تقرير: اقتصاد دول الخليج سينمو بمعدل أسرع من المتوسط العالمي

قال إن حجمه سيصل إلى تريليوني دولار بحلول 2020

تقرير «الإيكونوميست» يتوقع تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي معدل نمو سنوي قدره 4.5 % بالمقارنة مع المعدل العالمي الإجمالي الذي سيبلغ 3.3 % («الشرق الأوسط»)
TT

من المتوقع أن ينمو الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مطرد من الآن وحتى 2020، ولكن بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، وفقا لتقرير حديث صادر عن «وحدة الإيكونوميست للمعلومات». وقال التقرير إن دول الخليج سوف تحقق معدل نمو سنوي قدره 4.5 في المئة، بالمقارنة مع المعدل العالمي الإجمالي الذي سيبلغ 3.3 في المئة. وتوقع التقرير، الذي جاء بعنوان «مجلس التعاون الخليجي في عام 2020: توقعات لمنطقة لخليج والاقتصاد العالمي»، أن يبلغ اقتصاد المنطقة تريليوني دولار في غضون 11 عاما.

وتتمثل أهم صادرات دول مجلس التعاون الخليجي في النفط والغاز، ومن المتوقع أن ينمو حجم هذه الصادرات.

وأشارت الدراسة إلى توقع حدوث زيادة في القدرة الإنتاجية لدول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز، ويمكن أن ترتفع هذه الزيادة أكثر من ذلك بحلول عام 2020، لكن من المرجح أن تتم إدارة هذه المصادر الرئيسية بطرق مختلفة. وأوضحت الدراسة أن هناك اتجاها مرجحا يتمثل في سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى تصدير نسبة ضئيلة من النفط الخام، بسبب انخفاض القيمة المضافة لهذه السلعة، وهو ما يوفر فرص عمل قليلة. وستتجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحويل المزيد من النفط إلى منتجات مكررة، أو مواد بتروكيميائية، واستخدام موارد النفط والغاز كمواد أولية للصناعات التي تكون ذات قيمة مضافة كبيرة، وتوفر مزيدا من فرص العمل.

وقالت الدراسة إنه من المتوقع أن يزيد حجم البضائع المتداولة مع دخول مشروعات صناعية جديدة، مثل البتروكيماويات والألومنيوم وغيرها من الصناعات القائمة على الموارد في طور الإنتاج. وبحسب التقرير، فإنه نظرا للصعوبات التي تواجهها بيئة التمويل العالمية خلال 2009 ـ 2010، فسيتم تأجيل أو إرجاء أو إلغاء بعض المشاريع المخطط لها، إلا أن التركيبة السكانية في المنطقة تشير إلى أنها ستبقى جاذبة للمستثمرين والمقرضين على المدى المتوسط. وذكر معدو التقرير أننا سنشهد تحرك المزيد من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي نحو الشرق، وزيادة في التجارة الثنائية بين الجانبين. ومن المتوقع أن تزيد حصة الصادرات في دول مجلس التعاون الخليجي التي تذهب إلى آسيا زيادة عالميةً، وحتى في حالة عدم وجود تحرك سياسي لدعم التجارة مع الشرق، فمن المتوقع أن تكون معدلات النمو الاقتصادية للأسواق الرئيسية في آسيا (باستثناء اليابان) أعلى منها للاقتصاديات الأكثر تقدما. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى زيادات أكبر في الطلب على الواردات. ونظرا إلى أن الصناعة ستكون مفتاح النمو لاقتصاديات هذه المنطقة، فسيزيد الطلب بشكل خاص على الوقود، والمواد الكيميائية الصناعية والمواد البلاستيكية التي ستنتجها دول مجلس التعاون الخليجي. وقال تاكيرو هوسوي، أستاذ مساعد في كلية الاقتصاد بجامعة كوكوغاكوين في اليابان: «إن الصين ستكون الشريك التجاري الرئيسي لدول الخليج في عام 2020، سواء بالنسبة للصادرات، أو الواردات».

ومن جانبه، قال ألاستير نيوتن، مدير عام ومحلل سياسي بارز في مجموعة «نومورا انترناشونال»: «إن الروابط التاريخية والثقافية الوثيقة التي تربط دول الخليج مع الهند، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المعاصرة، سوف تفيد في تدعيم الروابط التجارية في كلا الاتجاهين، وتُعد إندونيسيا ـ الغنية بسلعها ـ بمثابة مصدر واعد آخر لواردات دول مجلس التعاون الخليجي».

واتفق خبير آخر ـ شمله التقرير ـ على أن أهمية الهند والصين كشريكين تجاريين لدول الخليج ستزداد، كما أشار أيضا إلى احتمال زيادة التجارة الإقليمية.

