عمرو موسى لـ«الشرق الأوسط»: تلقيت دعوة للمشاركة في اجتماعات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة

الأمين العام للجامعة العربية: أرحب بالنقد المتبادل.. وزيارتي لسورية قريبا.. ونوافذ الأمل قائمة لمصالحة عربية شاملة

TT

كشف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في حديث خاص وصريح لـ «الشرق الأوسط» عن مقترحات مكتوبة تقدم بها إلى العواصم العربية التي زارها مؤخرا، وأكد أنه سوف يطرحها على كل الدول العربية خلال استكمال جولته العربية، وأشار إلى بعض من عناوينها التي تتعلق بالمصالحة العربية والفلسطينية والوضع العربي العام والتعامل مع الوضع الإقليمي والدولي، وأكد أن قطر ستشارك في مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، وأن القمة العربية الدورية ستعقد في موعدها ومكانها في الدوحة يوم 30 من الشهر المقبل، وأفاد بأنه لا يقف عند الهجوم على شخصه، وأنه يرحب بالنقد المتبادل، وقال في حواره مع «الشرق الأوسط» من القاهرة «إن نوافذ الأمل قائمة لتطوير الموقف العربي للأفضل، من خلال الانتقال من الخلاف إلى الاختلاف ثم الوفاق، وتشكيل موقف عربي موحد لمواجهة كامل التحديات التي تواجه خريطة العالم العربي». وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه تلقى دعوة من الوزير المصري عمر سليمان لمشاركة الجامعة في مؤتمر المصالحة الفلسطينية، كما تحدث عن أفق السلام خلال عام 2009 على خلفية وجود إدارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية جديدة، وشدد بأن العرب لن يضيعوا عام 2009 في «كلام رايح جاي» حول عملية سلام، نتائجها كانت تحت الصفر طوال الأعوام الماضية. وفي ما يلي نص الحوار.

* ما هو مفهومك للمصالحة العربية والبناء على ما تم في قمة الكويت؟

ـ المصالحة العربية أمر ضروري، ويجب أن يتم. وإنما يجب أن تقوم المصالحة على أسس موضوعية، وليس مجرد لقاءات شخصية عابرة قد تكسر الجليد مؤقتاً، ولكن لا تقيم أساساً لمواقف عربية متناسقة بالنسبة لجدول الأعمال الثقيل والمطروح أمام الجامعة العربية.. أرى أهمية الإسراع في المصالحة العربية حتى يمكننا أن نقوم بعمل جماعي فعال، وأن نتحرك سوياً كي يكون عام 2009 عاما فاعلاً، وليس كعام 2008 بوعوده الكاذبة، وخاصة في ضوء تغير عدد من الظروف ذات التأثير في الوضع بالمنطقة، فاليوم توجد إدارة أميركية جديدة، ومعها سياسة يرجح أن تعمل على أن تكون هي الأخرى جديدة، وحكومة إسرائيلية جديدة، وانتخابات فلسطينية قادمة، هذا بالإضافة إلى حالة الجمود في عملية السلام. وكل هذا يجعل من الضروري تثبيت أركان الموقف العربي.

