«المجلس».. بيت العرب الثاني في إسلام آباد

تمتلكه برازيلية زوجة سفير باكستاني سابق.. مشرف ورئيس وزرائه شوكت عزيز والسفراء العرب من رواده

«المجلس» هو المطعم اللبناني الوحيد في إسلام آباد («الشرق الأوسط»)
TT

ينظر إليه العرب الذين يعيشون في العاصمة الباكستانية إسلام آباد على أنه منزلهم الثاني، ويأتي إليه القادمون من بلاد الغرب طلبا لأشكال الطعام المختلفة، وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة لقي إقبالا من النخبة في العاصمة الباكستانية الذين يميلون للأطعمة العربية واللبنانية. إنه مطعم «المجلس».

يقع المطعم، الذي تمتلكه سيدة برازيلية تدعى كريستيان سبرلينغ ألفريضي زوجة سفير باكستاني سابق، في منطقة سكنية راقية داخل العاصمة الباكستانية إسلام آباد. ويبدو هذا المطعم وكأنه بوتقة للثقافات المتعددة. «المجلس» هو المطعم اللبناني الوحيد في إسلام آباد، وقد حقق نجاحا كبيرا منذ أن بدأ العمل فيه قبل أربعة أعوام تقريبا. لم تنظم صاحبة المطعم أي إعلانات في وسائل الإعلام، ولم تنظم حملة تسويقية للترويج للمطعم عندما أنشأته، تقول كريستيان: «كانت البداية هادئة، لم تكن هناك إعلانات». قالت كريستيان في مقابلة أجرتها معها «الشرق الأوسط» داخل مكتبها الصغير في الطابق الأرضي من المطعم بينما أخذ الرواد يفدون إلى المطعم فرادى وجماعات للاستمتاع بتدخين الشيشة في الرواق: «كنت تجد هذا المطعم مزدحما بالناس، ولم يكن يمكنك الحصول على مقعد، ولكن لم يعد الحال كذلك». تسببت التفجيرات الانتحارية وغيرها من الأنشطة الإرهابية في إسلام آباد خلال العام الماضي في دمار كبير لحق بقطاع المطاعم والفنادق في المدينة، وعلى الرغم من أن المكان الذي يوجد فيه «المجلس» يعد آمنا نسبيا، حيث إنه يقع في منطقة تنعم بقدر عال من الأمن، فإن المطعم تكبد أيضا بعض الخسائر، حيث تقول كريستيان إن «عملية المسجد الأحمر والتفجير الذي وقع في سفارة الدنمارك وعملية التفجير التي استهدفت فندق ماريوت قد أدت إلى تراجع في نشاط المجلس». وما زالت كريستيان تشعر بالحنين إلى الأيام الخوالي للمطعم، حيث قالت لـ«الشرق الأوسط»: «كان هذا المكان مفخرة إسلام آباد، حيث اعتاد الرئيس السابق برويز مشرف القدوم إليه، كما استضفنا من قبل الأمير الحسن بن طلال من الأردن والكثير من الشخصيات البارزة، من بينها قادة عرب وغربيون». وتستشهد كريستيان بصور لسفراء عرب وسياسيين باكستانيين ومسؤولين بارزين تزين حوائط المطعم. ومن أبرز هذه الصور، صور للرئيس السابق برويز مشرف ورئيس الوزراء السابق شوكت عزيز وهما في المطعم يتناولان الغذاء. وترى كريستيان أن المطعم ليس مجرد مكان لتناول الغذاء، فعلى مدى الأعوام الماضية تحول المطعم إلى مركز للأنشطة الثقافية، مثل مشاهدة الأفلام وسماع الموسيقي ومشاهدة الألعاب الرياضية ولعب الأوراق وغيرها. وتقول: «خلال نهائي كأس العالم الماضي وضعنا شاشة كبرى في الردهة ودائما ما كان هناك جمهور كبير يشاهد مباريات كأس العالم، وكان يأتي سفراء مصر والبرتغال كل يوم لمشاهدة المباريات».

«عايشنا أياما عظيمة هنا في المجلس، ولكن تغير هذا الوضع أخيرا». بدأ مطعم المجلس نشاطه في وقت لم يكن المجتمع الباكستاني يبدي فيه درجة كبيرة من الإقبال على الأنشطة الترفيهية. ولكن حتى خلال الأوقات العصيبة، كانت هناك طائفة من المواطنين تحرص على الذهاب إلى «المجلس»، حيث تقول كريستيان: «بقى المطعم يعمل، ويعود الفضل في ذلك إلى العرب الذين ينظرون إلى المطعم على أنه منزلهم الثاني».

وأشارت كريستيان إلى أن رواد المطعم كانوا يتقلصون في أعقاب كل عملية تفجيرية، ولكن على الرغم من ذلك، فقد ظل العرب يأتون إليه. «إنه جزء من حياتهم، عليهم الخروج لتدخين الشيشة، ولعب الورق».

