بعض المصارف الأميركية تفكر في رد المساعدات الفيدرالية بسبب القيود

القيود تتجاوز حماية أموال دافعي الضرائب وتكاد تتحول إلى ما يعرف باسم الهندسة الاجتماعية

TT

يوماً بعد يوم، تتنامى قائمة المطالب، حيث صدرت تعليمات إلى المؤسسات المالية التي تتلقى مساعدات مالية من الحكومة لإنقاذها بإرجاء إجراءات طرد الملاك وتعديل شروط الرهون العقارية لملاك المنازل الذين يحق لهذه المؤسسات الحجز على منازلهم. كما بات يتحتم على هذه المؤسسات السماح لحملة الأسهم بالتصويت بشأن الرواتب والمكافآت التي يتلقاها المسؤولون التنفيذيون بالمؤسسات، علاوة على إقرار تخفيضات كبيرة في الأرباح الموزعة، وإلغاء برامج تدريب الموظفين وبرامج تعزيز الروح المعنوية لديهم، وكذلك سحب عروض التوظيف التي تقدمت بها المؤسسات إلى مواطنين أجانب. ومع تصاعد حدة الغضب العام حيال التفاقم السريع في تكاليف إنقاذ المؤسسات المالية، تعمد إدارة أوباما ، إضافة إلى المشرعين لفرض المزيد من القيود على أموال الإنقاذ.