* ما هي رؤيتكم لتثبيت أركان الموقف العربي؟

ـ تثبيت أركان الموقف العربي يقوم على عناصر أساسية، أولاً: المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، وثانياً: المصالحة العربية ـ العربية، وثالثا: اتفاق على مواقف عربية تتعرض لكل المسائل التي تواجه العالم العربي من تحديات، وكل هذا في إطار توافق على صياغات تجعل الموقف العربي واضحا، وخاصة فيما يتعلق بشروط السلام مع إسرائيل، بالاستناد إلى المبادرة العربية.. وبالنسبة لعملية المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، فقد بادرت بها مصر، ولم تكن الجامعة العربية أبداً بعيدة عن عملية المصالحة هذه. وقد تلقت الجامعة مؤخرا دعوة رسمية للمشاركة في عمل لجان المصالحة، وهي دعوة مُرَحَّب بها، وقد أبلغني بهذه الدعوة الوزير عمر سليمان (رئيس المخابرات المصرية).. وأرى أن هناك إرهاصات إيجابية فيما يتعلق بهذه المصالحة، مثل الاجتماعات الثنائية المباشرة التي انعقدت أخيراً بين فتح وحماس، وهي أكثر من اجتماع، مما يعطي انطباعا إيجابيا عن رغبة الطرفين في إنهاء هذا الوضع غير المقبول في العلاقة الفلسطينية ـ الفلسطينية، التي أرى أن أهم ما فيها هو أن طرفي الخلاف يتعرضان لموضوعات أساسية في خلافهما، مثل موضوع منظمة التحرير الفلسطينية، وهي منظمة أساسية يجب العودة إليها ودعمها، حفاظاً على النظام الفلسطيني، وتحتاج بالفعل إلى تجديد شبابها، ولضمان قيامها بدورها الكبير في حكم الموقف الفلسطيني، وعلى أساس ضرورة استيعابها لجميع الفلسطينيين بمختلف مشاربهم، وهذه هي اللحظة المناسبة لذلك.. إذن المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية يجب أن تقوم ليس على مجرد تراضي الأفراد أو الزعامات، فيقبل بعضهم بعضاً، ولكن على أساس التفاهم والاتفاق على كيفية مواجهة التحديات الكثيرة أمامهم، والتعامل مع التطورات الجدية التي تواجههم جميعاً والأحداث الكثيرة التي تفرض التوحد والتضامن، وبالتالي التخلص من مواقف الضعف التي سببها انقسامهم.. أما فيما يتعلق بالموقف من المصالحة العربية، التي فتح الملك عبد الله بن عبد العزيز ملفها في قمة الكويت، فيجب أيضا أن تقوم على أسس موضوعية، بحيث تكون نقاط الخلاف معروفة، وتنزل من الخلاف إلى الاختلاف، ومن الاختلاف إلى التوافق، ومن التوافق إلى طرح موقف عربي واحد، لأن التحديات التي أمامنا كبيرة جدا، وبالذات في عام 2009، لأننا إذا لم نتحرك خلال هذا العام، فسوف ندخل في نفس الدوائر المغلقة التي عانينا منها، وهي الانتقال من إدارة أميركية إلى أخرى، ومن سنة ميلادية إلى أخرى، دون أي شيء جديد. والآن، أنا تقدمت بعدد من المقترحات مكتوبة إلى الدول العربية، وجارٍ التشاور بشأنها.

* ما هي الخطوط العريضة للمقترحات التي تقدمت بها إلى الدول العربية؟

ـ المقترحات تتعلق بالعمل العربي المشترك، وضمنها عناصر المصالحة العربية، والمصالحة الفلسطينية، والأمور الأخرى المتعلقة بالنزاع العربي الإسرائيلي وبالدور العربي عموما سواء عربياً أو إقليميا أو في إطار التواصل مع المجتمع الدولي، وأرى أننا وصلنا إلى حالة مزرية من الانقسام، تحتم العمل الجدي نحو تحقيق المصالحة العربية، ومنها المصالحة الفلسطينية، وهما أمران حاسمان في الحركة العربية، وبهما أيضاً يتحدد الفشل والنجاح في الإدارة العربية للأمور، وفي تحديد اتجاهات الشرق الأوسط كله.. فقد وصلنا خلال المرحلة الزمنية التي انعقد فيها مؤتمر الكويت ـ وبسبب أحداث غزة ـ إلى توتر كبير جدا في الوضع العربي، ومن الطبيعي أن يكون هناك مثل هذا التوتر، إنما ليس من الطبيعي أن تكون هناك فوضى في العمل العربي، في الوقت الذي يحتاج فيه الأمر إلى قرارات عربية استراتيجية وحاسمة تقوم على توافق عربي يقدِّر حساسية المرحلة وتحدياتها الحقيقية، خاصة أننا على أبواب اجتماعات مقبلة تتعلق بذلك، منها اجتماع اللجنة العربية لمبادرة السلام على المستوى الوزاري، ثم اجتماع لمجلس الوزراء للإعداد للقمة العربية الدورية التي سوف تجتمع في 30 مارس (آذار) بالدوحة.

