الطائرات الموجهة بلا طيار أكثر الأسلحة فعالية ضد «القاعدة»

«البريداتور» تبث تصويرا مباشرا بالفيديو لمدة 22 ساعة وأنقذت أرواح الأميركيين في العراق وأفغانستان

طائرة بريداتور في معامل تابعة للبنتاغون بكاليفورنيا («نيويورك: تايمز»)
TT

مع نهاية يوم الأحد الماضي، أسفر صاروخ أطلقته طائرة أميركية موجهة بلا طيار عن مقتل أربعة أفراد على الأقل كانوا في منزل قائد المسلحين شمال غربي باكستان، وتعد هذه الحادثة الأخيرة التي يتم خلالها استخدام ما وصفه المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون بأنه أكثر الأسلحة فعالية ضد «القاعدة».

وأوضح مسؤولو البنتاغون أن تلك الطائرات الموجهة عن بعد، والتي بإمكانها بث تصوير مباشر بالفيديو لأكثر من 22 ساعة، أبلت البلاء الحسن إزاء تعقب المتمردين وإنقاذ أرواح الأميركيين في العراق، وأفغانستان أكثر من أي أسلحة أخرى مستخدمة. وأصبحت تلك الطائرات أحد أكثر الأسلحة تفضيلا لدى الجيش، بالرغم من مواطن العيب التي نجمت عن الاندفاع نحو الزج بها في ميدان المعركة. وتمثل فورة الاندفاع في طلب تلك الطائرات الموجهة تفكيرا جديدا داخل البنتاغون بشأن كيفية تطوير ونشر أنظمة الأسلحة الجديدة. وأقر مسؤولو القوات الجوية أن أكثر من ثلث طائرات التجسس «البريداتور» الموجهة من دون طيارـ والبالغ طولها 27 قدما ومزودة بمحرك زلاجة جليدية عالي الكفاءة، كما تكلف الواحدة منها 4.5 مليون دولارـ قد تحطم أغلبها في العراق وأفغانستان. ويقول الطيارون الذين يوجهونها باستخدام عصا التحكم وشاشات كومبيوتر من كبائن في أماكن بعيدة حول العالم إن عمليات التحكم في بعض هذه الطائرات تعوزها الدقة. ومثالا على ذلك، يستقر الزر الخاص بإطلاق الصواريخ بصورة خطيرة بجانب الزر الخاص بإغلاق المحرك. كما أن ثمة ندرة بين الطيارين المنوط بهم توجيه تلك الطائرات للدرجة التي استدعت مناداة الجيش للحصول على عون ومساعدة الطيارين المتقاعدين. ورغم هذا كله، يقول قادة الجيش إن بإمكانهم التعايش بسهولة مع كل هذه المشاق. جدير بالذكر أنه منذ أوج واحتدام الحرب الباردة، انصرف الجيش إلى السعي وراء أكثر الحلول التكنولوجية جرأة وتقدما لمواجهة كل التهديدات، الأمر الذي أدى إلى تأجيلات طويلة، وتجاوزات إنفاقية نجم عنها إنتاج طائرات مقاتلة نادرة في نوعها تكلفت الواحدة منها 143 مليون دولارا، بالإضافة إلى خطط لتصنيع مدمرة تبلغ تكلفتها 3 مليارات دولار، تشير البحرية إلى أنها لا يمكنها تحمل أعبائها. أما الآن، فيبدو أن البنتاغون أصبحت مستعدة للاقتناع بمقولة فولاتير التي تشير إلى أن السعي وراء الكمال قد يفضي إلى فعل الأسوأ بدلا من الإقرار بفعالية المتاح. وفي خطابته، حث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس القادة العسكريين على استخدام «75% من الحلول لشهور» بدلا من انتظار الحلول الأخرى المقبلة على «طبق من ذهب». وفي الوقت الذي بات فيه واضحا أن إدارة أوباما تعد لموازنتها الأولى، أوضح المسؤولون أنهم يخططون لإنفاق المزيد من الأموال على الأنظمة البسيطة مثل الطائرات الموجهة من دون طيار، والتي من الممكن أن تثبت نجاحها حاليا، لا سيما في الوقت الذي يحتدم فيه القتال في أفغانستان وباكستان. ومع نظرة خاطفة خلف ستار الأحداث، على استخدام طائرات «البريداتور»، تتجلى لنا الصعوبات والمغانم الناجمة عن الدفع بهذه الأسلحة إلى ميدان القتال بهذه السرعة المفرطة. يقول الكولونيل إريك ماثيوصان ـ مدير قوة الأنظمة الجوية الموجهة من دون طيار في القوات الجوية: «سأكون صريحا للغاية، إننا في وضع صعب». وأضاف أن الجيش في حالة اندفاع تهدف إلى تدريب المزيد من الطيارين، الذين يقومون بدورهم بتوجيه الطائرات الموجهة من دون طيار عبر اتصالات الأقمار الصناعية من غرب الولايات المتحدة، وذلك للمحافظة على المهام اليومية على ثلاث فترات خلال السنتين الماضيتين. ويقول القادة الميدانيون في العراق وأفغانستان، حيث تعتبر القوات الجوية مسؤولة هناك عن طائرات «البريداتور» إن قدرة تلك الطائرات على مسح المنطقة لساعات، وإرسال فيض من التحذيرات الفورية المنقولة عبر أجهزة الفيديو بشأن أنشطة ومهام المتمردين، هو ما جعلها بالغة الأهمية لتقليل التهديدات الناجمة عن القنابل المفخخة على جوانب الطرق وتحديد المجمعات الإرهابية. ومن المعروف أن الاستخبارات المركزية الأميركية هي المنوط بها توجيه الطائرات الموجهة من دون طيار في باكستان، وهناك تم شن أكثر من 36 هجمة صاروخية على زعماء «القاعدة» وطالبان خلال الشهور الأخيرة.

