضل من أجلها في التاريخ، وأتى هذا الهجوم عليهما تحت شعارات سخيفة للغاية. ما هو الوضع الآن؟.. الانقسام الفلسطيني مؤسف والوضع الإنساني في غزة مؤسف، وإسرائيل ترفض قيام دولة فلسطينية، وهذا كله لا يحارَب بالشعارات، بل بالحكمة.

* ما الهدف من وراء هذه الهجمة؟

- الهدف هو خلاف إقليمي واضح، أما في الداخل العربي فهناك اليوم مبادرة موجودة على الطاولة لتوحيد العرب، فمن لا يسير بها واضح أنه يسير في قرار استراتيجي في مكان ما مع أطراف خارجية.

* من هي؟

- لنقل إنها أطراف إقليمية. نحن يهمنا أن تنجح المبادرة، ولو كان هذا الأمر صعباً جداً علينا بسبب موقفنا من النظام السوري، لكن ما يهمنا هو المصلحة العربية العليا، خاصة في قضية فلسطين حيث الانقسام العربي ممنوع. أليس من المعيب ما يحصل من انقسام فلسطيني؟ أليس من المعيب إسقاط اتفاق مكة؟

* ما هو بديل المبادرة العربية للسلام؟

- جلالة الملك قال إنها ليست قائمة طويلا. المبادرة تقول إن على إسرائيل أن تعرف أنها يجب أن تدفع ثمناً للسلام هو الأرض وحق العودة. وقد أتى الرد الإسرائيلي حينها بمحاصرة الرئيس ياسر عرفات في مقره خلال انعقاد القمة.

* ألا ترى أن العالم العربي واقع بين «تطرفين» إسرائيلي وعربي؟

- لا شك أن الإساءة من قبل إسرائيل تقوّى بعض الأطراف التي لا تملك إلا الشعارات. القضية الفلسطينية قائمة منذ 60 سنة، وهو نضال يجب أن لا يتوقف، وأن لا يصيبنا بالانقسام. ووسائل النضال مختلفة، هناك من يناضل داخل فلسطين، وهناك من يناضل في المحافل الدولية من أجل هذه القضية.

* السبت ستكون الذكرى الرابعة لاغتيال الرئيس الحريري، فكيف تتحضرون لإحيائها؟

- إحياء الذكرى هو يوم صعب، أتذكر فيه كل ما حصل في ذلك اليوم وكيف حصل وحجم الجريمة. إنه يوم مليء بالمشاعر الأليمة. لكن في كل مرة أرى فيها الناس تتقاطر إلى الساحة لإحياء هذه الذكرى وحجم الآمال التي وضعت من قبلهم على الرئيس الشهيد، وعندما أرى كم أن هؤلاء متقدمون في قضية السيادة والاستقلال والعروبة والعدالة، في مكان ما أشعر بارتياح داخلي لأني أرى كم يعتبرون القضية التي نناضل من أجلها محقة.

* أين كنت عند حصول الاغتيال، وكيف تلقيت الخبر؟

- كنت في الطائرة، في رحلة من الرياض إلى أبوظبي. تلقينا الخبر بالهاتف، علمنا في البداية أن (مرافق الرئيس الحريري الشخصي) أبو طارق العرب قد استشهد خلال محاولة اغتيال تعرض لها والدي. كانت لحظات صعبة جداً، لم أكن أصدق ما يجري من حولي. وأذكر أن أول اتصال تلقيته كان من خادم الحرمين الشريفين الذي كان يستوضح حقيقة ما جرى، ولما تأكدت من الخبر أعدت الاتصال به، فطلب منا أن نصبر ونصمد. بعدها سافرت من أبوظبي إلى بيروت، وكانت أطول رحلة في حياتي. كنت أريد أن أصل وأن لا أصل. ذهبت إلى المستشفى وألقيت نظرة على الشهيد ثم عدت إلى المنزل حيث كان الوضع صعباً علينا جميعاً. كان وليد بك (جنبلاط) هناك، وقف إلى جانبنا، وهذا شيء لا يمكن أن أنساه طوال حياتي. وكان في مكان ما سنداً لنا، كان صديقاً وأخاً للوالد ولنا.

