دبي: «إعمار» تهوي بآمال القطاع العقاري.. وسوق الأسهم تضيّع «البوصلة»

إعلان مفاجئ لخسائر كبرى الشركات العقارية يزيد من تشاؤم الوضع الاقتصادي في الإمارة

القطاع العقاري في دبي أكثر المتضررين من الأزمة المالية العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

كما كان متوقعا.. كانت بورصة دبي هي أول المتأثرين سلبا بالخسائر المفاجئة التي أعلنتها شركة إعمار العقارية، غير أن المخاوف لم تعد تنحصر في انخفاض متواصل، هو الأعنف خليجيا، على سوق الأسهم فحسب، فالقطاعات الاقتصادية المتعددة الأخرى، هي أيضا تعاني كثيرا، بسبب ارتباط القطاع العقاري بهذه القطاعات كثيرا بشكل أو بآخر، حتى كان إعلان خسائر إعمار، بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، كما يقول أحد كبار ملاك الأسهم الإماراتية لـ«الشرق الأوسط».

وهوى مؤشر أسهم دبي أمس خاسرا أكثر من 2 في المائة، مواصلا خسائره المتتالية التي هبطت بالمؤشر من نحو 6 آلاف نقطة قبل نحو عام، إلى ما دون 1500 نقطة في أقل مستوياته على الإطلاق منذ أكثر من خمس سنوات، فيما بدا أن سوق الأسهم ضيعت بوصلتها وسط عشوائية في البيع والشراء، مدفوعة بتشاؤم من الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره في اقتصاد الإمارة.

غير أن تأثيرات الانخفاض الكبير في أرباح إعمار، التي سجلت خسائر بلغت 1.77 مليار درهم إماراتي في الربع الأخير من عام 2008، يخشى ألا يكون سوى حلقة من حلقات تضرر اقتصاد الإمارة من الأزمة المالية العالمية. فإعمار التي كانت أداة فاعلة ووسيلة ناجعة في تألق اقتصاد دبي خلال السنوات السابقة، أضحت مؤشرا يراه كثيرون لا يبشر بقدرة القطاع العقاري على تخطي الأزمة المالية العالمية، على الأقل خلال العام الجاري 2009.

وبعد أن كانت أسعار العقارات في دبي، مؤشرا على نمو الإمارة الاقتصادي القوي، أضحت العقارات ذاتها مؤشرا على تراجع مستويات النمو التي توقعتها الحكومة في وقت سابق. وكشفت الحكومة رسميا في عام 2007 عن «خطة استراتيجية» للإمارة تهدف إلى المحافظة على معدلات نمو عالية بحدود 11 % سنويا إضافة إلى تعزيز معدل الدخل الفردي ليصل إلى 44 ألف دولار سنويا بحلول عام 2015. ولأن كبار الاقتصاديين والمسؤولين حول العالم يرون أن «الأسوأ لم يأتِ بعد» على الاقتصاد العالمي، فإن قطاع العقارات في دبي يبدو كأنه أكثر المتضررين من هذا الأسوأ الذي لم يأتِ بعد. فبخلاف المشاريع العملاقة التي ألغيت، أو أجّلت، وبخلاف التساؤلات المتعددة عن كيفية تمويل المشاريع الكبرى الجارية حاليا، فإن نظرة سريعة لوضع القطاع العقاري في الإمارة، لا يبشر بخير على الإطلاق، فهذا القطاع وكما كان السبب الرئيسي في دفع كافة القطاعات على التألق والوصول إلى مستويات غير مسبوقة من النمو المتواصل، جاء الدور ليؤثر بقوة، لكن هذه المرة سلبا، في كافة القطاعات الأخرى.

غير أن مصرفي كبير في دبي، تحفظ على ذكر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعتقد أن السبب الرئيسي في التشاؤم الذي يلف الإمارة هو «ضبابية الصورة وقلة الشفافية التي تزيد من قلق المستثمرين أكثر مما يفرضه المنطق». ويشرح المصرفي وجهة نظره بالقول إن «علاج هذا المرض» كما يصفه، هو بزيادة الشفافية والإفصاح والتواصل مع الجمهور، «أما صمت القيادات الاقتصادية في دبي فسيزيد من هذا التشاؤم حتى ولو كان غير حقيقي».

ويرى المصرفي الكبير أن منظومة دبي الاقتصادية «ربما ستكون أفضل خلال الستة أشهر أو التسعة أشهر المقبلة.. فالبنية التحتية انتهت، بينما التضخم الذي كان ينهش في اقتصاد دبي بسبب الطفرة العقارية كان هو ما يهدد طفرة دبي الاقتصادية».

