المشروع الإسباني لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم.. لم يحقق أهدافه

2% فقط من بين 650 ألف مهاجر استجابوا.. والغالبية تفضل البطالة على التعويضات القليلة

TT

لقي المخطط الإسباني الرامي إلى تشجيع المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية عوائق بعد شهرين على صدوره، إذ لم يستجب سوى عدد محدود جداً منهم لإغراءات العودة رغم الأزمة الاقتصادية الظاهرة التي تعيشها البلاد.

وأكد محمد عامر، الوزير المغربي المكلف الجالية في الخارج، أنه لم يكن هناك إقبال من طرف المهاجرين على المغادرة الطوعية، لأن القرار لا يتضمن التحفيزات الضرورية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن المغاربة لم يتجاوبوا مع القرار، لأنهم لم يجدوا فيه ما يهمهم، أو يطمئنهم، مفضلين البقاء في اسبانيا، مشيرا إلى أن المغادرة تبقى مسألة طوعية واختيارية، وليس فيها أي طابع إجباري.

وفي معرض جوابه عن سؤال حول مدى التنسيق بين المغرب واسبانيا في هذا السياق، قال عامر: إن قرار المغادرة الطوعية إفراز لسياسة إسبانية محضة، مشيراً إلى أن كل حكومة في دول الاتحاد الأوروبي تتخذ القرار الذي تراه مناسباً لها في مجال تدبير الهجرة. وأعلن عامر أن عدد المهاجرين في اسبانيا، وفق الإحصائيات الرسمية، يبلغ حاليا 650 ألفا، بينهم 250 ألف أجير.

واعتبرت كنزة الغالي، الباحثة المغربية في مجال الهجرة، المشروع بأنه فاشل منذ بدايته، لأن الحكومة الإسبانية لم تأخذ بعين الاعتبار، أثناء سن القرار، الجوانب الإنسانية للقضية، واهتمت فقط بالجوانب الاقتصادية. وأشارت إلى أن مهاجري دول أميركا اللاتينية هم الأكثر تجاوبا مع القرار «لأن عودتهم الطوعية مرفوقة بضمانات، نظرا للاتفاقيات الثنائية، وللروابط التاريخية، والعلاقات الاقتصادية المتميزة التي تجمع بين بلدانهم وإسبانيا». ورغم أن عدد العاطلين في إسبانيا ارتفع حاليا إلى حوالي 4 ملايين عاطل منذ ألقت الأزمة بظلالها على البلاد، فإن نسبة قليلة جدا من المهاجرين قبلوا العودة إلى بلدانهم مقابل تحفيزات مالية يعتبرونها هزيلة.

ومنذ أن أطلقت الحكومة الإسبانية قبل بضعة أشهر مخططها القاضي بدفع تعويضات للمهاجرين المنتمين لبلدان خارج الاتحاد الأوروبي من أجل تحفيزهم على ترك البلاد، فإن أقل من ألفي شخص تجاوبوا مع هذا المخطط وأعلنوا نيتهم العودة إلى بلدانهم. ويجد أغلب المهاجرين أن معاناة البطالة في إسبانيا أفضل بكثير من معاناتهم في بلدانهم الأصلية، خصوصا أنهم جاؤوا في الأصل إلى بلدان المهجر هربا منها، ويعتبرون أن من غير المنطقي العودة إليها مجددا.

وتشير إحصائيات وزارة شؤون الهجرة الإسبانية إلى أن التقديرات التي كانت متوقعة باستجابة أزيد من 100 ألف مهاجر لمخطط العودة لا يبدو منسجما مع الواقع، حيث لم يستجب سوى 2 في المائة فقط لهذه الدعوة. وكان مخطط العودة يقضي بأن يتنازل المهاجرون المقيمون في البلاد عن كافة حقوقهم المهنية، ويتلقوا تعويضا بنسبة 40 في المائة قبل عودتهم، والنسبة الباقية يتلقونها بعد عودتهم إلى بلدانهم. كما ينص القانون على أن المهاجرين الذين يقبلون بهذه الشروط لن يتمكنوا من العودة إلى إسبانيا إلا بعد 3 سنوات، في حال رغبتهم في ذلك، على أن يبدأوا كمهاجرين جدد من دون أية حقوق سابقة.

غير أن هذه الشروط رآها غالبية المهاجرين غير منطقية، حيث إن التعويضات التي تمنح لهم تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف يورو، وهو مبلغ رأوه زهيداً مقارنة مع المبالغ الكبيرة التي أنفقها مهاجرون كثيرون من أجل الوصول إلى إسبانيا سواء سراً أو بالطرق الشرعية.

وقال كمال الرحموني، رئيس جمعية العمال والمهاجرين المغاربة في اسبانيا، لـ«الشرق الأوسط»، إن من الصعب تقييم قرار المغادرة الطوعية، الذي دخل حيز التطبيق منذ شهرين. مشيراً إلى أن المغاربة يعتبرونه من دون معنى، وأن 83 في المائة منهم عبروا عن رفضهم له، وفق دراسة استطلاعية ميدانية. وكشف الرحموني أن مهاجرين مغربيين فقط هما اللذين استجابا لقرار المغادرة الطوعية، ولم يتم بعد التعرف على هويتيهما، متوقعا أن تكون لهما ظروف خاصة هي التي أملت عليهما التفكير في الرحيل عن اسبانيا، والرجوع إلى المغرب.

وشرح الرحموني أن السبب الرئيسي لرفض العودة بالنسبة لعموم المهاجرين هو الشرط الذي وضعته الحكومة الإسبانية، كبند أساسي في المشروع، والذي يقضي بتنازل المهاجر عن أوراق الإقامة مقابل الاستفادة من التعويض عن المغادرة الطوعية، إضافة إلى انعدام التحفيزات الضرورية.

وقال الرحموني: إن الوضعية داخل المغرب لا تشجع المهاجرين على العودة، مستدلا على ذلك بتجارب عمال آخرين سبق أن عادوا إلى الوطن، قبل صدور قرار المغادرة الطوعية، واستثمروا أموالهم في مشاريع لم تحقق المطلوب منها، ووصلت أصداؤها إلى المهاجرين في إسبانيا ما جعلهم يتشبثون بالبقاء فيها. وترى أوساط إعلامية مغربية في مدريد، أن المهاجرين المغاربة يتميزون بالقدرة على التكيف مع كل الأوضاع، وأنهم لا يكتفون بممارسة مهنة واحدة، «فإذا كانت هناك أزمة في قطاع البناء، مثلا، فإنهم يتجهون إلى البحث عن عمل في قطاع آخر، لا تشمله الأزمة». وبلغ من تكيف بعضهم أنهم أرسلوا عائلاتهم إلى المغرب، وأجروا بيوتا للعيش المشترك مع زملائهم توفيرا للنفقات، ريثما ينفرج الوضع. وتروم الحكومة الإسبانية التقليل من أعداد المهاجرين في البلاد، خصوصا من بين المهاجرين الأكثر كثافة، وهم مهاجرو شمال أفريقيا وأميركا اللاتينية، الذين يشكلون أزيد من 50 في المائة من مجموع المهاجرين في البلاد. وتعيش إسبانيا على إيقاع أزمة اقتصادية صعبة بعد ارتفاع معدل البطالة وانخفاض عائدات السياحة وتدني النشاط العقاري إلى أدنى مستوياته.