* هل قدمت المقترحات المكتوبة التي تحدثت عنها إلى الدول العربية خلال جولتك التي قمت بها مؤخرا، وجار استكمالها إلى العواصم العربية الأخرى خلال أيام؟

ـ أنا بدأت جولة مشاورات في الحقيقة بزيارات سريعة، وانطلقت من الرياض، حيث التقيت بخادم الحرمين الشريفين، وبالأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ثم ذهبت إلى صنعاء حيث اجتمعت بالرئيس علي عبد الله صالح، ومع وزير الخارجية أبو بكر القربي، كما التقيت وزير خارجية الكويت الشيخ محمد الصباح، الذي كان يزور اليمن وقتها، حيث تحدثنا في كل الأمور التي ذكرتها، ثم ذهبت إلى عمان، حيث التقيت بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وكذلك مع رئيس الوزراء الدكتور الذهبي، ومع وزير خارجية الأردن، وكذلك مع وزير خارجية الإمارات الذي كان يزور عمان وقتها، ثم كانت المحطة الثالثة لجولتي العربية قطر، وهي الرئاسة المقبلة للقمة العربية الدورية، حيث التقيت بالأمير ورئيس الوزراء، وسوف أزور سورية قريباً، وأزور بعدها عدداً آخر من الدول العربية، بقدر ما تسمح به الأجندة المزدحمة الحالية دولياً وإقليمياً وعربياً، إنما التواصل مهم ومطلوب.

* لكن رغم زيارتك إلى قطر وجولتك العربية، لم يخرج منها أي حديث يعكس حالة التفاؤل بالوضع العربي الذي يشهد حالة من التعقيد غير المسبوق.. كيف ترى ذلك؟

ـ لاشك أن الوضع العربي بالفعل معقد بطبيعته، ولكن نقاط الانفراج والأمل قائمة، ولابد من أن نعمل على تثبيتها وتوسيعها والوصول بها إلى مرحلة تمكّنا من عقد اجتماعات ناجحة، والتوصل إلى نتائج فاعلة بالنسبة للعمل العربي المشترك، رغم كل التوتر الذي حصل، والفوضى التي جرت، ولكن أرى أن نوافذ الأمل لا تزال قائمة، حتى ولو كانت قليلة.

* مع اقترابنا من انعقاد قمة قطر لم نشهد أي عمل لرئيس القمة القادمة يحرك الوضع العربي المتوتر والساكن، وربما ذهبت قطر للسير في الاتجاه المعاكس عندما اقترحت مؤتمرا موازيا لمؤتمر دعت إليه مصر حول إعمار غزة.. كيف تفسر ذلك؟

ـ على كل حال، وبدون استخدام أسماء البرامج التلفزيونية، إلا أنه ـ كما ذكرت ـ نوافذ الأمل قائمة، حتى وإن كانت قليلة كما قلت، ولكن يمكن أن نفتحها وندخل الهواء النقي إلى الجو العربي الملبد.

* هل لمست من دولة قطر أنها ستشارك في مؤتمر شرم الشيخ حول إعمار غزة؟

ـ بالفعل لمست رغبة قطر في المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، وسوف نسمع أخباراً إيجابية في هذا الشأن، ولا زلت على تواصل مع الأخوة في قطر وفي الدول العربية الأخرى لضمان التحرك إلى الأفضل نحو تشكيل المواقف التي تدعم وحدة الموقف العربي، وتجنب التناقض في المواقف، والوقوف جنباً واحداً إزاء غزة وتطوراتها السياسية واحتياجاتها الإنسانية والعمرانية.

* من الملاحظ عدم اتخاذ إجراءات انعقاد القمة العربية الدورية في قطر، لدرجة أن البعض يتصور عدم انعقادها؟

ـ لا.. لا.. القمة الدورية يجب أن تعقد في موعدها المقرر وفي مكانها المتفق عليه، ولا كلام آخر في هذا.. القمة العربية السنوية يجب أن تعقد، وهذا التزام وقرار، ولا رجعة عنه.

