«بنات تاكسي» يفرض حظرا على الرجال في لبنان

من خلال استحداث أول مؤسسة في لبنان للخدمة بسائقات من جنسها

المكتب يضم اليوم 12 سائقة بينهن العازبة والمتزوجة والمطلقة («الشرق الأوسط»)
TT

تثبت المرأة يوما بعد يوم أنها قادرة على الجمع بين المطبخ ومقر العمل، بين العمل المنزلي والعمل المهني، بين الإدارة في الداخل والكسب في الخارج، كما تثبت أنها قادرة حتى على منافسة الرجل في عقر ميدانه. وهذا ما أثبتته السيدة اللبنانية نوال ياغي فخري التي لم يقعدها الهم العائلي والعمل المنزلي عن المغامرة، والانتقال من التعاطي مع العائلة ضمن الأبواب المغلقة إلى التعاطي مع المجتمع بروح وثابة وجدّ لا يكل وسعي إلى جني اللقمة الشريفة والكسب الكريم. وقد ترجمت هذا التوثب عمليا من خلال استحداث أول مؤسسة في لبنان، وربما ثاني مؤسسة في العالم العربي بعد المشروع الأول المماثل في دولة الإمارات العربية، لخدمة التاكسي بسائقات من جنسها، وفرض حظر على الرجال «منعا للاستغلال والاستفزاز وسوء التصرف» على حد قول السيدة فخري، التي اختارت لمؤسستها اسم «بنات تاكسي» ومقرا لها في منطقة «المطيلب» في كسروان ذات الكثافة السكانية الميسورة وغير البعيدة عن العاصمة بيروت وضواحيها وعن مدينة جونية وجوارها.

وتشرح السيدة فخري لـ«الشرق الأوسط» تجربتها، لا بل مغامرتها، كما تحب أن تسميها، فتقول: «كنت أعمل موظفة في أحد المصارف، حيث أؤمن دخلا يتيح لي ولعائلتي، مع جهد زوجي الذي يعمل في قطاع الأعمال، حياة كريمة. وفي وقت من الأوقات شعرت أن المثل اللبناني «على قد بساطك مد رجليك» لا يرضي طموحي، ولا يقعدني عن التفكير في مد رجليّ على بساط أكبر، وهكذا تفتّق ذهني عن فكرة مكتب التاكسي النسائي، بسائقيه وزبائنه. وبعد ما نضجت الفكرة في رأسي قررت التخلي عن وظيفتي في البنك، وعن الروتين القاتل للطموح، وبدأت أهيئ لترجمة الفكرة، فاستأجرنا المكاتب في منطقة المطيلب الواقعة في قلب أكبر تجمع سكني لبناني واغترابي وسياحي، من دون أن ألقى أي معارضة من الزوج أو الشقيق أو الأولاد. لا بل استعنت بهم في إدارة المكتب في أوقات وجودي في المنزل بعد عودة الأولاد من المدرسة، خصوصا أن المكتب مفتوح الأبواب على امتداد ساعات النهار والليل، ومن الطبيعي أن يكون السهر من نصيب الرجال، إداريا بالطبع».

وتضيف فخري: «قبل مباشرة العمل نشرت إعلانا في الصحف أطلب فيه سائقات ـ وليس سائقين ـ للعمل على التاكسي، ولا أخفيك أنني كنت خائفة بعض الشيء من ألاّ أحصل على الأجوبة المطلوبة، وألاّ أجد ما أبتغيه. لكن الإعلان سرعان ما أثبت جدواه، وأسقط كل مشاعر الخوف والارتياب التي انتابتني في البداية، فتعاقدت مع ثلاث سائقات بدأت العمل معهن بعقود شهرية، ووفق الشروط والمواصفات التي اعتمدتها، وذلك في الشهر العاشر من السنة الماضية. وفي اليوم التالي للعمل تعاقدت مع ثلاث أخريات، والمكتب يضم اليوم 12 سائقة بينهن العازبة والمتزوجة والمطلقة، واللواتي آلين على أنفسهن كسب خبزهن بعرق جبينهن».

وتتابع رئيسة المؤسسة قائلة: «لقد وضعت نظاما صارما للعمل، سواء على صعيد السوق، أو على صعيد السيارة، أو على صعيد الزبائن. فعلى الصعيد الأول، لا أستخدم الرجال قط، وأصررت على ألا يكون سن السائقة أقل من 30 عاما، وأن تحصل على إجازة سوق عمومية يفرضها القانون المرعي الإجراء في مثل هذا الحقل من العمل. وفرضت على السائقات جميعهن ارتداء زي موحد هو كناية عن قميص أبيض وبنطال أسود ورابطة عنق زهرية ووردة من اللون نفسه مشكوكة في شعر الرأس، وماكياج طغى عليه اللون الزهري، كل ذلك انسجاما مع لون السيارات العاملة في المكتب التي يعتمد فيها اللون الزهري الموحد».

وعلى صعيد السيارة، تشير إلى أن نظام المكتب «يفترض أن يعتمد فيها كلها، كما أسلفنا، اللون الزهري، وأن تجهز بلوحة عمومية حمراء، وأن تكون حديثة الطراز كاملة التجهيز ومستوفية كل وسائل الأمان والراحة، وتخضع لصيانة دورية وعناية بالشكل الخارجي الذي يلعب دورا مهما في تنشيط الحركة واجتذاب الزبائن. وتعمل جميع السيارات على البنزين وليس على المازوت، حرصا على البيئة».

أما على صعيد الزبائن الذين يتعامل معهم المكتب، فتقول فخري: «أولا؛ نحن نمارس خدمة التاكسي وليس خدمة السرفيس. وثانيا نحظر نقل الرجال، ونختص بنقل النساء والعائلات والأولاد، وهذا ما تفضله هذه الشرائح من المجتمع، كما تفضله عائلات السياح الذين يزورون لبنان لتمضية الإجازة السنوية، أو خلال المناسبات العديدة التي تحظى بزيارات من العديد من السياح واللبنانيين المغتربين، مع العلم أن مؤسستنا سجلت كمؤسسة سياحية».

ولدى سؤال نوال عن مدى التجاوب مع هذه الظاهرة، تجيب: «الضغط يزداد علينا يوما بعد يوم. لا نتوقف طوال النهار وبعض الليل عن الرد على المكالمات الهاتفية التي تطلب التاكسي، إلى أي منطقة في لبنان، وحتى خارج لبنان» وتسألها عما إذا كانت هناك شكاوى من الزبائن، أو ما إذا كانت السائقات يتعرضن لمضايقات، فتسارع إلى القول: «الحمد الله لم نتلق أي شكوى حتى الآن، لا من الزبائن ولا من السائقات. فأجواء الراحة والاحترام متوفرة للفئة الأولى، واللياقة والرصانة متوفرة في السائقات».

أما بالنسبة إلى التسعيرة، فتقول فخري: «بعضهم يسأل عن التسعيرة وتتم بموجب تفاهم ثنائي، والبعض الآخر يضعنا في عبه، كما يقول المثل اللبناني، أي يترك لنا أمر تحديد التسعيرة. وقريبا سنلجأ إلى اعتماد العدادات في سياراتنا لكي تكون العلاقة مع الزبائن علاقة ثقة وبعيدة عن الاستغلال والعشوائية».