وأضاف: «لقد توسّع نطاق التجارة بين العرب وبعضهم البعض سريعا، وساعد مد شبكات السكك الحديدية الجديدة على ذلك كثيرا، ولكن هناك أيضا زيادة الصلات التي أقامها العمال العرب المهاجرون، الذين سيشكلون الجزء الأكبر من العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي».

ومن المرجح ـ وفقا للتقرير ـ أن يتركز الاستثمار الداخلي في الصناعات الموجهة نحو التصدير المبينة أعلاه وفي قطاعات الخدمات التي تلبي احتياجات السكان المقيمين الذين يزيد عددهم، بما في ذلك قطاعات الطاقة والمياه والنقل والتعليم والرعاية الصحية.

وقال هوسوي: «إن البترول والبتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر الصناعات القادرة على المنافسة، ولكن نقص البنية التحتية في المنطقة، وخاصة المتعلقة بالمياه والطاقة، جعلها قطاعا استثماريا رئيسيا آخر».

كما ستبقى السلع التجارية المرئية هامة جدا لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، وسيبقى الخليج هو مفتاح طريق الشحن البحري، على الرغم من أن مد خطوط السكك الحديدية سيفتح طرقا جديدة، على حد قول معدِّي التقرير. وستسهم التطورات الجديدة في المنطقة إسهاما كبيرا في ذلك. وعلى وجه الخصوص، سوف تخفض السكك الحديدية التي تُعرف بمشروع الجسر البري السعودي بشكل حاد من الوقت اللازم لنقل البضائع من الخليج إلى البحر الأحمر. وهناك مشروع جسر الصداقة، وهو عبارة عن خطة لمد خط سكك حديدية عالي السرعة، وطريق بري بين البحرين وقطر، حيث من المقرر أن يتم الانتهاء منه في عام 2013. ومن الممكن أن تكون هناك مشروعات أخرى ترتبط بهذه السكك الحديدية لربط دول مجلس التعاون الخليجي ببعضها البعض، الأمر الذي من شأنه تسهيل التجارة داخل المنطقة. وهناك وصلة سكك حديدية إلى تركيا، تم اقتراحها على المدى الطويل. وستعمل مثل هذه التطورات على تعزيز التجارة. وهناك قطاع هام آخر، هو التمويل الذي من المتوقع أيضا أن يقدم مساهمة كبيرة في اقتصاد المنطقة.

وذكر التقرير أنه من المرجح أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي مركزاً مالياً إقليمياً في عام 2020، له الأهمية ذاتها في الشرق الأوسط، كتلك التي تحظى بها سنغافورة في آسيا. ومع ذلك، فإنه سيكون من الصعب منافسة المراكز الأكثر رسوخاً في نيويورك ولندن. ويعد التمويل الإسلامي أحد المجالات التي يُتوقع أن تشهد نموا كبيرا. وقال ماجد داود، الرئيس التنفيذي لشركة يسار للاستشارات الإسلامية «إن هذه التطورات قد تؤدي إلى أن تصبح المنطقة مركزا دوليا لقطاع التمويل الإسلامي».

