خاتمي يعلن الانسحاب من سباق الرئاسة بعد 48 ساعة من «حرب الإصلاحيين»

تفسيران لانسحاب الرئيس الإصلاحي السابق * و«بطل الفقراء» يخوض السباق.. بالاقتصاد

مير حسين موسوي (وسط) بين أنصاره في طهران أمس (أ. ب)
TT

بعد 48 ساعة من الجدال والمناقشات بين قيادات التيار الإصلاحي في إيران، أعلن الرئيس الإصلاحي الإيراني السابق محمد خاتمي، في بيان رسمي، سحب ترشيحه من انتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل لتفادي تقسيم الأصوات على الجبهة الإصلاحية. وقال خاتمي إنه سيدعم المرشح المعتدل مير حسين موسوي. وفيما لم يزل الإيرانيون يناقشون الأسباب الحقيقية وراء انسحاب خاتمي، فإنه من المؤكد أن الجبهة الإصلاحية في إيران (إصلاح كريان) ستعرف في 12 يونيو المقبل ما إذا كان قرار انسحاب خاتمي من السباق الرئاسي لإتاحة الفرصة لحسين موسوي قرارا خاطئا أم صحيحا. حيث من المؤكد أن يشعر تيار الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بالارتياح بسبب تراجع خاتمي، الذي كان المنافس الأبرز لنجاد، عن خوض السباق الإيراني. وقال خاتمي في بيانه الذي كان متوقعا على نطاق واسع، وإن أدى إلى صدمة بين أنصاره خصوصا النساء والشباب: «أعلن انسحابي من الترشيح.. للحفاظ على وحدة الجبهة الإصلاحية ولتفادي تقسيم الأصوات». وتابع خاتمي الذي اصدر البيان من دون أن يدلي به بنفسه أو يقابل الصحافيين «أعتقد أن السيد موسوي يتمتع بالقدرة اللازمة لتغيير الوضع الحالي. وبالرغم من اختلافنا في الرأي والتصرفات فإن أهم شيء هو أنه (موسوي).. يدافع بجدية وسيدافع عن الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.. وسمعة البلاد على الساحة الدولية». وذكرت وكالة «إيلنا» أنه سيجري نشر محتوى رسالة موسوي لخاتمي بالكامل في وقت لاحق.

وما زالت الأسباب الحقيقية وراء انسحاب خاتمي غير واضحة، فالبعض يقول انه إذا كان ولا بد من وحدة «الصف الإصلاحي»، فلماذا لم ينسحب مير حسين موسوي نفسه أو مهدي كروبي رئيس البرلمان الإيراني وأحد المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي. بينما يردد آخرون على مواقع إلكترونية إيرانية أن مير حسين موسوي دفع من جانب تيار أكثر تشددا داخل التيار الإصلاحي لإعلان ترشحه بعد خاتمي لقطع الطريق أمام الرئيس السابق، وذلك لاعتقاد التيارات الأكثر محافظة بين الإصلاحيين أن المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي لن يسمح لخاتمي بالفوز أمام أحمدي نجاد، ويعتقد الميالون لهذا السيناريو أن الإصلاحيين في سعيهم للعودة للسلطة فضلوا التخلي عن خاتمي لصالح مرشح آخر يمكن أن ينال بعضا من تأييد المرشد الأعلى، مشيرين إلى أن خاتمي طوال سنوات حكمه كان في مواجهة دائمة مع المرشد الأعلى بالرغم من تحسن علاقات إيران مع العالم الخارجي. ويقول محللون إن كثيرا من الإيرانيين لا يعتبرون مير حسين موسوي إصلاحيا. وقال سعيد ليلاز رئيس تحرير صحيفة «سرمايه» الاقتصادية اليومية «رويترز» «أولئك الذين يريدون إعطاء أصواتهم لمرشح إصلاحي لن يعطوها لموسوي». وتابع «قرار خاتمي سيعزز أحمدي نجاد»، مشيرا إلى أن الرئيس الإيراني الحالي له مؤيدوه المخلصون. أما التفسير الثاني لانسحاب خاتمي، فهو تعرضه لضغوط من جانب بعض عناصر في التيار الإصلاحي لا تريد عودته للساحة السياسية لمدة ثماني سنوات أخرى، وتفضل بدلا من ذلك ظهور وجوه جديدة في الساحة الإصلاحية. من ناحيته، تعهد المرشح الرئاسي مير حسين موسوي، بمواصلة طريق الإصلاحات التي سلكها خاتمي إذا انتخب رئيسا لإيران حسبما ذكرت وكالة «إيلنا» العمالية الإيرانية للأنباء أمس.