* في قطر أيضا شاركت في اجتماعات دارفور. هل هناك فرص حقيقية للتوصل إلى اتفاق لإحلال السلام في دارفور؟

ـ هذه اللجنة العربية الوزارية التي تعمل من أجل السلام في دارفور شكلت بقرار عربي وبمشاركة أفريقية في مجلس وزراء الخارجية العرب، وبالتالي أصبحت هناك لجنة عربية أفريقية مشتركة.. والجانب الأفريقي تكثف حضوره باقتراح من الجامعة العربية، ومنِّي أنا شخصيا عندما أكدت على أهمية أن يكون عدد الدول العربية مساوياً لعدد الدول الأفريقية في اللجنة، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وأن يدعى المؤتمر الإسلامي، مع وجود الأمم المتحدة، وهذا كان أساس اجتماع الدوحة الذي بدأ أعماله بحضور الأمين العام للجامعة العربية، والممثل المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وبحضور رئيس الاتحاد الأفريقي، وأمين عام المؤتمر الإسلامي، ووفود متخصصة، مع وجود عدد من الحركات الدارفورية وحكومة السودان وممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول الجوار السوداني، مصر وليبيا، بهدف إجراء الحوار بين الحكومة السودانية وهذه الحركات الدارفورية، وهذه مسألة ضرورية، وطبعا هناك جهود أخرى تعمل في هذا الاتجاه، وهي الجهود المصرية والجهود الليبية، إضافةً إلى جهود عربية وأفريقية متعددة، وكلها تعمل إلى جانب هذه اللجنة التي تعقد في الدوحة، وفي نفس الوقت يوجد وفد عربي أفريقي في نيويورك في الأمم المتحدة للتعامل مع موضوع المحكمة الجنائية الدولية، ولا زال وفد الجامعة والاتحاد الأفريقي في نيويورك، وكذلك وفد الجامعة العربية والأفريقي في الدوحة للعمل على الموضوعين بالتوازي.. أي إقامة حوار سوداني ـ سوداني بين الحكومة وحركات دارفور، وفي نفس الوقت نحاول دفع مجلس الأمن لتأجيل قرار الاتهام الموجه إلى الرئيس عمر البشير، وأنا على اتصال دائم مع المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، أوكامبو، ومع عدد من الدول المعنية، لأنه في مرحلة ما لابد وأن نتقدم باقتراح إعمال المادة (16) من نظام المحكمة لتأجيل الدفع بهذا الموضوع.

* هل قرار اتهام الرئيس البشير متوقع الشهر الجاري أم المقبل؟

ـ من المتوقع أن يصدر هذا الشهر، ونرجو أن يحدث تريث في هذا الموضوع، وأرجو أن ننجح في وقف قرار الاتهام، خاصة أن الوضع كله مليء بالأخطار الكثيرة بالنسبة للسودان نفسه، وإنما نرى أن الباب الصحيح للنجاح في وقف هذا الخطر الآن - وإن كان مؤقتاً - هو المادة رقم (16).

* لماذا لم يطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية بمحاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل بعد أحداث غزة؟

