المستوطنات تزيد العقبات أمام السلام.. وبريطانيا تدفع لجعل وقفها منطلقاً لإحيائه

الاستيطان في القدس الشرقية تضاعف بعد أنابوليس

TT

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بضرورة التوصل إلى اتفاق سلام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تبرز مشكلة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية كأحد أكبر المعوقات التي تهدد أي سلام. ومع أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، المرشحة لرئاسة الحكومة في الانتخابات، حاولت دائماً التخفيف من خطورة هذه العقبة وقالت لرئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، أحمد قريع (أبو علاء)، ولوزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كونداليزا رايس، أنه «مثلما أخلينا المستوطنات في قطاع غزة خلال خطة الفصل وهدمناها، نستطيع أن نفعل ذلك مع المستوطنات في الضفة. المهم هو أن نتوصل إلى اتفاق سلام مقنع للجمهور الإسرائيلي». إلا أن أوساطاً عديدة ترى المشكلة أكبر من تصورات ليفني. وهناك فجوة بين من يعتبر وقف الاستيطان فرصة لبناء الثقة تجاه عملية سلام شامل، مثل المسؤولين البريطانيين، ومن يعتبرها نقطة نهائية تعالَج بعد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.

وكُشف النقاب في الأسبوع الماضي عن تقرير سري أُعد في وزارة الدفاع الإسرائيلية يحذر من «بركان كامن في المستوطنات قد ينفجر في وجه أية حكومة تحاول إخلاء المستوطنين». ويقول التقرير إن المستوطنات أصبحت مؤسسة خطيرة. وهناك هوة بين المستوطنين فيها وبين الجمهور الإسرائيلي الواسع. وتزامن نشرها في حينه مع نشر تقرير جديد لحركة «سلام الآن» الإسرائيلية تحت عنوان «يفاوضون ويستوطنون»، يكشف أنه خلال المفاوضات حول اتفاق سلام دائم مع السلطة الفلسطينية، انشغل الكثير من الإسرائيليين في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية. وقد ارتفع حجم البناء في المستوطنات خلال سنة 2008 بنسبة 60% عنها في السنة السابقة. قسم منه بناء عشوائي نفذه المستوطنون من وراء ظهر الحكومة أو في وضع غضت الحكومة الطرف عنه، وقسم نفذته الحكومة نفسها. واتضح في ما بعد أن هذه الأرقام لا تشمل البناء في القدس الشرقية المحتلة، التي تعتبرها إسرائيل جزءًا من حدودها الرسمية. ففي هذه المدينة تم بناء 1184 وحدة سكنية في سنة 2008 مقابل 793 وحدة في سنة 2007 أي بزيادة 49%. واللافت أن عروض البناء في القدس الشرقية سنة 2007، تمت بالأساس بعد مؤتمر أنابوليس، الذي اتفق فيه على بدء مفاوضات التسوية الدائمة للصراع. فقد كان عدد العروض قبل أنابوليس (نوفمبر 2007) فقط 46 وحدة سكنية، ولكن في الشهر الأخير من السنة طُرح 747 عرضاً للبناء الاستيطاني في المدينة.

ويعتبر دبلوماسيون أوروبيون أن المستوطنات تشكل عائقاً للسلام من جهة، إذ إن حل النزاع يعتمد على نظرية الأرض مقابل السلام، ولكنها تمثل فرصة لإسرائيل لتقديم «بادرة حسن نية» في حال قررت تجميد الاستيطان والعمل على تفكيك بعضها بجدية لدفع عملية السلام إلى الأمام. وتدفع بريطانيا باتجاه جعل المستوطنات انطلاقة لإحياء عملية السلام. وقال مصدر دبلوماسي بريطاني مطلع على الملف الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده تعتبر وقف المستوطنات «أمراً أساسياً لبناء الثقة» من أجل التوصل إلى سلام دائم وشامل في المنطقة. يذكر أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بعث برسالة في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي إلى نظيره الفلسطيني سلام فياض يعده بالعمل على هذه القضية. إلا أن الموقف الإسرائيلي كان مختلفاً ولم تعمل الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت على وقف الاستيطان رغم الوعد بذلك. ومن غير المعروف جدية الإدارة الأميركية الحالية في العمل على وقف الاستيطان، إلا أن مصادر دبلوماسية أميركية أشارت إلى أن مندوب الرئيس باراك أوباما الحالي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل كان قد طالب عام 2001 بوقف الاستيطان فوراً في تقرير حمل اسمه «ميتشل» وَجَّهه للرئيس الأميركي السابق جورج بوش. ولكن بوش اتبع سياسة عدم الضغط على إسرائيل في ما يخص المستوطنات، معتبرها إحدى نقاط التسوية الأخيرة، ولم تظهر بوادر من الإدارة الجديدة بعد حول هذه القضية.

ولفت المصدر الدبلوماسي البريطاني إلى أنه من الضروري إقناع الأطراف العربية بالاعتراف بأهمية أية خطوات تقوم بها إسرائيل في حال جمدت المستوطنات «حتى ترى أن سياسة فك المستوطنات تجلب نتائج مجدية». يشار إلى أن إسرائيل فككت المستوطنات في غزة في انسحابها أحادي الجانب عام 2005 ولكنها تشكو من عدم الاعتراف بأهمية هذه الخطوة.

وأقيمت في الضفة الغربية 125 مستوطنة منذ عام 1967، تم إخلاء أربع منها في خطة الفصل سنة 2005. فبقيت 121 ويعيش فيها اليوم 285 ألف مستوطن. وهي تقوم على مساحة بناء تضاهي 3 في المائة من مساحة الضفة الغربية، لكنها تسيطر على 40 في المائة من أراضي الضفة. ويضاف إليها 20 في المائة أخرى من مساحة الضفة الغربية يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. وهناك مناطق استيطان أخرى غير محسوبة، هي منطقة القدس الشرقية المحتلة، التي تبلغ مساحتها حوالي ربع مساحة الضفة الغربية وتقوم عليها أحياء استيطانية يعيش فيها حوالي 190 ألف مستوطن.

ومنذ عام 1996، وإثر اتفاقات أوسلو، قررت إسرائيل التوقف عن بناء مستوطنات جديدة. ونُفذ هذا القرار فعلا. ولكن الحكومة لم توقف البناء الاستيطاني داخل المستوطنات، وشيدت مئات الوحدات السكنية في كل سنة بحجة «سد احتياجات التكاثر الطبيعي»، مما ضاعف عدد المستوطنين. ولم يكتف المستوطنون بالبناء الحكومي، وراحوا يبنون بيوتاً وعمارات من دون تراخيص حكومية. ومنذ القرار بوقف بناء مستوطنات جديدة أقاموا 102 بؤرة استيطانية تعتبر غير قانونية، اتخذت عدة قرارات في الحكومة وفي محكمة العدل العليا بهدمها وإخلائها ولكنها ما زالت قائمة حتى اليوم.