ولاية مينيسوتا الأميركية تكشف عن برنامج للرهن العقاري متوافق مع الشريعة الإسلامية

يتيح إمكانية تملك منازل بتمويلات إسلامية

الرهن العقاري المتوافق مع الشريعة الإسلامية قد يجد إقبالا حتى من غير المسلمين
TT

كشفت ولاية مينيسوتا الأميركية مؤخرا عن برنامج جديد للرهن العقاري الإسلامي. وبعد أن كان حلم شراء منزل من المستحيلات على كثير من المسلمين في الولاية، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تحرّم دفع أو تحصيل الفوائد (الربا)، حيث بدأت هيئة الإسكان في ولاية مينيسوتا في تقديم برنامج جديد للرهن العقاري الإسلامي، وذلك لمعالجة مشكلة تملك المنازل بالنسبة للمهاجرين المسلمين.

وعلى الرغم من أن البعض يرى أن ثمة استثناءات في الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى تحريم الفائدة تتعلق بتعرض عائلة المرء للخطر، فإن هذه الاستثناءات مفتوحة أمام التأويلات. وتعد الرهونات العقارية التقليدية، بالنسبة إلى كثير من المسلمين نوعا من المحرمات.

وقال الشيخ النووي أحمد (مسلم أمريكي من أصل صومالي) إنه لا يستطيع هو وزوجته أن يعارضا تعاليم الدين الإسلامي حتى لو تعلق الأمر بالتخلي عن حلمهما بامتلاك منزل، حيث لا يزال ينتابه التعب والإرهاق من الانتقال من شقة مؤجرة إلى أخرى. لكن الشيخ لم يعد لديه أي خطة للانتقال من جديد قريبا، حيث أصبح أول مشترٍ لمنزل بواسطة قرض حصل عليه من برنامج أسواق الرهن العقاري التابع للولاية. فمن وجهة نظر مدير البرنامج نيمو فرح، يمتلك الشيخ كل المقومات التي تجعله يمتلك أحد المنازل.

وأكد نيمو أنه لديه الكثير من الطلبات، ولكن النووي أول من تم تسليمه منزلا، لأنه كان على أتم استعداد لذلك. فهو مستقر في وظيفته منذ فترة؛ ولديه رصيد جيد؛ ولديه عدد أفراد الأسرة المناسب، وكل أوراقه سليمة وكاملة. لقد كان حقا على أهبة الاستعداد لامتلاك منزل.

يُذكر أن البرنامج موجه إلى العائلات ذات الدخل المنخفض إلى المعتدل. ويجب على أصحاب الطلبات المؤهلين للتملك أن يكملوا الدورة التثقيفية المتعلقة بالمشترين التي تُنظَّم لأول مرة. والهدف منها مساعدة المسلمين الراغبين في شراء منازل في تكوين ثروة وحصد الفوائد الناجمة عن امتلاك منزل.

وبموجب الطريقة التي يعمل بها الرهن، المعروف باسم تمويل المرابحة أو «التكلفة إضافة إلى البيع»، تقوم الولاية بشراء منزل وتعيد بيعه إلى المشتري بسعر أكبر. ويتم الاتفاق أن تكون مقدمة الدفع والأقساط الشهرية مساوية لمعدلات الرهون العقارية الحالية.

وهناك مجموعة قليلة من البنوك الخاصة وشركات التسليف تقدم رهونات عقارية إسلامية في الولايات المتحدة، ولكن وكالة إسكان مينيسوتا هي أول وكالة تابعة لولاية تقدم مثل هذا المنتج. وهذا البرنامج من بنات أفكار حسين ساماتار، مدير مركز التنمية الإفريقي بمدينة مينيابوليس.

ويرى ساماتار أن عملية الرهن هذه مختلفة، ولكن النتيجة تبدو متشابهة، حيث يقول: «كنا نريد أن نعمل وفق المنهج التقليدي قدر الإمكان وأن نحترم في الوقت نفسه تعاليم الإسلام».

وحاول ساماتار، الذي عمل لصالح مؤسسة ويلز فارجو، أن يطلق برنامج التمويل الإسلامي لسنوات. وذكر أن موافقة وكالة الإسكان التابعة لولاية مينيسوتا على المشاركة ما هي إلا إشارة إلى زيادة القوة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي.

ومن جهة أخرى، يقوم بنك «ديفون» الذي يتخذ من شيكاغو مقرا له، باكتتاب القروض لبرنامج الأسواق الجديدة. ويعد «ديفون» أحد أكبر بنوك التسليف الإسلامية في البلاد. يقول المستشار ديفيد لوندي إنه يتوقع زيادة الطلب على التمويل الإسلامي مع توطن المسلمين في الولايات المتحدة، مضيفا أن المسلمين يميلون إلى المخاطر المناسبة. وتدعم الأرقام هذه الفرضية جيدا، فلم يخسر بنك «ديفون» ـ حسب قول لوندي ـ فلسا واحدا خلال خمس سنوات ونصف هي عمر تقديمه للتمويل الإسلامي، رغم تصريحه بأن الكساد قد يجعل من الصعب المحافظة على هذا السجل، حيث يواجه المقترضين خطرُ فقدان وظائفهم.

ويُعتبر منزل الشيخ النووي الجديد المكون من ثلاث غرف نوم جنوبي مينيابوليس عبارة عن حجز رهن رسمي سابق، ويقول حسين ساماتار رئيس مركز التنمية الإفريقي إن هناك الآلاف من المشترين المحتملين مثل الشيخ النووي ينتظرون إحدى الفرص. وسيساعد برنامج رهون الأسواق الجديدة مجتمع المسلمين في ولاية مينيسوتا في الاستقرار بمجتمعهم. ويضيف: «يا له من نبأ عظيم لهذا البلد! إنها إشارة عظيمة بأن الولايات المتحدة هي بلدنا».

