حمى شراء صينية في العالم بعشرات المليارات من الدولارات

بكين تحصل على أصول مهمة في صفقات مستغلة الأزمة المالية

بلغت قيمة عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات في الصين رقما قياسيا بقيمة 52.1 مليار دولار (أ.ب.إ)
TT

أصيبت الشركات الصينية بنوبة من الهوس الشرائي في الشهر الماضي، حيث التقطت بسرعة أصولا أساسية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات في إيران والبرازيل وروسيا وفنزويلا وأستراليا وفرنسا في موسم تخفيضات عالمية جراء الأزمة المالية.

وسمحت الصفقات للصين بالاستحواذ على إمدادات من البترول والمعادن والموارد الطبيعية الاستراتيجية الأخرى التي تحتاج إليها من أجل استمرار نموها. ويشير الحجم الكلي للاتفاقيات إلى تحول في التمويل العالمي، مما يقلق أسواق الطاقة ويزيد من المخاوف المتعلقة بوفرة تلك السلع وأسعارها في المستقبل في دول أخرى تتنافس عليها، ومنها الولايات المتحدة.

ومنذ عدة أشهر فقط، كان الكثير من الدول تتقبل هذه المبادرات من الصين بشك. واليوم، بعد أن وجدت شركات ومصارف في مناطق أخرى في العالم أنها تمانع أو غير قادرة على تقديم الأموال للشركات المتعثرة، أصبحت الصين، التي تملك سيولة كبيرة قوة رئيسة تحرك الإقراض والاستثمار من جديد.

وفي 12 فبراير (شباط)، وقعت شركة تشاينالكو للمعادن، التي تملكها حكومة الصين صفقة قيمتها 19.5 مليار دولار مع شركة ريو تينتو الأسترالية، مما يضاعف في النهاية من حصتها في ثاني أكبر شركة تعدين في العالم.

وفي ثلاث حالات أخرى، استخدمت الصين قروضا كوسيلة لضمان إمدادات الطاقة. ففي 17 و18 فبراير، وقعت شركة تشاينا ناشونال بتروليم (شركة الصين الوطنية للبترول) اتفاقيتين منفصلتين مع روسيا وفنزويلا تقدم الصين بموجبهما قروضا قيمتها 25 مليار دولار و4 مليارات دولار، على التوالي، مقابل تعهدات طويلة المدى بإمداد البترول. وفي 19 فبراير، أبرم مصرف التنمية الصيني صفقة مشابهة مع بتروبراس، شركة البترول البرازيلية، حصلت فيه على مجموعة قروض قيمتها 10 مليارات دولار مقابل البترول.

وفي يوم السبت، أعلنت إيران أنها أبرمت صفقة قيمتها 3.2 مليار دولار مع كونسورتيوم مالي صيني من أجل تطوير المنطقة الواقعة تحت قاع الخليج العربي، التي يعتقد أن بها حوالي 8 في المائة من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم.

وحتى مع بطء التدفق المالي العالمي بشدة، وسعت الصين من حجم استثماراتها بصورة كبيرة. ففي عام 2008، بلغت قيمة عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات 52.1 مليار دولار، وهو رقم قياسي وفقا لمكتب ديلوجيك للابحاث. وفي شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير من العام الحالي، استثمرت الشركات الصينية 16.3 مليار دولار في الخارج، مما يعني أنه إذا استمر الأمر على هذه الوتيرة، فسوف يصبح إجمالي الصفقات المبرمة في عام 2009 ضعف العام الماضي تقريبا.

وفي جميع أنحاء العالم، انخفضت قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ حتى الآن في العام الحالي بنسبة 35 في المائة لتصل إلى 384 مليار دولار. وبالمقارنة، أنفقت الولايات المتحدة 186.2 مليار دولار في عمليات الاندماج والاستحواذ في عام 2008، بينما أنفقت اليابان 74.3 مليار دولار.

وتنظر وسائل الإعلام الصينية الرسمية إلى الانهماك في عمليات الاستحواذ على أنها فرصة تأتي مرة واحدة كل مائة عام، ويعقد المحللون مقارنات بين ما يحدث وما فعلته اليابان في الثمانينات.

يقول شو شيانغتشون، المدير الاستشاري لـmysteel.com، شركة الأبحاث والدراسات السوقية: «من الطبيعي للغاية أن تبدأ الصين في الاستثمار أو الاستحواذ على بعض شركات الموارد المعدنية في الخارج بأسعار منخفضة نسبيا أثناء الأزمة الاقتصادية. لقد فعلت اليابان الشيء ذاته في فترة تنميتها الأساسية أيضا».

وتستفيد الشركات الصينية من الأزمة الاقتصادية بمساعدة الآخرين مع مساعدة نفسها في الوقت ذاته. وتساعد الحكومة الصينية أيضا الدول المتعثرة، مثل جامايكا وباكستان، التي تسعى لأن تصبح حليفة لها بتقديم قروض سخية. بل ويحمل المستهلكون الصينيون أموالهم إلى الخارج. وفي رحلة تسوق في الشهر الماضي نظمتها شركة سمسرة عقارية على الإنترنت، سافرت مجموعة من المستثمرين المستقلين من الصين إلى نيويورك ولوس انجليس وسان فرانسيسكو من أجل شراء منازل بأسعار انخفضت منذ أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر. ويقول داي جيان تشونغ، المدير التنفيذي لسو فان القابضة، التي نظمت الرحلة: «بمجرد أن أطلقنا المشروع، سجل 100 شخص انفسهم للسفر للولايات المتحدة. ووصل هذا العدد إلى 400، ويجذب سوق العقارات الأميركية بشدة المشترين الصينيين».