* ماذا كان الوقع عليك؟

- كنت شخصاً يفقد والده وأمله وحاميه. والبلد خسرت رجل دولة ورجلا وطنياً عمل من أجل لبنان. كان يجب أن أكون قوياً من أجل عائلتي وأهلي والناس. كان يجب أن أخفي الدمعة وأقف بين الناس أشد من أزرهم وأزر عائلتي. فسبحان الله، في لحظات معينة يستطيع المرء أن يقف ويقوم بما لا يتخيل أن باستطاعته القيام به أو تحمله. * هل لا يزال الألم نفسه بعد 4 سنوات؟

- لا يزال نفسه، لم يتغير.

* ماذا تقول لأولادك عنه وعن لبنان؟

- يعرفونه ويتذكرونه دائماً ويشتاقون إليه، حسام يذكره دائماً ويراه في أحلامه ويبكي. ولولوه أيضاً. ويذكره أيضاً أبناء إخوتي، والأولاد يتحدثون دائماً عنه في ما بينهم ويتسابقون في سرد ما كان يفعله معهم. أما عبد العزيز فقد ولد بعد استشهاده. ونحن نذكر الوالد أمامه دائماً. والحمد لله أن المرء يذكر دائماً الأشياء الجميلة وكيف كان يحبنا أن نجتمع كعائلة، وكيف أنه كان يشعر كل واحد منا بأنه المفضل لديه. إن أولادي وعلى الرغم من صغر سنهم، يكبرون على ذكر جدهم ويدركون أن جدهم، كان رجلا عظيماً وسيقرأون عنه في كتب التاريخ، وهو كان على الرغم من انشغالاته يكرّس وقتاً لأحفاده، وبعضهم لديه ذكريات معه لا تزال راسخة عندهم. أما عن لبنان، فهم يدركون أن لبنان وطنهم، وأن بُعدهم عنه قسري بسبب الأوضاع الأمنية، وأنا أردد دائماً على مسامعهم ما كان يقوله ويؤمن به والدي الشهيد، من أن لبنان هو وطننا وأنه مهما ابتعدنا عنه لا بد لنا من العودة إليه، والمساهمة في بناء مستقبله. لبنان يعيش فينا أباً عن جد.

* ما هو ردك على كل ما أثير من شائعات عن التماسك العائلي بعد رحيله؟

- قلتها وأكررها، «فليخيطوا بغير هذه المسلة».

* ما الذي تغير فيك كشخص، وكسياسي، بعد أن خضت غمار العمل السياسي في لحظات صعبة كتلك التي مرت على لبنان؟

- لقد دخلت العمل السياسي دون التخطيط لذلك، ووجدت نفسي فجأة مسؤولا عن إكمال مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي طريق طويلة وصعبة ولكنها أمانة لم ولن أفرط فيها يوماً، على الرغم من كل التحديات التي واجهتنا، وأنا أشعر أنه في مكان ما قد يكون راضياً عما أقوم به، وعسى أن أكون على قدر هذه الأمانة. أسلوب عمل الإنسان يتغير، لكن التربية هي الأساس، وتربيتي علمتني أن أكون دائماً إلى جانب الناس وأن أشعر بما يعانونه، وأن لا أضع حاجزاً بيني وبين طموحاتهم، لاسيما طموحات الشباب. الآن أشعر بمسؤولية أكبر تجاه الناس وتجاه الخط السياسي، خط الدفاع عن حرية لبنان وقراره المستقل. وهذه المسؤولية افترضت تعديلا يكاد يكون جوهرياً في نمط حياتي الخاصة. إن الالتزام بقضايا الناس وبقضية الوطن هي نعمة من ربّ العالمين.

* اخترت الطريق الأصعب بعد رحيل الوالد والرمز، فخضت غمار العمل السياسي رغم التحديات والأخطار الهائلة التي أحاطت بك.. فهل ستتخذ القرار نفسه إذا عادت بك الأيام إلى تلك اللحظات الأليمة عام 2005؟

- لم أكن أنا من اتخذ القرار يومها، بل إن جماهير اللبنانيين التي نزلت في 14 فبراير (شباط) و14 مارس (آذار)، هي التي فرضت على كل قادة ثورة الأرز المضي في مسيرة استعادة الحرية والسيادة والاستقلال. ونحن نعلم أن هؤلاء اللبنانيين يعلقون آمالا كبيرة علينا، وأنه لولا دعمهم ومساندتهم لنا في ساحات الحرية، لما استطعنا تحقيق كل الإنجازات التي قمنا بها من إخراج الجيش السوري من لبنان، وإجراء الانتخابات النيابية عام 2005 والتي قاموا بما في وسعهم لتعطيلها وإجهاض نتائجها، وعقد مؤتمر باريس-3 وانتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وغيرها من الإنجازات.