لا ريب أن التمويل الإسلامي يكتسب، يوما بعد يوم، زخما هائلا باعتباره بديلا للنموذج الاقتصادي الرأسمالي الغربي، وذلك في ظل استمرار حالة الركود التي يشهدها الاقتصاد العالمي.

وبحسب مجلة «ديبلوماتيك كورير»، التي تصدر في العاصمة الأميركية واشنطن، فإن النموذج الرأسمالي الغربي يتعرض للهجوم مع تصاعد غضب القادة وأصحاب مبادرات الأعمال والخبراء الاقتصاديين من الحمائية المتزايدة وصلابة القوانين. ويلفت أنصار التمويل الإسلامي النظر إلى مرونة هذا النموذج في المناخ الاقتصادي الحالي.

ونشأ الاقتصاد الإسلامي كمفهوم وعلم في سبعينات القرن الماضي، حيث حاول مؤسسوه إثبات أن الإسلام يشتمل على مجالات الوجود الإنساني كافة، بما في ذلك الاقتصاد. ومن سمات التمويل الإسلامي خلوه من الأنشطة التجارية التي تدخل فيها المشروبات الكحولية والقمار واشتماله على دفع الزكاة. أما أبرز سمات التمويل الإسلامي ـ وهو أمر مثار جدل داخل العالم الإسلامي ـ فهو تحريمه للتعامل بالربا (الذي يُعرف أيضا بالفائدة)، مما يعكس مقاربتين اقتصاديتين متباينتين وتفسيرين مختلفين للقرآن الكريم نفسه.

ويقول النقاد إن مؤسسي الاقتصاد الإسلامي الأوائل كانوا إسلاميين لديهم اهتمام صريح بتأسيس قاعدة إسلامية صارمة تطبق على المجتمع وعلى الحكومات العلمانية، وتحل محل النموذج الاقتصادي الغربي، وتجهز العالم للهيمنة الإسلامية في النهاية. علاوة على ذلك، فإنهم يستشهدون بمواطن الضعف المؤسسية ويشيرون إلى أن تطبيق معايير التقارير المالية الضعيفة قد يسفر عن مجال أكبر أمام الأنشطة الإرهابية والإجرامية للحصول على تمويل.

ويمكن أن تمثل المفاهيم التي صاغها الإسلاميون للاقتصاد الإسلامي إشكالية بالنسبة إلى التمويل الأصغر. فالإقراض الأصغر ـ الذي أتاح الاستقلال الاقتصادي لما يزيد على 100 مليون من أشد الناس فقرا في العالم ـ يواجه تحديات في أجزاء من العالم الإسلامي. وعلى سبيل المثال، في بنغلاديش يوجد بعض القرى تقبل المساعدات التي تحتاج إليها حاجة ماسّة، في حين ترفضها قرى أخرى على أساس أنها غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من ذلك فإن الزعماء المسلمين ينظرون إلى البنوك في العالم الإسلامي على أنها أكثر مقاومة للانكماش الاقتصادي الحالي من البنوك التقليدية. وتعدّ ماليزيا مركزا إقليميا للنشاط الاقتصادي الإسلامي، وينوه رئيس وزرائها عبد الله أحمد بدوي إلى الحاجة إلى نظام بديل.

أما في دولة إندونيسيا المجاورة ـ وهي عضو بمجموعة العشرين وأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان ـ فنجد أن الرئيس سوسيلو بامبانغ يودويونو يهيب بالمصرفيين الإسلاميين إلى «القيام بعمل دعويّ في العالم الغربي»، مشيرا إلى أن الغرب لم يكُن قط أكثر تفتحا منه الآن.

إن الأصوات التي تدعو إلى توسيع المصرفية الإسلامية تعكس نموها على مدى الـ40 عاما الماضية. فمنذ أن فتحت المؤسسات المصرفية الإسلامية الأولى أبوابها في سبعينات القرن الماضي، توسعت حتى وصل عددها إلى 300 مؤسسة على الأقل في 75 دولة، تمتلك أصولا عالمية يقترب مجموعها من 300 مليار دولار، وذلك وفقا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2005. وفي عام 2006، تم تداول مبلغ تريليون دولار على نحو إسلامي، وهناك ما بين 50 و60 في المائة من مسلمي العالم البالغ عددهم 1,2 مليار نسمة من المتوقع أن يضعوا مدخراتهم في أيدي مؤسسة مالية إسلامية بحلول عام 2020. أما في خارج العالم الإسلامي، فإن توافر المنتجات المالية الإسلامية يواصل نموه، ولا سيما في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ويعزو تقرير صدر في عام 2006 عن معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام اتساع المصرفية الإسلامية خارج العالم الإسلامي إلى تدفق الثروة من المراكز المالية الخليجية مثل دبي.

ومن المتوقع أن تواصل الثروة الإسلامية نموها وتصبح متشابكة مع النظام الاقتصادي العالمي، كما سيكون الحال كذلك مع التمويل الإسلامي. أما السؤال الذي يطرح نفسه داخل العالم الإسلامي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة فهو ما إذا كان هذا متوافقا مع النظام المالي التقليدي أم لا. فإذا كان متوافقا معه، فما مزاياه؟ وإن لم يكن متوافقا معه، فما النتائج المترتبة على عدم التوافق؟ إن كيفية صياغة مفاهيم الاقتصاد الإسلامي من قِبل المعتدلين والإسلاميين في هذا المناخ المالي سوف تؤثر، لا ريب، في مستقبل الاستثمار والنشاط الاقتصادي في العالم الإسلامي.