الخرطوم اعتمدت «خطة» للتصدي لأي قرار بتوقيف البشير

الحكومة تنأي بنفسها عن مساعي المجموعة العربية والأفريقية في مجلس الأمن لتأجيل القرار

TT

رمت الخرطوم كل أسلحتها خلف خطة اعتمدتها عبر مؤسساتها المختلفة للتصدي لقرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بادعاء ارتكابه جرائم حرب في إقليم دارفور بات يتوقعه المسؤولون السودانيون. وترمي الخطة، حسب مسؤولين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إلى مقاومة أي قرار من المحكمة إلى أقصى حدود المقاومة، مع الاستمرار في إيجاد حل لازمة دارفور عبر المباحثات والحوار السلمي، مع اتخاذ الحذر بعدم اتخاذ أي خطوة قد تفسَّر بأنها اعتراف من قبل الخرطوم بالمحكمة.

فيما ظلت مواقف القوى السياسية المعارضة في الخرطوم على تفاوتها في درجات الرفض أو القبول. وتسير الحياة في العاصمة بصورة طبيعية، ولا يرصد أي مظاهر لإجراءات أمنية غير عادية على الشوارع ومداخل المدن، عدا التعزيزات من قبل قوات الشرطة الموجودة منذ أسابيع حول السفارات والمنظمات الأجنبية. ولا يخفى على من يمر على شارع علي عبد اللطيف، حيث تقع السفارة الأميركية، مظاهر إجراءات تحسُّبيه من قِبل السفارة، غير أن حالة الترقب والاستفسار عن احتمالات صدور القرار، تسود المجالس في العاصمة. وكانت الحكومة أرسلت تطمينات في أكثر من تصريح أنها مسؤولة عن توفير الأمن في العاصمة، فيما ألمح مسؤولون بأنهم يتوقعون حدوث تفلتات من قِبل الغاضبين على المحكمة الجنائية الدولية والجهات التي يرون أنها تدعمها. ويتخوف الدبلوماسيون الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» من الخرطوم من أن يؤدّي أي قرار في حقّ البشير إلى حدوث صدام بين الحكومة والمنظمات الدولية والأجنبية، غير أن المسؤولين في الخرطوم يقولون إنهم سيتعاملون بالحكمة مع أي قرار يصدر، كما يتخوف الدبلوماسيون من أن يؤثر القرار على مسار تنفيذ اتفاق السلام بين الشمال والجنوب وهو الاتفاق الذي يرسم خريطة الطريق لأوضاع السودان في المستقبل، ومن بينها عملية التحول الديمقراطي، كما تتخوف المجالس السياسية من أن يؤدي صدور القرار إلى تأزم العلاقة بين شريكي الحكم عبر اتفاق السلام بين الشمال والجنوب: حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، في خضم تصريحات من المسؤولين في الحركة الشعبية تطالب الحكومة بالتعامل مع المحكمة. ويعتقد الخبير الأمني حسن بيومي لـ«الشرق الأوسط» أن الحديث عن تأجيل المحاكمة ما هو إلا شرَك يجرّ الخرطوم إلى خانة الاعتراف بالمحكمة وبالتالي الحصول على تنازلات تتعلق بتسليم سودانيين لها، ويرجح أن الغرض من التأجيل إرضاء الدول الكبرى المساندة للسودان، وفي ذات الوقت جر رِجل السودان إلى منطقة الاعتراف بالمحكمة.

ومن جهتها، أعلنت المؤسسات والهيئات الموالية للحكومة، استعدادها للدفاع عن الرئيس عمر البشير بـ«النفس والنفيس»، وقال رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني، وهو من أعتى أذرع التعبئة الشعبية الموالية للحكومة، لـ«الشرق الأوسط»، إن أي قرار من المحكمة الجنائية الدولية لن يمر أمامهم، كقيادات شبابية موالية للحكومة، وأضاف أنهم «حشدنا الشباب لمقاومة أي قرار ضد البشير، ولو وصل الأمر حد المواجهة المسلحة مع أي شخص يقترب من الرئيس». وقال خضر أحمد موسى رئيس الاتحاد الوطني للشباب، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أكملنا استعدادنا للتصدي لأي قرار ضد البشير»، وأضاف أن القرار جائر «سنتصدى له بالمسيرات وحملات النصرة المختلفة وبالمواجهة المسلحة لو حاولوا الاقتراب من البشير».

