مخاوف من انتشار الفوضى في العراق بعد إغلاق معتقل بوكا الأميركي في الجنوب

مسؤولون أمنيون يحذرون من أن الخارجين من المعتقل يعيدون رسم خطوط المواجهة الطائفية

عدد من المعتقلين بعد إطلاق سراحهم في كاراج العلاوي وسط بغداد، فيما يسجد اثنان منهم شكرا لله (أ.ف.ب)
TT

أكد قادة الشرطة ومسؤولي الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية، أن إطلاق سراح مئات العراقيين من معتقل بوكا الذي تديره القوات الأميركية في جنوب العراق، ساهم في عودة ظهور الميليشيات الشيعية والمتمردين السنة في شوارع البصرة وبغداد وعلى طول نهر الفرات.

وفي الأحياء الشيعية المحرومة المحيطة ببغداد، تحدث بعض معتقلي بوكا السابقين عن الانتقام، فيما تحدث آخرون عن دعمهم لمقاتلي الميليشيات الموالية لمقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي يناصب الولايات المتحدة العداء والذي انتشرت قواته في بغداد والبصرة العام الماضي. ويسود إحساس بالشك في المناطق المحيطة بالكرمة تلك المدينة المفتوحة التي يتوقع سكانها من السنة عودة عشرات من المقاتلين. وعبّر سكان المدينة ومنهم سعد عباس محمود، قائد الشرطة، عن المخاوف من تدفق المعتقلين السابقين إلى المدينة. وقال سعد الذي يعرف لدى الضباط العاملين تحت إمرته بأبي قتيبة: «لم يكن أولئك الرجال يزرعون الزهور في الحدائق، ولم يكونوا يتجولون في الشوارع. فالمشكلة ضخمة وخطيرة، وللأسف، فإن الحكومة العراقية والسلطات لا يعلمون حجم استفحال المشكلة».

ومنذ بداية الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 للإطاحة بنظام صدام حسين اعتقلت الولايات المتحدة 100.000 شخص في البلاد. وفي ذروة زيادة أعداد القوات الأميركية في العراق، تم تحويل 26.000 منهم إلى معتقل بوكا الذي يمتد إلى جانب الحدود الكويتية في جنوب العراق. وقد انخفض الرقم إلى 9.600، وبحلول الأول من يناير (كانون الثاني) هذا العام، قامت القوات الأميركية بإطلاق سراح ما يقرب من ألفي سجين، وتخطط لإغلاق المعتقل بحلول الصيف.

ووسط احتفالات صاخبة في بغداد يوم الخميس، أطلق سراح 106 معتقلين تمت مرافقتهم إلى مسجد أم القرى والذي كان منطلقا لمقاومة الاحتلال الأميركي. واختلط المكان ببكاء وفرحة عائلات المعتقلين السابقين لدى تسلمهم أوراق الهوية الشخصية الخاصة بهم. وقال سعد نعمة وهو يمسك بيد ابنه رائد البالغ من العمر 26 عاما والذي اعتقل لمدة 18 شهرا: «غالبية المعتقلين أبرياء مثل ابني، ولقد بكيت من الفرحة».

لكن هناك من هو غير بريء، مثل محمد علي مراد الذي قال عنه العقيد داوود حمود نائب مدير شرطة الفلوجة، إنه سائق أبو مصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» في العراق الذي قتل في يونيو (حزيران) من عام 2006. وقد اعتقل مراد بعد مغادرة بوكا، لكن القاضي أطلق سراحه. ويعتقد أنه يدير خلية في بغداد مع السجناء السابقين. ويقدر العقيد حمود أعداد المعتقلين العائدين إلى منطقة الفلوجة بالمئات. واعترف بأن قواته حاولت القبض على 10% من المعتقلين المفرج عنهم، وأشار إلى أن الأمر لا يتطلب سوى عدد قليل من المسلحين لبث الرعب من جديد. وقال حمود: «نعم، إنهم يشكلون تهديدا».