ـ الجامعة العربية اتصلت بالمدعي العام للمحكمة، وكذلك الحكومة الفلسطينية قامت بنفس الاتصال، حيث طالبنا بأن يكون هناك معيار دولي واحد، أي إذا كان هناك اتهام باستخدام السلاح ضد المدنيين، وبالتالي إقامة الاتهام بجرائم تتعلق بالإنسانية، فإن ما حدث في غزة مسألة خطيرة جدا لا يجب غض النظر عنها أو التجاهل وعدم الاهتمام بها، وإلا سوف يؤثر في مصداقية المحكمة الجنائية الدولية، ولا يمكن أن تكون المحكمة متحمسة في ناحية ومتراجعة في ناحية أخرى. وإذا كان الأمر كذلك، فلا أعتقد أن الأمر سوف يمر بسهوله.. إن موضوع غزة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وبنفس هذه المعايير الاتهامية التي حدثت، وأن يوجه الاتهام إلى جيش الاحتلال بصراحة، وللعلم هناك لجان تحقيق في أحداث غزة وقد شكل الأمين العام للأمم المتحدة لجان تحقيق فيما يتعلق بمباني الأمم المتحدة التي هدمتها إسرائيل أثناء العدوان على غزة. وفيما يتعلق بنا نحن في الجامعة العربية، فالعمل جارٍ، والدراسات القانونية مستمرة، والاتصال بالجهات الدولية، سواء الصليب الأحمر، أو المحكمة الجنائية الدولية، أو غيرها قائمة، وهناك لجنتان من الجامعة العربية (لجنة من المنظمات العربية والوكالات المتخصصة في الزراعة والصناعة والطاقة وغيرها)، وقد اجتمعت مؤخرا في مقر الجامعة.. ومن المقرر أن تذهب إلى غزة كلجنة فنية مهنية تبحث سبل مساعدتها بقدراتها الذاتية، أو تعمل في إطار المعونات التي يقرها مؤتمر شرم الشيخ، بحيث تسهم في إعادة إعمار غزة، وفى نفس الوقت هناك لجنة تحقيق تقوم بجمع الدلائل في الجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين، وهى جرائم حرب تشكل خرقاً للقانون الدولي الإنساني. وفى ضوء ذلك سوف نحدد الخطوات التالية.

* في ظل وجود حكومة إسرائيلية أكثر تشدداً، أتت بها الانتخابات مؤخرا، وإدارة أميركية لا زالت تتلقى من العرب مواقفها عبر تقارير مختلفة.. في تقديرك، هل سنصل معهما إلى سلام عادل، أم ماذا؟

ـ أنا لا أرى فارقا بين حكومة متشددة وحكومة أكثر تشددا. وحتى لانخدع أنفسنا في هذه الأمور.. الحكومة الحالية التي تقوم على حزب كديما لم تقم بشيء لسنوات حكمها الثلاثة، ولنراجع موضوع المستوطنات، نرى أن المستوطنات لا تزال تقام، والمستوطنون يقومون بعدوانهم على الفلسطينيين سكان الأرض.. ولم يحدث تقدم في عملية السلام على الإطلاق.. إذن الفرق بين المتشدد والمتشدد جدا هو فارق وهمي، وعليه.. يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام استمرار الاحتلال، واستمرار ممارسات الاحتلال لتفريغ الأراضي المحتلة وإعدادها للإلحاق بإسرائيل. وبصرف النظر عمن يحكم في تل أبيب، وبالتالي جعل قيام الدولة الفلسطينية مستحيلاً، وبالتالي نحن نراقب الموقف من المنطلقات الآتية: يجب ألا نفقد عام 2009 في «كلام رايح وجاي» دون نتائج.. أي ضجيج دون طحين، ومن ثم يجب أن نعمل على ضمان جدية أي عملية سلام، ولا نقبل بعمليات شكلية هدفها كسب الوقت.. إن أي حكومة إسرائيلية نريدها أن تكون حكومة جادة فيما يتعلق بالسلام وحل المعضلة العربية الإسرائيلية، والفلسطينية الإسرائيلية، والسورية الإسرائيلية، والجدية هنا يجب أن تبدأ بوقف الاستيطان نهائيا، وبدء مسيرة إزالة المستوطنات، طبقاً لما سبق أن تم الاتفاق عليه. وهنا، لا يهمنا ما هو لون الحكومة، متشددة أو أكثر تشددا.. أي أن الجدية معيار واحد، ولا تختلف الجدية في اليمين عن جدية اليسار، لأن التشدد هو التشدد، وهذه الحكومة القائمة متشددة، وكل ما فعلته أنها فتحت الأبواب لمفاوضات لم تؤد إلى أي نتيجة، وإنما تأخذ ميزة أن هناك مفاوضات تجري، وميزة أنها لم تتراجع، ولم تتنازل، ولم توقف المستوطنات، وهذا أمر لا بد أن نكون مستيقظين له تماما. هناك إدارة أميركية جديدة، والأمل تجاهها منعقد على ما نادى به الرئيس أوباما من تغيير. ورأينا أن الإدارة الأميركية السابقة أمضت 7 سنوات إلى أن أفاقت إلى خطورة استمرار الوضع العربي الإسرائيلي على ما هو. أما حكومة أوباما، فقد استغرقت من الوقت 7 أيام، وعينت السيناتور جورج ميتشل كوسيط للسلام في الشرق الأوسط، وهذه بداية جيدة، ونريد أن هذه البداية تؤدي إلى نتائج، حيث إن المهم هو النتائج، وليس المهم الآن العملية في ذاتها، حيث ـ كما قلت أكثر من مرة - أصبح على عملية السلام علامات استفهام كثيرة جدا، منها أن الكثيرين يرون أنها عملية لشَغل الرأي العام، وإعطاء الانطباع أن شيئا ما يتم، وبالتالي الكل يجب أن ينتظر هذه النتيجة، ومن ثم ننتقل من إدارة إلى إدارة، ومن عام إلى عام.. الآن يجب أن نحسم أمورنا، وإذا كان لا بد من عملية سلام، فيجب أن يكون لها إطار زمني ومتابعة دولية، ويجب أن تتوقف المستوطنات، ولا يمكن أن تستمر عملية السلام وبناء المستوطنات مستمر معها، هذا غير ممكن، والأمران متناقضان تماماً، وكذلك ضرورة ضبط التعامل مع أهل الأراضي المحتلة، وعلاج معاناتهم، أما الوضع الاقتصادي الذي تحدث عنه نتنياهو في برنامجه، نرى أن أول شيء حتى بالنسبة إلى تحسين الوضع الاقتصادي هو وقف الاستيطان وإزالة المستوطنات، وتمكين العرب في الأراضي المحتلة من التحرك والعيش بحرية، ولكن هذا لا يمكن أن يكون كافياً.. فالبدء من الدولة (الفلسطينية) وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا لم يتم هذا؛ فكله كلام فارغ. ويمكن القول إن السلام غير ممكن، وتحسين الوضع الاقتصادي غير ممكن، ولا خلق مناخ مناسب ممكن.. ولدينا مقترحات كثيرة تحدثنا بشأنها مع السيناتور ميتشل، وسوف نبلورها فيما هو قادم خلال اجتماعاتنا، حتى يكون هناك إعادة لطرح الموقف العربي وفق مضمون المبادرة العربية. وعليه أقول: يجب أن نناقش هذا الطرح بشكل جاد، وفي إطار زمني محدد، حتى يمكن أن نتحرك إلى الأمام خلال عام 2009.