ونظمت وزارة التجارة الصينية رحلة تسوق مشابهة، لكن من أجل الشركات الصينية لزيارة شركات أجنبية، ففي 25 فبراير الماضي اصطحب وزير التجارة الصيني شين ديمينغ معه حوالي 90 مديرا، وقعوا على عقود قيمتها حوالي 10 مليارات دولار في ألمانيا و400 الف دولار في سويسرا و320 مليون دولار في اسبانيا وملياري دولار في بريطانيا. وكانت الصفقات في الغالب من أجل شراء السلع، ومن بينها زيت الزيتون، و3 آلاف سيارة جاغوار، و10 آلاف سيارة لاند روفر.

وأعلنت وزارة التجارة يوم الاثنين أنها تعتزم أن ترسل المزيد من المهمات الاستثمارية إلى الخارج في العام الحالي. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن التفاصيل حتى الآن، ذكرت الوزارة أن الرحلات ستتضمن الولايات المتحدة واليابان وجنوب شرقي آسيا.

وربما تصبح شركات السيارات الأجنبية على قائمة الشركات التي ستستحوذ عليها الصين في ما بعد.

وفي 23 فبراير، ذكرت شركة محركات الديزل ويتشاي باور أنها ستنفق حوالي 3.8 مليون دولار من أجل شراء منتجات شركة موتورز بادوين الفرنسية وتقنياتها وعلامتها التجارية، وهي الشركة التي تصمم وتصنع معدات التسيير البحرية مثل المحركات وأجهزة الدفع.

وكانت هذه صفقة صغيرة نسبيا، لكن شين بين، المدير العام في لجنة التنمية الوطنية والإصلاح في وزارة الصناعة الصينية المح إلى أن عمليات الاستحواذ الأكبر حجما قد تكون في إطار الإعداد. وأشار على هامش مؤتمر صحافي عن الاقتصاد في الشهر الماضي إلى أن شركات السيارات في الخارج تواجه مصاعب في السيولة في الوقت الذي تحتاج فيه نظيراتها الصينية «إلى تقنياتها وعلاماتها التجارية ومهارتها وشبكاتها للمبيعات».

واعترف شين، كما نشر في صحيفة «بيبولز ديلي»: «سيكون تحديا كبيرا للغاية أن تحقق الشركات الصينية استقرارا في نشاط شركات السيارات الأجنبية، وتحافظ على النمو». لكنه أضاف أنه إذا قررت الشركات الاستحواذ على مثل تلك الأصول، «فستساعدها الحكومة».

والدولة الوحيدة التي يتضح غيابها عن انهماك الشركات الصينية في التقاط الصفقات هي الولايات المتحدة.

وما زال العديد من المستثمرين الصينيين يشعرون بوخزة لدى تذكرهم محاولة شركة البترول البحري الوطني الصيني عام 2005 شراء حصة في شركة يونوكال الأميركية للطاقة. وفشلت الصفقة بعد أن أعرب المشرعون الأميركيون عن مخاوفهم من مضامين تتعلق بالأمن القومي من سيطرة الصين على موارد البترول في البلاد.

لقد اتخذ شيونغ ويبينغ، رئيس شركة تشانيالكو، التي تعد محاولتها في امتلاك حصة أكبر في ريو تينتو أكبر مشروع استثماري صيني خارج البلاد حتى الآن، إجراءات لإبعاد المخاوف. في الوقت الذي زاد فيه التدقيق حول الصفقة. وستطرح الصفقة من أجل التصويت عليها على حاملي الأسهم في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران)، ويجب أن يقرها أيضا مجلس مراجعة الاستثمار الأجنبي في أستراليا.

وفي مؤتمر صحافي عقد في مدينة سيدني الاسترالية في 2 مارس (آذار) الحالي، طمأن شيونغ البلاد على أن تشاينالكو لا تريد حصة أغلبية في شركة التعدين العملاقة التي لن تتغير إدارتها واستراتيجيتها. وأكد شيونغ على أن «الصفقة لن تؤدي بأي حال من الأحوال إلى فرض أية سيطرة على الموارد الطبيعية الأسترالية».

وصرح جا داوجيونغ، الباحث في مجال الطاقة في جامعة بكين، بأن الشركات الصينية تشعر أنها قد تجد تمييزا ضدها في الولايات المتحدة بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن جميعها مملوك للدولة أو تديره الحكومة.

ويقول جا: «يشكك الأجانب في نوايا هذه الشركات، ويميلون إلى ربط تحركاتها بتعليمات الحكومة، لكن يجب أن أقول إنه من الصعب حقا أن نعرف ما إذا كان هذا صحيحا أو خطأ».

* شارك الباحثان وانغ خوان وليو ليو من بكين في كتابة هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»