وعلى الرغم من زيادة مشاركة المواطنين، سيظل القطاع المالي معتمدا على المغتربين الوافدين. وغياب هذه المواهب الوافدة قد يكون مصدرا للقلق، بحسب التقرير. وأفاد: «قد تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي، على المدى المتوسط والمدى الطويل، إلى تكثيف الجهود الرامية إلى الإبقاء على هذه المواهب وتنمية مواردها. وبينما تستفيد المراكز المالية الأخرى أيضا من المستويات العالية للمواهب الوافدة، فإن مدناً مثل لندن أو نيويورك توفر للعمال فرصة أفضل للحصول على الجنسية، وبناء حياة دائمة لأسرهم». ووفقا للتقرير، فمن المتوقع أن تتطور دول مجلس التعاون الخليجي لتصبح مركزا هاما لتكنولوجيا. وقال أحد الخبراء ممن شملهم التقرير «إن هذه المنطقة سوف توفر بيئات للبحث والتطوير، وستفتح مراكز بحث جديدة، وستطور تقنيات زراعة وري جديدة تلائم المناخ الجاف». وستبذل دول مجلس التعاون الخليجي جهودا متنامية لتعزيز الصحة والتعليم والسياحة، برغم أن هذه القطاعات سيظل يهيمن عليها الطلب المحلي في المستقبل القريب. ومن المرجح أن يتم تحسين جودة التعليم العالي، ولكن سيعتمد التحسين العام على الإصلاحات في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وهي عملية طويلة الأجل. في النهاية، مع ذلك، ستشجع الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي الطلاب الأجانب، وهذا من شأنه أن يؤدي دورا في تعميق العلاقات الخارجية، بحسب التقرير. وينظر التقرير بإيجابية إلى مجال الشراكات بين القطاعين العام والخاص في قطاعات مثل النقل والرعاية الصحية والتعليم، حيث جاء فيه «من الممكن أن يكون هناك بطء في المشاركة الأجنبية في مجال التعليم عقب تناميها في السنوات الأخيرة، حيث ستتخذ الجامعات وقفة تأمل لتقييم نجاح المؤسسات التي دخلت مؤخرا في المجال. ومن الممكن أن ينتاب الخوف بعض المؤسسات، خشية القيود السياسية والرقابة على الصحافة والإنترنت في أجزاء من دول مجلس التعاون الخليجي». وبالنسبة إلى جبهة الاستثمار الخارجية، يرى التقرير أن صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ستظل تلعب دوراً هاماً، ولكن سيعتمد مدى نموها اعتمادا كبيرا على مسار مستقبل أسعار النفط، وكذلك على قرارات الاستثمار الخاصة بها. وقال التقرير «أنشأت صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي الكثير من الأصول، نتيجة للطفرة النفطية الأخيرة، حتى إنها أخذت في اعتبارها ما حدث في السوق من خسائر في العام الماضي. ويؤكد انخفاض سعر النفط أن المعدل الذي تراكِم عنده هذه الصناديق رأس المال سوف يتسم بالبطء. وتنبأ أحد مَن شملهم التقرير أن بعض الدول من شأنها أن تجري مسحوبات صافية من صناديق الثروة السيادية الخاصة بها بحلول عام 2020».

وأضاف «ستواجه الحكومات ضغوطا تنافسية حول كيفية إدارة هذه الصناديق. وتجدر الإشارة إلى أنها سوف تحتاج إلى تحقيق التوازن بين الرغبة في زيادة العوائد وتنويع مصادر دخل، إزاء الحاجة إلى الحفاظ على الأصول للأجيال القادمة». وزاد «اتسم سلوك صناديق الثروة السيادية بالحذر خلال الانكماش الاقتصادي لعام 2008، متحديةً التوقعات بأنها ستجري عمليات دمج انتهازية واسعة النطاق بقيم منخفضة. وتدريجيا، ستصبح تلك الصناديق السيادية على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر. وبمرور الوقت، ستكون هناك حاجة ملحة للصناديق السيادية للاستثمار في المنطقة الخاصة بها للمساعدة في تعويض أثر انخفاض الاستثمارات الأجنبية، وضيق أسواق الائتمان الدولية».

وفي الوقت نفسه، ستكون فرص الاستثمار داخل دول مجلس التعاون الخليجي محدودة على الأجل القصير. وستسعى صناديق الثروة السيادية إلى ضمان تنوع أصولها الجغرافية، كنوع من التحوّط ضد احتمال الانكماش الاقتصادي المحلي.

وقال توماس ماتاير، المستشار في الشؤون الدولية لحكومات ومؤسسات تجارية في الولايات المتحدة والشرق الأوسط «هناك حدود للمدى الذي يمكن أن تستوعبه المنطقة نفسها».

ومن جهته، قال غيرد نونمان، أستاذ العلاقات الدولية وسياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر في معهد الدراسات العربية والإسلامية «إن تطوير صناديق الثروة السيادية ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره جزءا من استراتيجية التنويع العامة لدول مجلس التعاون الخليجي». وأضاف «عندما تقوم صناديق الاستثمار السيادية بالاستثمار في الخارج، فإنه من غير المحتمل أن تستنهض الهمم من أجل التغيير. ومن المحتمل أن تظل دول مجلس التعاون الخليجي سلبية إلى حد كبير بالنسبة للاستثمار في الخارج لأنها ليست لديها النزعة ولا الأفراد لبدء تشغيل شركات أجنبية». وبحسب التقرير، فمن المتوقع أن تتسم إجراءات الحذر والإجراءات الوقائية التي أبدتها بعض البلدان نحو صناديق الثروة السيادية بالاعتدال، على الأقل في الجزء الأول من الفترة المتوقعة، حيث يصبح من الصعب الحصول على رأس المال من مصادر أخرى. وفي حين أن الدول الغربية لا تركز كثيرا على الدعوات التي تطالب بأن تصبح صناديق الثروة السيادية أكثر شفافية، فمن الممكن أن تزيد الضغوط الداخلية المطالبة بمزيد من الشفافية حول استراتيجيات صناديق الثروة السيادية في أعقاب ورود تقارير عن وقوع خسائر بها في عام 2008، وفقا للتقرير.