ويرى بعض الخبراء أن من الضروري فرض شروط لاستغلال المساعدات المالية الفيدرالية للحيلولة دون دفع المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت حوافز ضخمة وشراءهم طائرات لصالح المؤسسات التي يعملون بها، بينما يعتقد آخرون أن الشروط المفروضة تتجاوز حماية أموال دافعي الضرائب وتوشك على التحول إلى نمط من أنماط ما يعرف باسم الهندسة الاجتماعية. ويقول بعض المصرفيين: إن الشروط المفروضة باتت مرهقة للغاية لدرجة أوجدت لديهم الرغبة في إعادة الأموال التي حصلوا عليها. ومن بين المؤسسات التي تراودها هذه الرغبة مصارف صغيرة مثل شركة تي سي إف المالية في وايزاتا وبنك لافاييت أيبريا، علاوة على مؤسسات عملاقة مثل غولدمان ساشز وويلز فارغو. وأعلنت هذه المؤسسات أنها تخطط لإعادة الأموال الفيدرالية في أسرع وقت ممكن بمجرد إقرارالمشرعين لعملية يمكن من خلال البدء في السداد. وأعلن سيغنيتشر بنك أوف نيويورك أنه نظراً للقيود الجديدة التي تم فرضها على أجور المسؤولين التنفيذيين في إطار قانون حزمة الحوافز الاقتصادية، فإنه أخطر وزارة الخزانة بعزمه على إعادة مبلغ الـ120 مليون دولار التي تلقاها من الحكومة في غضون ثلاثة أشهر فقط من الآن. وهناك مصارف أخرى مثل جونسون بنك أوف راسين أعربت في البداية عن رغبتها في السعي للحصول على مبالغ إنقاذ مالية، لكنها عدلت عن ذلك الآن. واعترف مسؤولو المصرف بأن أحد الأسباب وراء هذا التحول رغبة المصرف في تجنب أي تعطيل لدوره على الصعيد الاجتماعي، بما في ذلك دعم حدائق الحيوان. ومن بين أكبر المخاوف التي تراود المصارف أن برنامج الإنقاذ المالي يسمح للكونغرس والإدارة بفرض شروط جديدة في أي وقت. والواضح أن المطالب بتعديل شروط الرهن العقاري أو وقف إجراءات نزع الملكية تشكل عبئاً ثقيلاً على نحو خاص على عاتق هذه المؤسسات، حسبما يوضح بعض المسؤولين التنفيذيين والخبراء المصرفيين، ذلك لأنها تدفع المؤسسات باتجاه اتخاذ خطوات ربما تسفرعن خسائر أكبر. من ناحيته، قال إل. ويليام سيدمان، أحد كبار المشرعين سابقاً، خلال المناقشات حول القروض ومبالغ الإنقاذ المالي: «إننا نتخذ توجهاً يرمي لدفع المصارف للمساعدة في الاقتصاد، أما مسألة ما إذا كان ذلك مفيداً لمصرف ما فتعد ثانوية. والمؤكد أن المصارف الضعيفة تجري مطالبتها باتخاذ إجراءات ستلحق الضعف بموقفها». من ناحية أخرى، قال مسؤول كبير بوزارة الخزانة شارك في جهود الإنقاذ المالي: إن الإدارة كانت حريصة على عدم محاولة اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بالمصارف ووفرت حوافز مالية لتعديل الرهون العقارية. وأضاف المسؤول أن القيود المفروضة على المؤسسات المالية تعد جزءاً من جهود أوسع لتطهير ميزانيات المصارف ودفع عجلة الاقتصاد. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته:«يتحتم علينا اتخاذ بعض الإجراءات غير المستساغة عندما تكون البدائل القائمة أسوأ». بيد أنه في المقابل تتعالى أصوات خبراء معنيين بالصناعة المصرفية يحذرون من أن مطالبة المصارف الضعيفة بتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحكومية ربما يسفر عن تفاقم الضغوط على الموارد المالية العامة. ويرى هؤلاء الخبراء أن المساعدات المالية، رغم كونها مفيدة على المدى القصير، فإنها قد تجبر المصارف الضعيفة على التورط في ممارسات إقراض قد تفقدها المزيد من الأموال، وأن هذه المساعدات ستزيد حتماً من مشاركة الحكومة في إملاء كيفية اضطلاع المصارف بنشاطاتها التجارية. في هذا الصدد، قال دوغلاس جيه. إليوت، المصرفي الاستثماري السابق الذي يعمل حالياً بمعهد بروكنغز:«أعتقد بأمانة أن الأفراد المتولين مقاليد السلطة يدفعون هذه السياسة باعتبارها ستثمر نتائج إيجابية في كافة الأحوال ـ وباعتبارها أمراً جيداً للصناعة المصرفية ولملاك المنازل والآخرين. لكن هناك منحدرا خطيرا وهناك تداعيات سلبية خطيرة محتملة». واستطرد إليوت موضحاً أنه من خلال تعديل القروض، قد تمنى المصارف الهشة بالفعل بالمزيد من الخسائر. وقال:«إننا نسقط في مشكلات حقيقية عندما نحاول تزييف الحقائق والتظاهر بأن إجراءً ما يخدم على نحو مباشر مصالح الحكومة والمؤسسات المالية بينما هو في حقيقة الأمر يكبد المصارف