وأوضح أحد مسؤولي الاستخبارات في وزارة الداخلية أن العدد كبير جدا وأن المشكلة باتت أكثر توسعا، وقال إنه تم تنظيم «مجموعات خاصة» داخل ميليشيا الصدر لإقامة حكم ذاتي في البصرة وعلى نطاق ضيق في بغداد. لكن ربما يكون الأمر الأكثر دراماتيكية هو نشاطات المتمردين السنة في ظل «القاعدة» لإعادة توحيد صفوفهم في الأحياء الجنوبية والغربية من بغداد، ثم إلى أقصى الغرب باتجاه الكرمة. وأضاف «تلك المناطق تشكل خطرا على الحكومة، فالقاعدة تجهز نفسها استعدادا لرحيل القوات الأميركية، حيث يرغبون في القيام بثورة». وأشار إلى أن 60% من المعتقلين المفرج عنهم من هذه المناطق عادوا إلى القتال، بينما يشير محمود إلى أن النسبة في الكرمة تصل إلى 90%. وقال محمود إنه في الوقت الذي عاد فيه المعتقلون من سجن بوكا قام رجاله بالقبض على 70 سجينا سابقا منذ الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 يناير (كانون الثاني)، حيث حاول البعض منهم ضم جنود الصحوة إلى جانبهم.

وقرأ محمود إحدى النشرات التي وقعتها صحوة الشباب المسلم ووجدت في الكرمة تقول: «عودوا إلى إيمانكم، وسنفتح لكم قلوبنا، وإن أبيتم فسوف نأتيكم برجال يحبون الموت كحبكم للحياة». وفي حي الأمين الشيعي في بغداد الذي يحكم رجال جيش المهدي قبضتهم عليه، لا يزال أنور عباس يحمل الكثير من الحنق على رجل الشرطة الذي اعتقله. وقال: «أود أن أقتله.. لن يكفيني تعويضه إياي.. إنه ليس بعراقي. إنه جاسوس ولا أحد يقبل بجاسوس».

أطلق سراح عباس الأسبوع الماضي بعد عامين في معتقل بوكا، ولم يتمكن ابنه مقتدى البالغ من العمر ثلاث سنوات من التعرف عليه، وقال عباس: «إنه كان دائم السؤال لأمه (من هذا؟)» أما ابنه الأصغر منتظر فقد ولد وهو في السجن.وقد أنكر عباس في بداية الأمر أنه مقاتل، لكن كاظم السعدي أحد قادة التيار الصدري شجعه على الكلام فقال عباس: «إذا ما خُيرت بين التضحية بوالدي ومذهب الصدر فسوف أضحي بأبي، وقد أخبرت زوجتي أنني إذا ما خيرت فسأضحي بها وأولادي». وأضاف عباس: «إن القتال لم ينته بعد، إنما هي هدنة مؤقتة».

ودأب المسؤولون الأميركيون على إظهار قلقهم من تحول بوكا إلى مدرسة للمتمردين، ومن ثم حاولوا اتخاذ بعض الخطوات لمحاربة ذلك، لكن عباس قال إن القسم الذي كان يتواجد به كان يسيطر عليه أنصار الصدر، حيث كان يلقي فيه الشيخ السعدي دروسا في الفقه واللغة العربية وتجويد القرآن وحتى محو الأمية. ويؤكد السعدي أنه قام بتجنيد 80 رجلا خلال إقامته في المعتقل. فقال: «تمكنا بفضل الله من إقامة معهد داخل السجن الأميركي».

أحد تلاميذ السعدي، سيف طعمة الذي كان له نصيب من الشهرة في عام 2004 عندما ظهرت صورته في مجلة «تايم» تحت عنوان «استعادة الشارع»، حيث ظهرت صورته في مقدمة مجموعة من رجال الشرطة خلال إحدى الدوريات. وبعد ذلك بعامين ألقي القبض عليه عندما اعتقل صديق لصديقه خلال غارة على منزله من قبل القوات الأميركية والعراقية، ليقضي 19 شهرا في معتقل بوكا.

خرج طعمة من السجن وقد زاد وزنه وأطلق لحية صغيرة وخط الشيب بعضا من رأسه، ولا يزال يتذكر الإرادة القوية لمؤيدي الصدر في السجن، حيث كانوا يقومون بغسل ملابسه ويحضرون له الطعام عندما كان مريضا، وقد كان يقضي ساعتين يدرس على يد السعدي يوميا. وقال: «لم أكن محافظا على عباداتي من قبل، فلم أكن أصلي أو أصوم، وكنت أحب المسكرات، لكنهم علموني الصلاة والعبادة، ولو لم يعلموني لكنت لا زلت أعيش حياة الضلال. إنهم أناس جيدون». وأضاف أن عشرين من أصدقائه في السجن شعروا بنفس الإحساس. وعن المعاملة الأميركية في السجن قال: «دأبوا على القول: أنت مع الصدر، أنت مع الصدر، فقلت في نفسي: حسنا، عندما أخرج، سوف أتوجه للانضمام إلى الصدر».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»