رحلة صغيرة كما لو أنها حلم في متحف المنمنمات الصغيرة في ليون

نماذج مصغرة مستوحاة من أفلام سينمائية ونموذج للبرلمان الفرنسي في علبة من الزجاج

نماذج من المنمنمات في متحف ليون احدها يمثل مشهدا من فيلم (العطر) و الاخر لغرفة معيشة (الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر متحف المنمنمات الصغيرة musée des miniatures في مدينة ليون الفرنسية من أهم المتاحف العالمية في اختصاصه، فهو تمكن بعد تسعة عشر عاماً على افتتاحه، من حجز المرتبة الثانية في الأهمية بعد المتحف الأول أوروبياً في برلين. كما أنه يختلف عن متحف برلين بأنه بدأ منذ أواسط التسعينات في العمل على نماذج مصغرة للأفلام السينمائية، من بينها فيلم «العطر Le Parfum» الذي لعب بطولته داستن هوفمان بتجسيده شخصية بائع عطر إيطالي يملك متجره الخاص في العاصمة الفرنسية في القرن الثامن عشر. لكن ليس هذا وحده ما يميز هذا المتحف الفريد من نوعه في العالم، بل وكذلك المجموعة الكبيرة المعروضة داخل فتريناته الصغيرة التي تحتوي على عوالم، هي أشبه بالسحر منها بالحقيقة المجردة. في الحي الخامس من ليون، وبداخل أحد المباني التي شيدت في عصر النهضة (القرن السادس عشر)، وكان داراً للمحامين لمدة تزيد على المائة عام، يقع هذا المتحف المؤلف من أربع طبقات، كل طبقة تكتنز بداخلها مجموعة من مجموعات المهندس المعماري الفرنسي «دان أولمان Dan Ohlmann» الذي بدأ العمل في هذا المتحف منذ نهاية الثمانينات، حيث أقنع مالكة المبنى، الذي يقع في أحد أهم أحياء ليون القديمة، بتحويله إلى متحف للمنمنمات الصغيرة. وبعد هذه الأعوام القليلة تحول المتحف إلى عنوان مميز في المدينة، إذ يبلغ معدل زواره في العام حوالي مائة ألف زائر. وهو بهذا استفاد، ليس من تميزه فقط، بل من الأماكن السياحية الملاصقة له، مثل كاتدرائية القديس جان، التي تعتبر باحتها الخارجية من أهم الأماكن في المدينة، لقدمها من جهة، ولتكدس المقاهي والمطاعم فيها. فزائر المدينة القديمة في ليون لا بد أن يمر من أمام هذا المتحف بشكل لا إرادي، إذ إن الطرقات الضيقة المخصصة للمشاة هي التي توصله إلى أمام المتحف؛ ليجد نفسه كما لو أنه دخل إلى حلم، وخرج منه في لحظات. من المعروضات التي تثير الدهشة هناك قاعة مسرح كاملة مبنية على طريقة مسارح أوروبا القرن الثامن عشر، بكراسيها الجلدية والنقوش، إلى جدرانها وآلة البيانو، وكل تفصيل من تفاصيل المسرح منحوتة في علبة زجاجية صغيرة جداً، أو غرفة نوم بكل ما تحتويه، أو مطبخ، أو حتى قاعة البرلمان الفرنسي بكاملها موضوعة في علبة زجاجية، وجميعها مصنوعة ومنحوتة بمادة السيليكون. ويقسم صاحب المتحف كل طبقة من المبنى وصالاته الثماني منه إلى أقسام متخصصة. فهناك الطبقة الأولى التي خصصت بكاملها للأعمال السينمائية، ومن أشهرها فيلمان، هما «السحرة» و«العطر»، كما يخصص الطبقة الثانية للأعمال التي تجسد شخصيات آدمية، والمنمنمات التي تجسد البيوت والغرف والمكاتب والأسرة والكراسي والمطاعم والمستشفيات والمدارس، والأعمال التي تمثل التراث الفرنسي بكل مكوناته التاريخية والثقافية التي تشمل مختلف نواحي الحياة.

يصل عدد الأعمال الموجودة في المتحف إلى ألف منحوتة، لا تقتصر على أعمال دان أولمان فقط، إذ إن المتحف يحتوي على مجموعة نادرة من المنمنمات، تعد الأكبر في العالم. فهناك أعمال مصممة المنمنمات الفرنسية كاثرين باغو دوفيرن Catharine bagot-duvern المتخصصة في متعلقات المطبخ الفرنسي التقليدي وأعمال القرية، مثل السلال والزجاج وغيرها. وكذلك يضم المتحف أعمال كريستين دوفان Christine davin، وهي من أهم مصممي الدمى في العالم اليوم، ورونان جيم سيفيليك Ronan-Jim sevellec المولود في عام 1938، ويعتبر اليوم من أشهر مصممي النماذج المصغرة للسينما.. إلخ. زيارة المتحف بهذا المعنى لا تعتبر رحلة للتسلية وتمضية الوقت، ولكن أيضا، للاستفادة من المعاني العلمية والهندسية التي تقف خلف كل تصميم على حدة. وهي أيضاً رحلة في عالم عجائبي يذِّكر للحظات بعوالم الطفولة البعيدة والغائرة، خاصة لمن تجاوزوا مرحلة طفولتهم منذ زمن.