غابت حماية المستهلك.. فأصبح الخصم هو الحكم

بعد أن استجابت شركات كبرى لشكاوى المستهلكين بـ «صناديق الاقتراحات»

ارتفاع الأسعار طال معظم المنتجات في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

منذ قرابة العام وتحديداً منذ صدور الأمر السامي بالترخيص لجمعية حماية المستهلك، يعيش المستهلك في السعودية في حيرة من أمره سببها عدم معرفته بالجهة التي يمكن أن تحمي حقوقه، فالجمعية التي نالت الترخيص لتكون هي صوته ما زالت متعثرة ولم تقم بأي مجهود على أرض الواقع نظراً لنقص الإمكانيات، لتصبح خياراته شحيحة والأبواب التي يمكن أن يطرقها نادرة وقليلة وقد تتقاطع بشكل مباشر مع خصمه ليكون هو الحكم في بعض الحالات. الدكتور فيصل عواد المشرف في قسم المسؤولية الاجتماعية بغرفة التجارة والصناعة بجدة، أكد أن لجنة حماية حقوق المستهلك في الغرفة والتي كانت تقوم بدور مساند لتحقيق مصلحة المستهلك وتطوير الخدمات المقدمة له قبل صدور قرار الترخيص للجمعية توقفت تماما عن العمل. وقال عواد «كانت لدينا إدارة وألغيناها منذ عام بعد الترخيص لجمعية حماية المستهلك ولم يعد لدينا في إدارة الغرفة التجارية لجنة لحماية المستهلك. منذ تشكيل جمعية حماية المستهلك في الرياض، ومنذ ما يقارب العام ليس لدينا أي تنسيق أو تواصل مع الجمعية». وفي ظل توقف جمعيات المجتمع المدني عن مساندة المستهلك نظراً لوجود جهة متخصصة على الرغم من تعطل هذه الجهة لأسباب مادية، فإن أمام المستهلك خيار من اثنين، الأول هو اللجوء للخط الساخن لوزارة التجارة والصناعة، وهو خط يمكن إبلاغه عن أي ملاحظات حول الغش التجاري أو زيادة الأسعار بشكل مبالغ به، لكنه لا يتعامل مع شكاوى وملاحظات أخرى كطريقة تقديم الخدمة على سبيل المثال. الخيار الثاني يبدو غريباً للوهلة الأولى، إذ يتحول الخصم فيه إلى حكم لكنه نافذة مشرعة أمام المستهلك، وقد تكون فعالة في كثير من الأحيان، حيث يحرص العديد من الشركات الكبرى على استقبال شكاوى وملاحظات العملاء، وتتفاوت هذه الشركات في جديتها في التعامل مع هذه الملاحظات حسب سمعتها وتاريخها وسياستها المتبعة. من جانبه أكد مدير التسويق والعلاقات العامة بمتاجر بندة وهايبر بندة، رامي رجب، أن متاجر بندة باشرت بوضع صناديق الشكاوى داخل أسواقها بدءاً من عام 1999، وأشار إلى أن الملاحظات التي ترد هذه الصناديق أعانت الشركة كثيرا في ترقية وتطوير خدماتها. وقال «حالياً نحن في طور التعاقد مع شركة لاستقبال مكالمات وملاحظات العملاء هاتفياً، كما أن معظم الأسواق تضع رقم هاتف مدير السوق في مكان بارز ليمكن الاتصال به مباشرة، أما آلية تلقي الشكاوى فتتم عبر جمعها من الصناديق يومياً ولا يطلع عليها مدير السوق، ولكنها تتجه للإدارة العامة في كل منطقة، حرصاً على المصداقية والموضوعية في التعامل مع الملاحظات والشكاوى، ونحن نهتم بحل المشكلة على مستوى الأسواق كلها لا على مستوى السوق الذي وردت إليه الملاحظة فقط». وتابع «الشكاوى والملاحظات يستقبلها قسم التسويق الذي يتحكم في استراتيجية الشركة وتوجهاتها ويرى أن العميل دائما على حق، وأي مشاكل تتعلق بالأسعار أو بالأمن أو غيرها نقوم بحلها. وهناك في الإدارة العامة 18 شخصا يتعاملون مع الشكاوى والملاحظات». ولفت رجب إلى أن سهولة الاتصالات وسهولة