المزيد من الأموال أو يزيد من مستوى المخاطر التي تجابهها». على سبيل المثال، عند النظر إلى كل من شركتي فاني ماي وفريدي ماك، اللتين تسيطر عليهما الحكومة حالياً، نجد أنه خلال الشهور الأخيرة صدرت إليهما تعليمات بإنفاق مليارات الدولارات على شراء حزم من الرهون العقارية ليس لها مشتري، ومن أجل السماح لملاك المنازل بإعادة تمويل قروضهم ـ حتى وإن كان ليس لديهم أسهم عادية. وتحمل هذه المطالب أصداء ما حدث في التسعينات، عندما حاولت فاني وفريدي تحقيق توازن بين المطالب الموجهة إليهما بجني أرباح لحملة الأسهم بهما وخدمة قضية عامة تتمثل في زيادة معدلات امتلاك المنازل. ومن أجل خدمة كل من حاملي السهم وما أكدا أنه منفعة عامة، اضطرت المؤسستان إلى الاقتراض بمعدلات كبيرة من أجل شراء والحفاظ على رهون عقارية في حقائبهم الاستثمارية. واشترت المؤسستان رهوناً عقارية مرتفعة المخاطر بلغت قيمتها مليارات الدولارات. وترتب على تحركهما لخدمة الصالح العام، فتح خط اعتماد لهما لدى وزارة الخزانة ونظرت الأسواق إلى استراتيجيتهما التجارية المنطوية على خطورة بالغة باعتبارها مضمونة من جانب الحكومة. ومن أجل إرضاء كلا الهدفين، واجهت المؤسستان قيودا أقل وتم السماح لهما بتحمل ديون تفوق أي مؤسسة مالية أخرى. لكن عندما بدأ المشترون يتوقفون عن السداد وانهارت أسعار المنازل، وصلت المؤسستان على حافة الانهيار وفي الخريف الماضي تم وضعهما تحت وصاية الحكومة. وقال إليوت: إن بعض المصارف المشاركة في برنامج الإنقاذ المالي تجابه نفس الموقف المتعارض الذي سبق وأن جابهته فاني ماي وفريدي ماك. ويشعر غليوت وخبراء آخرون بالقلق من أنه عبر الاعتماد على مصارف ضعيفة لتنفيذ سياسات الإدارة والكونغرس، فإن المسؤولين بذلك ربما يتسببون في تفاقم مشكلات مصارف ضعيفة ربما تعاني بالفعل من الإفلاس. وفي خضم أزمة المدخرات والقروض في فترة الثمانينات والتسعينات، تبنى الكونغرس والمشرعون قواعد جديدة تعرف باسم «خطة التصحيح الفورية»التي طالبت الحكومة بإغلاق المؤسسات المالية الضعيفة على الفور إذا لم تستطع استيعاب الخسائر المتزايدة. وقد كانت هذه القواعد استجابة للإجماع الذي كان منعقدا في ذلك الوقت من أن الاستمرار في فتح المؤسسات الضعيفة لفترة زمنية أطول في ظل الممارسات السالفة قد أضعفت منافسة البنوك القوية مع البنوك التي تتلقى الدعم من الحكومة وعملت في نهاية المطاف على عدم استقرار النظام المصرفي. ومن خلال إغلاق المؤسسات الضعيفة قبل تفاقم خسائرها، كان ينظر إلى خطة التصحيح الفوري على أنها مكلفة بالنسبة لدافعي الضرائب وصناديق تأمين الودائع. وقد أفاد مسؤولو الإدارة بأن بعض البنوك كانت كبيرة جدا بحيث لا تستطيع الحكومة الاستحواذ عليها، حيث كانت المقارنة بين المدخرات وأزمة الإقراض غير ذات معنى. وبالإضافة إلى ذلك، يقال إن الغضب الشعبي بسبب زيادة تكلفة خطة الإنقاذ قد جعل من الضروري من الناحية السياسية بذل مزيد من التحكم في الطريقة التي يتم بها إنفاق الأموال. ولكن من خلال الحفاظ على عمل البنوك الضعيفة، فإن الأسواق تستمر في الغرق وتستمر معاناة دافعي الضرائب حسبما يقول الخبراء. ويقول سيدمان:« قد ينجم عن السياسة الحالية المزيد من ضعف البنوك. ولن يفيد الاحتفاظ بعمل البنوك المفلسة النظام المالي».

ويتفق بعض المصرفيين في قطاع المصارف الصغيرة الذين تعتبر المؤسسات الخاصة بهم أقوى من المصارف الكبرى مع ذلك الرأي.

وقد أفاد سي آر كلوتر وهو رئيس بنك ميدساوث أوف لاتفيا في لوس انجليس ، ومنقذ كارثة المدخرات والقروض، بأن مؤسسته قد تلقت 20 مليون دولار من صندوق الإنقاذ لأنه والمجلس الخاص به يعتقدان أنه من الواجب تقديم القروض في وقت الانكماش. ولكن مع مواجهته بأن ما قاله لا يعدو مجرد مشاركة في البرنامج، ومع وجود قيود جديدة على المصارف التي تأخذ الأموال، فإنه يفكر في إعادة المال، مثلما قد تفعل المؤسسات الأخرى. ويضيف قائلا: «هناك شيئان نتعلمهما في عالم البنوك، الأول هو أن التركيز أمر سيئ. فنحن الآن لدينا 64 في المائة من الودائع في ثماني مؤسسات. والقاعدة الثانية هي أن الخسارة الأولى هي أفضل الخسائر. ويجب التغلب عليها من خلال البحث عن استثمارات أخرى».

*خدمة «نيويورك تايمز»