وعلى اعتبار ابتكارها حديثا خلال السنوات القليلة الماضية، زاد أسطول القوات الجوية من تلك الطائرات ليضم 195 طائرة «بريداتور»، و28 طائرة «ريبارز»؛ وهي من نوع آخر مشابه لطائرات «البريداتور»، إلا أنها أكثر تسلحا. وصممت «جنرال أتوميكس» ـ ومقرها سان دييغوـ كلا الطائرتين. ومن بينها الطائرات التي استخدمها الجيش الأميركي لمواجهة القنابل المفخخة على جوانب الطرق، بالإضافة إلى النماذج الأخرى المطلقة يدويا، والتي يمكنها مساعدة الجنود في إنعام النظر والمراقبة الجيدة لما وراء تل أو هضبة أو مبنى مقابل لهم. من ناحية أخرى، ارتفع عدد الطائرات الموجهة من دون طيار لدى الجيش إلى 5500 طائرة، بعدما كان 167 طائرة فقط خلال عام 2001. وأدت الحاجة الملحة إلى المزيد من الطائرات الموجهة من دون طيار إلى إغفال الإجراءات التقليدية المعتادة. ومثالا على ذلك، تحطمت حوالي 70 طائرة من طراز «بريداتور»، وقد نتج ذلك عن قرارات نشر واستخدام الطائرات قبل إتمام مرحلة اختبارها ووقف استبدال محطات التحكم تفاديا لاعتراض الإمداد بالمعلومات الاستخباراتية. وأفاد الكولونيل ماثيوصان أن الهدف وراء هذا يتمثل في الوصول إلى الحد الأدنى المرغوب «لمواصلة القتال حاليًا، وقبول المخاطر، وفي الوقت ذاته تنفيذ الإصلاحات والتعديلات مع مرور الوقت». ويبدو بالطبع أن هذا الأمر أسهل بكثير بالنسبة للجيش من تحمل مغبة مباشرة عملياته من دون استخدام الطائرات الموجهة من دون طيار. على صعيد آخر، أثارت الشكاوى المتعلقة بوقوع الكثير من الضحايا بين صفوف المدنيين خاصة من الهجمات الحادثة في باكستان، بعض المخاوف بين الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان. ومن جانبهم، أوضح المسؤولون العسكريون أن قدرة الطائرات الموجهة على مراقبة وتحديد الأهداف لفترات طويلة تجعل الهجمات أكثر دقة، كما أكدوا أيضا أنهم لا يقومون بإطلاق أي صاروخ إذا كان هناك أي شك في وجود مدنيين على مقربة من الهدف. جدير بالذكر أن طائرات «البريداتور» كانت تخضع لعمليات اختبار أساسية عندما تم الدفع بها في البوسنة وكوسوفو خلال فترة التسعينات، وبعد ذلك تم تزويدها بالأسلحة على عجل بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. إلا أن ذلك كان قبل أن يتحول الجيش إلى الأساليب الجديدة لمكافحة الإرهاب في طليعة السبعينات، حيث أدى هذا الاتجاه إلى وجود ما يشبه النهم إزاء الحاجة إلى الطائرات الموجهة من دون طيار. ويقول الجنرال غاري نورث قائد القوات الجوية في القوات المشتركة في العراق وأفغانستان إن الجيش مضى «إلى أبعاد مذهلة» بشأن زيادة استخدامها. يذكر أن طائرات «البريداتور» و«ريبارز» تقوم في الوقت الحالي بـ34 دورية مراقبة كل يوم سواء في العراق أو أفغانستان، بزيادة على 12 دورية فقط في عام 2006. وبمقدورها أيضا أن تنقل تصويرا بالفيديو يمتد لـ16,000 ساعة كل شهر، بعضها يتم نقله مباشرة إلى القوات البرية. ومع زيارة أخيرة إلى قاعدة «دافيس مونثان» الجوية القابعة في توكسون بولاية أريزونا،ـ وهي واحدة من أربع قواعد تم فيها توجيه الأوامر إلى وحدات الحرس القومي لفترة كاملة، للمساعدة في سد العجز الحادث في أطقم الطيارين ـ تجلى مدى المتاعب الناجمة عن الطلبات المتزايدة لتلك الطائرات الموجهة من دون طيار.

* خدمة «نيويورك تايمز»