* كيف ستقوم بزيارة سورية، وقد استبقت بهجوم إعلامي عليكم؟ وماذا تريد دمشق بعد مصالحة الكويت؟

ـ زيارة دمشق هامة، فسورية دولة رئيسية في النظام العربي، والتفاهم معها مطلوب وضروري، أما فيما يتعلق بالهجوم على شخصي، فهذا كان متوقعاً في حالة الالتباس الكبير القائم في العالم العربي، حيث كثير من الأمور تؤخذ في سطحيتها، وليس في عمقها، وهذا بسبب الالتباس والتوتر، ولا يصح التوقف عند هذه الأمور، بل يجب أن نطور الأمور إلى لأفضل، وأن نناقش كل شيء بصراحة، فنحن جميعاً أعضاء في أسرة، مفروض أن تكون واحدة، وهذا إذا حدث؛ سيكون عنوان الرشد في السياسة العربية، بمعنى أن تكون هناك انتقادات، إنما لا بد من وضعها على المائدة للحديث عنها، وعن كل ما يعكر صفو الأجواء العربية، كما أنني أرى أن هذه الانتقادات يمكن أن تتأتى من كل الجوانب، أي من جانبي أنا شخصيا لعدد من السياسات العربية ذاتها.. وهذه مسألة صحية، ولا يجب أن تؤدي إلى انزعاج منها أبداً، أما السباب، فهو أمر لا يخدم أحداً، وغير مقبول كمسلك سياسي، ولا أفضل الرد عليه. وأرى أن مسألة الهجوم وغيره محطة يجب أن نتجاوزها وبسرعة، ولا نقف عندها، ونحاول إصلاح الوضع، وأن ننطلق سويا إلى الأمام. ومن هذا المنطلق تكون جولاتي العربية.

