نريد إسكانا حكوميا «لك وللزمان»

سـعود الأحمد

TT

كتبت فيما مضى عدة مقالات عن أهمية توفير مساكن للمواطنين، آخرها قبل بضعة أسابيع بمناسبة مرور عام على تعيين محافظ الهيئة العامة للإسكان في السعودية.. في مقال بعنوان «عام مضى.. ماذا صنعت فيه هيئة الإسكان؟».. مذكراً بأن معاناة المجتمع السعودي من أزمة السكن ما زالت قائمة، وهناك شرائح من المجتمع بدأت تفقد الحلم في امتلاك سكن. ومطالباً الهيئة بأن تُفصح عن سياساتها لمعالجة المشكلة.

وقد وردني من بين التعليقات تعقيب للأستاذ عبد الله العمودي، يذكُر فيه بأنه قدم مشروعاً لنوع من المساكن (منخفضة التكاليف)، وبأنه لم يجد له مجيبا!؟. وإشارات من البعض لمقالات كتبها الأستاذ الدكتور/ علي بن سالم باهمام، المتخصص في هذا المجال. وتعقيبات أخرى تتضمن مقترحات عن آليات معالجة أزمة السكن. ولا يفوتني أن أشكر محافظ الهيئة العامة للإسكان الدكتور/ شويش بن سعود الضويحي المطيري على متابعته وتعقيباته عبر البريد الإلكتروني وتعامله الإيجابي مع ما كتبت واتصاله الشخصي ودعوتي لي للقائه في مكتبه، وإعطائي من وقته الكثير، وتفضله بشرح وإيضاح العديد من الأمور المتعلقة بوضع الإسكان في المملكة.

لكنني لا زلت أُهيب بهيئة الإسكان بألا تلتفت لمقترحات بناء السكن الحكومي بمواد منخفضة التكاليف، وبناء وحدات سكنية صغيرة (بمساحة مائة متر)، ومن يرى بناء شقق للأسر السعودية. فشريحة المحتاجين للمساكن الحكومية يستحقون أن توفر لهم مساكن تتناسب ومتوسطي الدخل في مجتمعنا. وليس المعيار هم الطبقة الفقراء المعدمون.. وبعبارة أخرى: نريد مساكن حكومية «لك وللزمان». فالأسر السعودية معروف أن متوسط عددها كبير، وبالتالي لا نريد أن تكون هذه المساكن مؤقتة. ولذلك، علينا هنا أن نرضى لغيرنا ما نرضاه لأنفسنا. فالأسر الصغيرة اليوم لا بد أنها ستكبر غداً، ولا ننظر لأسرة الشاب المتزوج حديثاً. وبالمناسبة، فهذا هو منهج الحكومة في بناءها للمساكن منذ زمن طويل. وللمعلومية: فإن ما يسمى بالإسكان العاجل الذي بني في عام 1982م، وعلى الرغم من أنه عبارة عن شقق، فإن مساحة الشقة فيه تقارب 230 متراً. وللمعلومية (أيضاً) فإن الدولة عندما منحت قطع أراضٍ سكنية لمواطنيها، فقد كانت أقل مساحة فيها تساوي 400 متر مربع. ويحكي لي أحد قدامى الموظفين الذين عاصروا ما يسمى بسكن الموظفين بمدينة الرياض في عام 1960م، أن الوحدات السكنية فيه كانت عبارة عن فلل بعدة مقاسات بعضها مساحته 750 مترا وبكامل منافعها، وقد سكن به بعض الوزراء إلى أن انتقلوا إلى مساكنهم الحالية كوزراء. وكان ذلك المشروع بحي جديد سمي بحي البحر الأحمر، وكان من أجمل أحياء الرياض (قرب الملز). وهو الواقع حالياً بين شارع جرير وشارع الإحساء وشارع صلاح الدين، وهو الذي يخترقه حالياً شارع المتنبي المتفرع من شارع جرير باتجاه الشمال. وانظر إلى حسن تخطيطه وسعة شوارعه .. وهو الحي الذي قال فيه الشاعر يوسف النشمي:

جتني هدية فلة كاملة ... في البحر الأحمر بالملز يا سلام والله هدية صكها أرسله ... في البيت جابها لي غلام.

(وإن كان البيت الثاني مكسورا).. فهل يعقل أن نأتي بعد نصف قرن لنخفض مواصفات سكن الأسر السعودية؟ هذا مع العلم، أن معظم الأسر الكبيرة اليوم كانت تسكن آنذاك في بيوت شعبية، بعضها لا زال قائما (شاهدا) حتى اليوم. ومن ينظر إليها في حجمها الحالي، لا يتصور كيف كانت تتسع لذاك العدد من ساكنيها.. ومع ذلك لم تقل الدولة بأن السكن كان يجب أن يكون بمستوى أقل شريحة في المجتمع!.

وبالمناسبة.. للدولة تجربة بسكن حكومي بني للوفاء بحاجة آنية، بمواصفات تقارب ما يتحدث عنه البعض. أذكر أنه كان يُعرف بسكن وزارة المالية، ويقع جنوب رئاسة الحرس الوطني (الحالية). وكان مصيره الهدم. وختاماً.. فإنني أهيب بمحافظ هيئة الإسكان أن يفتح بريداً خاصاً لتلقي الشكاوى والملاحظات والمقترحات ليعرف ماذا يريد الناس وكيف يفكرون، ولعل منها ما ينتفع به.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]