وكشف أنهم عبر منظمة «صدق»، وهي نشأت للتصدي لأي قرار ضد البشير تضم بين عضويتها كيانات موالية للحكومة وأخرى أجنبية، أسهموا في الحصول على توقيع مليون شخص يرفضون أي قرار من المحكمة ضد البشير، وحصلوا على نحو 4 ملايين توقيع من الرافضين للقرار عبر شبكة الإنترنت، وأضاف: «حملتنا ستستمر إلى إن نفضح توجهات المحكمة الجنائية تجاه السودان».

ومنذ أسابيع ظلت تصريحات المسؤولين في العاصمة السودانية تتوقع صدور القرار، غير إنهم يرون أن أي حديث عن توقيت محدد كموعد لصدور القرار «لا يعدو أن يكون تكهنات»، وتتناول الصحف في الخرطوم تداعيات الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية بحذر شديد، وكان وزير الخارجية السوداني دينق الور، وهو قيادي في الحركة الشعبية، نُسب إليه تكهنات بأن القرار سيصدر في 17 من فبراير (شباط) الجاري، أي غدا الثلاثاء، فيما أشارت تكهنات أخرى إلى احتمال صدوره في الفترة بين 17 إلى 20 فبراير (شباط) الجاري.

وفي تصريحات صحافية، أمس، كشف علي كرتي وزير الدولة بالخارجية السودانية، عن إصرار بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على إصدار قرار مذكرة التوقيف بحق البشير.

وأضاف أن تلك الدول ترى أنه إن كان هناك حوار فيمكن أن يكون عقب المذكرة. وجدد كرتي التأكيد بعدم اعتراف السودان بالمحكمة الجنائية. وقال إن ما يجري داخل مجلس الأمن من تحركات يتم بواسطة اللجنة المكونة من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وأضاف أن هذا العمل ليس من شأن السودان ولم يُستشَر فيه، وأن الخرطوم لم تكلف اللجنة ولم تتم استشارتها.

وفي السياق، قال رودلف أدادا رئيس البعثة المشتركة لقوات حفظ السلام بدارفور «يوناميد»، إن قوات اليوناميد لا علاقة لها بالمحكمة الجنائية الدولية، وشدد على أن صدور أي قرار عنها لن يكون له أي تأثير على اليوناميد. وأضاف أدادا في تصريحات عقب اجتماع ثنائي بين الحكومة واليوناميد أمس، أن القوات ستعمل بالتنسيق مع الحكومة السودانية وفق التفويض الممنوح لها، وقال إن الحكومة أبلغت البعثة أكثر من مرة أنها لن تتأثر.

ويتحدث المدعي العام السوداني المخصص لجرائم دارفور المستشار نمر إبراهيم، بأنه يُجري التحقيقات حول الجرائم في الإقليم، وتوجه أمس إلى ولاية غرب دارفور لمواصلة التحريات في البلاغات المتعلقة بجرائم الحرب في دارفور، والتي من ضمنها ملف قضية «علي كوشيب»، المعروف بأنه قائد ميليشيا، وهو مطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. أوضح أن التحريات في بلاغات جرائم الحرب في دارفور ما زالت متواصلة، وسيتم الإعلان عن نتائجها بعد اكتمالها. وتشير صحف الخرطوم إلى أن البلاغات التي يجري التحري فيها وصلت إلى 15 بلاغا، وكشف وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدرات في تصريحات أمس، أن لجنة للتحقيق في جرائم وقعت في منطقة دليج في غرب دارفور، قامت باستجواب 15 شاهدا، إلى جانب معاينة قبور الضحايا. وعلى جهة القوى السياسية في البلاد، يطرح حزب الأمة المعارض بزعامة الصادق المهدي مقترح المحاكم «الهجين» بين قضاة سودانيين وأفارقة وعرب، لمحاكمة المتهمين في جرائم دارفور، كمخرج للأزمة، ويرفض «الأمة» تسليم الرئيس البشير أو أي سوداني للمحاكمة خارج البلاد، ويشدد الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، في رفضه لأي قرار يتحدث عن محاكمة البشير خارج البلاد، ويتحدث على لسان زعيمه عن توطين العدل، أي محاكمة جرائم دارفور عبر محاكم سودانية.

ويرفض الحزب الشيوعي تسليم السودانيين لمحاكمتهم في الخارج، وينادي بمحاكم سودانية، فيما يشدد على ضرورة محاكمة كل من ارتكب جرائم حرب في الإقليم المضطرب منذ عام 2003، غير أن حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن التراب، يرى ضرورة أن يسلّم الرئيس عمر البشير نفسه للمحكمة الجنائية الدولية حال صدور القرار بتوقيفه، وذلك، حسب الحزب المعارض، من أجل المصلحة العامة، ويُعتقد أن هذا الموقف، الذي صدر في تصريحات على لسان أمينه العام الدكتور الترابي.