* الرئيس بشار الأسد بصفته رئيساً للقمة العربية الحالية، ومع الاقتراب من نهاية رئاسته لم يزر مصر أو السعودية؟

ـ أرى أن نوافذ الأمل قائمة، ويمكن لها أن تغطي كل الاحتمالات، ومن ثم لنا أن نتوقع خطوات مهمة قادمة في إطار المصالحة العربية.

* هل تلتقي مع خالد مشعل خلال زيارتكم لسورية؟

ـ إذا كان موجوداً في توقيت زيارتي لدمشق، سوف ألتقي به في إطار التواصل من أجل تحقيق المصالحة العربية.

* هل تعتزم زيارة العراق؟

ـ عندي النية والعزم لزيارة العراق قريبا، كما أزور المغرب العربي، لأنه من المهم عندما نتحدث عن مسائل مصيرية في العالم العربي، أن يشارك الجميع مغربا ومشرقا ووسطا وجنوبا، وأرجو أن أسرع في هذه الزيارات بقدر الإمكان، لأن الوقت قصير، والقمة القادمة يوم 30 مارس (آذار).

* ماذا بشأن شكل لجنة المتابعة لتنفيذ قرارات قمة الكويت؟

ـ أنا سعيد بهذا السؤال، لأنه دليل على أن هناك فكرا جديدا لدى الجميع، بما في ذلك العاملين في المجال الدبلوماسي والسياسي والإعلامي، وأننا نتحدث عن المسائل السياسية الخطيرة، ولكي لا نغفل موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وكذلك عملية الإصلاح، لأنها من الموضوعات المهمة، ونتائج قمة الكويت غاية في الأهمية، منها مثلاً: في اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي أقر التعديل الجديد لمحكمة الاستثمار العربية وتفعيلهما، وأعيد تأكيد التواريخ المستهدفة الخاصة بتطوير الموقف الاقتصادي العربي، والانتقال من منطقة التجارة الحرة إلى الاتحاد الجمركي.. كما أقر أيضا تشكيل لجنة وزارية والأمين العام لمتابعة تنفيذ قرارات القمة الاقتصادية والاجتماعية، والجدية في ذلك أنه بعد انعقاد القمة بثلاثة أيام كنا مجتمعين، وأبلغت كافة الجهات المعنية في إطار المنظومة العربية.. أي منظومة العمل العربي المشترك، كلٌ يعمل في إطار ما يعنيه من تنفيذ للقرارات، وكذلك استعداد الصناديق لتلقي الالتزامات المالية ومتابعتها، وكذلك تفعيل دور القطاع الخاص والمجتمع المدني العربي، وبالتالي، رغم هذا الاضطراب السياسي، إلا أننا نعمل دون إبطاء في مجال التنمية والإصلاح.. وأرى أن وثيقة تونس في مجال الإصلاح، وقرارات قمة الكويت وثائق يجب أن تحترم وتنفذ، وأن يتم التنفيذ بالتوازي.

* بلغة المؤامرة، هل يصدِّر الغرب مشاكل للعرب، حتى يشغلهم عن التنمية؟

ـ أنا لا أتفق مع ذلك.. إن الذين يعملون في التنمية ليسوا هم الذين يعملون في السياسة، ونحن في الجامعة نعمل في الأمرين معا، والأكثر من ذلك.. نحن منشغلون أيضا بالناحية الثقافية، وسوف أقوم بزيارة إلى أميركا بعد أسبوع، لأن هناك عملا ثقافيا كبيرا نعمل من أجله منذ أكثر من عام، وسوف يشارك في هذا العمل عدد من الدول العربية ومسؤولون أميركيون، وسوف تعقد في مركز كنيدي للفنون والأدب وعرض للثقافة العربية، ثم بعد ذلك معرض نيويورك للكتاب، والجامعة العربية مدعوة فيه، إضافة إلى عدد من المناسبات الثقافية التي لا تقل في رأيي عن النواحي السياسية والتنموية.. وسوف تبدأ الفعاليات الثقافية العربية يوم 25 الشهر الجاري في واشنطن.