وبعد أن كان البحث عن موطئ قدم من خلال شقة في المئات من الأبراج العملاقة في دبي، كان القطاع العقاري في دبي، الأكثر تضرّراً وبشدة من عاصفة الأزمة المالية العالمية، وهبط المؤشر العقاري للمجموعة المالية ـ هيرمس الذي يظهر الأسعار المعلن عنها في دبي نحو 8% في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما قالت عنه الشركة انه دليل على أن الأسعار التي يجري التعامل بها هبطت ما بين 35 ـ 50% في مناطق مثل: دبي مارينا، وبرج دبي، والنخلة جميرا . وكان مورغان ستانلي قال أيضا إن أسعار العقارات هبطت في المتوسط 25 % منذ بلغت ذروتها في سبتمبر (أيلول) في دبي، وأن مشروعات قيمتها 263 مليار دولار في الإمارات العربية المتحدة قد ألغيت.  وقد تضرر القطاع العقاري الذي كان مزدهرا في وقت من الأوقات في دبي في الأشهر الأخيرة مع تراجع أسعار العقارات، وقيام شركات التنمية العقارية بإلغاء أو تقليص مشروعاتها وتقليص الوظائف.

وانتظر كثيرون أرباح «إعمار» باعتبارها قاطرة القطاع العقاري، لكنها كانت أسوأ بكثير من توقعات المتشائمين، وبلغ صافي الربح للشركة في عام 2008 كله 3.06 مليار درهم، مقارنة مع 6.58 مليار درهم في 2007. وتراوحت توقعات المحللين لأرباح «إعمار» في الربع الأخير بين 1.33 مليار درهم و 2.10 مليار درهم، وحققت الشركة أرباحا قدرها 1.74 مليار درهم في الربع الأخير من عام 2007، و4.82 مليار درهم في أول تسعة شهور من عام 2008.

ويقول محمد العبار رئيس مجلس إدارة «إعمار العقارية» في تعليق منه على النتائج المالية للشركة عام 2008 «ركزت «إعمار» جل اهتمامها خلال الربع الأخير من عام 2008 على الحد من آثار الأزمة المالية العالمية من خلال وضع استراتيجيات قادرة على التعامل مع الواقع الاقتصادي الراهن والمحافظة على قوة أداء الأعمال خلال أزمة لم يشهد العالم مثلها من قبل. كما ركزنا على تعزيز مستويات الكفاءة في استخدام الموارد، وسنستمر في استراتيجيتنا القائمة على تنويع قطاعات الأعمال وتوسعة النطاق الجغرافي لنشاطاتنا».

وأضاف «سوف يستمر العمل بهذه الاستراتيجية خلال عام 2009 أيضاً، وذلك ضمن محاولاتنا المستمرة لتعزيز استثمارات المساهمين. وحقق توسعنا في الدول الأخرى والقطاعات الجديدة التي تشتمل على مراكز التسوق والضيافة والترفيه والتعليم نجاحاً كبيراً في عام 2008. ونتقدم بجزيل الشكر إلى مساهمي الشركة على ثقتهم الراسخة بالجهود التي نبذلها للمحافظة على استمرار أداء «إعمار» على المدى الطويل».

إلى ذلك، تعرض 150 شركة عقارية مشروعات بقيمة 200 مليار درهم في معرض العقارات الدولي دبي 2009 الذي انطلقت فعالياته أمس وتستمر 3 أيام، وسط ترقب لقدرة القطاع العقاري في الإمارة على النهوض من كبوته.

وسيتم خلال المعرض عرض عدد من المشروعات العقارية في الدولة وأنحاء العالم كافة من جانب أهم الشركات المحلية والدولية في مجال التطوير العقاري من المملكة المتحدة وتايلاند وأسبانيا وماليزيا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية وبلغاريا وباكستان وقبرص ومصر والكويت والإمارات وكوريا وقطر وتركيا.

ويقول المدير التنفيذي لشركة «الاستراتيجي للتسويق وتنظيم المعارض» داود الشيزاوي، إن المعرض سيزوّد المستخدمين النهائيين والمستثمرين بالفرص المناسبة لامتلاك العقارات بأسعار منخفضة نسبياً، مشيراً إلى أنه ووفقاً للدراسات الميدانية فإن الانخفاض الأكبر في الأسعار كان في شريحة العقارات المتميزة، مع انخفاض الأسعار الإجمالية بنسبة 1% خلال العام الماضي و35% منذ أن بلغت ذروتها.

وتوقّع أن يكون هذا العام أكثر ديناميكية في القطاع العقاري، نظراً إلى الوضع الراهن في السوق، وسيمكن للمطورين التواصل مع المستثمرين المحتملين خلال الحدث، «مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة في السوق، ويمكن الاختيار من بين مجموعة واسعة من العقارات وفقاً لاحتياجاتها والاستفادة من انخفاض الأسعار النسبي».