لجوء أي عميل غاضب لوسائل الإعلام أو نشر تجربته السلبية على شبكة الإنترنت هي معطيات تجعل من الحرص على إرضاء العميل وحل مشكلته فورياً مسألة ذات أولوية لأي شركة تريد الحفاظ على اسمها وسمعتها. وشعارنا هو أن العميل دائماً على حق حتى لو كانت المشكلة مبهمة وتتعلق بعدم فهم العميل لسياسة معينة، لأنه هو الذي يدفع رواتب الموظفين في النهاية، وقال «نحن شركة مساهمة ونحن نتحدث عن 50 مليون عميل سنوياً و50 في المائة من الشعب السعودي يقصد متاجرنا، ولذلك لا نخشى إبراز المشاكل أو حلها، فالشفافية مطلوبة». وأكد رجب بأن معظم المشكلات التي ترد يمكن الإفصاح عنها بسهولة لأنها دائما تجد طريقها للحل، وأضاف «إحدى المشكلات التي تصادفنا عدم تحديث السعر على المنتج في حال تغييره، وهي شكوى وردتنا كثيراً مؤخراً، ولحل هذه المشكلة قررنا أن نقوم بإعفاء العميل من قيمة أي سلعة تختلف قيمتها بين الموضح عليها وبين ما هو مسجل في الكاشير، وهي فكرة نجربها حالياً في متاجر جدة وسنطلقها بعد ذلك على مستوى السعودية، والفائدة التي نجنيها هي بناء المصداقية والسمعة، إلى جانب تشجيع المنافسين لصالح خدمة المستهلك في نهاية الأمر». من جانب آخر لفت رجب إلى أن جهود الوزارة مؤخراً في وضع مؤشر للأسعار تابع لها مباشرة هو جهد ممتاز ومفيد، لكنه يقترح أن تتوجه وزارة التجارة للموردين لتطلب منهم وضع تسعيرة ثابتة أو مؤشر حتى لا يمكن لتاجر صغير أن يتلاعب بالسعر بشكل يضر المستهلك، وطالب رجب الوزارة بأن تكثف جهودها في جولات الكشف عن الغش التجاري وتدعيم طاقمها المكلف بهذه المهمة بالمزيد من الموظفين ليتسنى لهم الكشف عن المواد المغشوشة والمواد التي انتهت فترة صلاحيتها. رائد عابد، مدير التسويق بشركة السواني، بدوره أكد أن المحلات التابعة لشركته لديها منظومة متكاملة للتعامل مع العملاء وشكاواهم وملاحظاتهم، تتضمن سنترالا للرد على مكالماتهم، وهناك 15 موظفاً يقومون بتلقي الاتصالات الهاتفية والإشراف على الملاحظات والردود، إلى جانب أن هناك صناديق شكاوى في بعض المحلات الرئيسية تقوم الإدارة من خلالها بجمع الملاحظات يومياً ويمكن حتى تلقي الشكاوى من خلال الموقع الإلكتروني. أما حول طريقة التعاطي فتعتمد بحسب عابد على نوع الشكوى، فإذا كانت تتطلب معاودة الاتصال بالعميل نقوم بذلك، في حين لو كانت الملاحظة تتطلب التنبه وتعديل خدمة معينة فإننا نقوم بذلك، وأضاف «حجم الشكاوى الذي يصلنا هو قليل ويمكن تصنيفه تحت بند الملاحظة أكثر من كونه شكوى، ومعظمها يمكن تلخيصها بعدم وجود المقاسات أو الألوان، وما يميزنا هو المصداقية وحرصنا على تقديم خدمة متميزة للعميل بمنتهى الشفافية». وعلى وزن العبارة التي تستخدمها كبرى المتاجر والشركات «المستهلك دائما على حق» يمكن القول إن المستهلك في أغلب الأحيان غاضب، فبعد استطلاع سريع لآراء المستهلكين حول تجاوب وتعاطي الشركات والمحال التجارية مع شكاواهم، قال محمد عبيد (36 عاماً) إن المحل يهمه كثيراً أن يستلم الملاحظة بابتسامة واسعة ويقدم سيلا من الوعود والتطمينات بأن ملاحظته ستؤخذ على محمل الجد، لكنها في الحقيقة ستجد سبيلها إلى سلة المهملات، ويجب أن يكون هناك جهة تتأكد من أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار وتضمن للمستهلك حقوقه.