يعتقد عدد كبير من المراقبين أن استراتيجية الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية التي ينظر إليها عدد من دول العالم والمنطقة على أنها ستصنع المزاج العام للعلاقات الأميركية الإيرانية، لن تركز على سياسة احمدي نجاد الخارجية بل على الاقتصاد. وبرغم مشكلات السياسة الخارجية التي يواجهها احمدي نجاد منذ توليه السلطة عام 2005 فإن أفراد الشعب الإيراني، ومن بينهم أنصار احمدي نجاد نفسه، يلومون الرئيس أساسا لعدم وفائه بوعوده الاقتصادية التي قدمها لصالح أبناء الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل، مع ارتفاع نسبة التضخم لنحو 30 في المائة بل وتتحدث الأرقام غير الرسمية عن نسبة أعلى، فقد صارت الحياة شديدة الصعوبة، ليس على الفقراء فقط، بل حتى على الطبقة الوسطى. وكان أحمدي نجاد قد وصل للسلطة بعدما قال انه سيوزع عوائد النفط على الإيرانيين. ويعتقد بعض المراقبين أن موسوي الذي يتبنى نفس النهج الآيديولوجي الذي يتبناه احمدي نجاد (الولاء للنظام الإسلامي ومناهضة أميركا والميل إلى اليسار في القضايا الاقتصادية) سيركز على القضايا الاقتصادية خلال حملته، معتمدا على خبرته الاقتصادية الواسعة وعلاقاته الوثيقة بالنقابات العمالية، وبالتالي فإن حتى بعض أنصار احمدي نجاد ربما يصوتون لصالحه.

ويصفه أنصار موسوي بأنه «البطل الذي يدعم الفقراء». وكان موسوي قد قال في أول خطاب في حملته الانتخابية «عندما تراكم لدينا كم هائل من العملات الأجنبية من عوائد النفط لم نعد العدة لمرحلة الركود الحالية». واستطرد «ما من أحد في حكومة أحمدي نجاد أعطى أذنه لنصائح الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الذين حذروا من تذبذب أسعار النفط بين صعود وهبوط». بيد أن المراقبين يتشككون في قدرة موسوي على تعبئة الجماهير على نحو ما فعل خاتمي الكاريزمي في انتخابات 1997 و 2001. إلى ذلك، نقل التلفزيون الإيراني أمس عن وزارة الداخلية قولها إن أكثر من 46 مليون إيراني مدعوون للتوجه إلى مكاتب الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. وقال نائب وزير الداخلية المسؤول عن تنظيم الاقتراع كرمان دانيشجو «بحسب أرقام شهادات الميلاد فإن 46.2 مليون ناخب مؤهلون للتصويت». وهذا الرقم أدنى بقليل من الناخبين في الاقتراع الرئاسي في 2005 (حوالي 47 مليونا) لكن العمر الأدنى للمشاركة في الاقتراع كان 15 سنة في حينها. أما اليوم فيمكن لأي إيراني في الـ18 أن يشارك في الاقتراع من دون أن يكون مسجلا على اللوائح الانتخابية. وعدد سكان إيران 70 مليونا.