لم تقع أي هجمات إرهابية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد بعد التفجير الذي ضرب فندق ماريوت، ولذا أخذت المدينة تعود إلى سابق عهدها، وقد كان لذلك أثر جيد على قطاع المطاعم والفنادق في المدينة، حيث بدأ الوضع «يعود شيئا فشيئا إلى سابق عهده»، حسب ما تقول كريستيان. ذهبنا إلى مطعم المجلس مرتين خلال اليوم الذي أجرينا فيه المقابلة مع كريستيان، وفي كل مرة كنا نجد الموائد عليها أناس من كافة الأطياف: شباب وشابات باكستانيون، ودبلوماسيون عرب وبعض الغربيين. خصص أحد أركان الرواق لتدخين الشيشة، وتجد دائما شبابا باكستانيين أو شبابا من أصول عربية جالسين على الأريكة يدخنون الشيشة هناك. سألنا كريستيان: «من الذي فكر في افتتاح مطعم لبناني في إسلام آباد؟» فقالت: «في الواقع، كنت أدير مشروع تصميم داخلي في دبي، وهناك اقترح أحد أصدقائي أن أفتتح مطعما لبنانيا في إسلام آباد». اكتسبت كريستيان مهارة التصميم بالتدريب، وقامت بنفسها بعمل التصميمات الداخلية للمطعم. وخلال الافتتاح، كان الأمير الحسن بن طلال هو الضيف الرئيس، حيث تقول: «الأمير الحسن بن طلال صديق للعائلة وتصادف أنه كان موجودا في إسلام آباد وقت افتتاح مطعم المجلس، ولذا قمت بدعوته كي يكون الضيف الرئيس في حفل الافتتاح».

كانت كريستيان على معرفة بالأطعمة اللبنانية والعربية الأخرى قبل أن تأتي للإقامة في إسلام آباد، فهي متزوجة من دبلوماسي باكستاني. وتقول: «في البرازيل، يوجد عدد كبير من المطاعم اللبنانية والسورية وأعلم أن الأطعمة اللبنانية لها من يحبها في كافة أنحاء العالم، ولذا كنت متأكدة من أن ذلك سوف ينجح في باكستان». وتقول كريستيان إنه يوجد في إسلام آباد عدد من المطاعم التي تقدم الأطعمة الإيطالية والصينية، «ولكن المشكلة في هذه المطاعم أنها تقدم الوجبات الإيطالية بعد إجراء تغييرات عليها حتى تتناسب مع الذوق المحلي. أعنى، أنهم دائما ما يجعلون هذه الأطعمة كثيرة التوابل. ولكننا في المجلس نقدم الأطعمة اللبنانية دون أن نجري أي تغييرات عليها». وفي حديثه إلى «الشرق الأوسط» قال ألين، الطاهي السوري في «المجلس»، إن الطعام اللبناني حلو المذاق، ولكنه ليس كثير التوابل «على عكس الطعام الباكستاني». وتضيف كريستيان: «أعلم أن الباكستانيين يأكلون أطعمة كثيرة التوابل، ولكن نما لديهم ذوق في الأطعمة اللبنانية التي لا يوجد فيها الكثير من التوابل».

ويعد ألين هو الشخص الوحيد غير الباكستاني في مطبخ المطعم، فجميع العاملين معه من باكستان وقد قام ألين بتدريبهم على طبخ الأطعمة اللبنانية خلال الأعوام الأربعة الماضية.

وقبل الذهاب إلى مطعم المجلس ليكون كبير الطهاة، كان ألين يعمل في دبي داخل مطعم لبناني. وتقول كريستيان: «أحضرته إلى هنا من دبي، حيث كانت عملية تكوين فريق عمل لإدارة مطعم لبناني في إسلام آباد أمرا صعبا».

ولم تقتصر الصعوبات التي كانت تواجه المطعم على اختيار فريق من الطهاة، بل استمرت على مدار أيام، حيث كان يجب على إدارة المطعم أن تستورد كافة أنواع الصلصة التي تستخدم في طهي الأطعمة اللبنانية من دبي. ويقول ألين: «نستورد الصلصة من دبي، وكذلك القمح الممتاز، لأن هذه الأشياء غير متاحة في باكستان».

ويضيف ألين إن الوجبات اللبنانية تتكون في الأغلب من الخضراوات، كما أنه يكون هناك القليل من الزيت على الطعام، و«نستخدم اللحوم بحرص، ولكن معظم الأطعمة تعتمد على الخضراوات». ويقول كبير الطهاة: «أكثر الأطباق شعبية هو الحمص، وهو يصنع من الحمص الآسيوي، وكذلك طبق المتبل وهو يصنع من الباذنجان المشوي. ويضاف إليه صلصة خاصة». وتنوي كريستيان أن تنقل المطعم إلى مكان آخر أكثر أمنا في إسلام آباد، حيث تقول: «سوف ننتقل إلى مبنى كانت فيه سفارة البرازيل في السابق». وتعيش كريستيان على أمل أن تعود الحياة الثقافية في إسلام آباد إلى سابق حالها. قلت لها لا شك في أنك تكثرين من الدعاء كي تعود الأيام الخوالي الجيدة إلى مطعمك، فأجابت: «جميع الباكستانيين يودون أن يسود السلام قريبا في بلدهم».