أول مزرعة نعام في لبنان تنفض عنها غبار الحرب

تشجيع هذا النوع من النشاط من شأنه أن يخفف الحرمان في القرى النائية

تربية النعام مكلفة ولكنها مربحة («الشرق الاوسط»)
TT

قلة من اللبنانيين يعرفون أن لبنان كان، قبل عدوان يوليو (تموز) 2006، يصدر لحوم النعام إلى الدول العربية انطلاقاً من مزرعة في بلدة «معروب» الجنوبية، وهي المزرعة الأولى من نوعها، منذ العام 1996، والثانية التي أنشأها صاحب المزرعة محمد ياسين في المنطقة، بعدما أنشأ المزرعة الأولى في الكويت في العام 1992، لكن المزرعة اللبنانية توقفت عن التصدير بعد الكارثة التي حلت بها في عدوان تموز، فيما يعيد صاحبها تأهيلها لتأمين حاجة السوق المحلية بادئ الأمر، ومن ثم الانطلاق مجدداً بالإنتاج إلى العواصم العربية.

ويروي رئيس تجمع المزارعين في الجنوب رامز عسيران لـ «الشرق الأوسط» ما تعرضت له مزرعة «نعام الشرق الأوسط» والخطوات التي يقوم بها صاحبها من أجل إحيائها، فيقول: «نستطيع القول إن هذه المزرعة هي الأولى والوحيدة من نوعها في لبنان، وإن كان هناك بعض الأشخاص يتولون تربية بعض الرؤوس للاستفادة الشخصية. وبلغت المزرعة من التوسع قبل عدوان يوليو (تموز) 2006 ما سمح لها بتصدير كميات كبيرة إلى دول الخليج بصورة خاصة. ولكن العدوان جاء ليقضي على كل ما بناه صاحب المزرعة، بحيث تراجع الإنتاج بنسبة 85 في المائة بعد صيف 2006، بسبب نفوق الكثير من الرؤوس، أو تشردها في الحقول، وانقطاع العلف والماء عنها، وتأثر بعضها بغاز الفوسفور الناتج عن القذائف الإسرائيلية التي هطلت على الجنوب بالآلاف. وقدرت خسارة المزرعة بنحو 3 ملايين دولار، بصرف النظر عن الأرباح التي توقفت».

أما صاحب المزرعة محمد ياسين فيقول بدوره، لـ «الشرق الأوسط»: «كانت لدينا 1200 أم بيّاضة، فلم يتبقَ لدينا بعد الحرب سوى 300، ويكاد إنتاجنا السنوي لا يتجاوز الآن 1500 نعامة، بينما كان هذا الإنتاج قبل عدوان يوليو (تموز) نحو 10 آلاف، مع الإشارة إلى أن قسماً من الفراخ بات يولد مشوهاً نتيجة ما خلفته الاعتداءات الإسرائيلية من تلوث للهواء والتربة والنبات».

ويأسف ياسين لعدم شموله بالتعويضات، وإقدامه شخصياً على اقتراض نحو 300 مليون ليرة عبر مؤسسة «كفالات» لتأمين التجهيزات اللازمة، في حين أن التوسع في الإنتاج أو العودة إلى الإنتاج السابق يتطلب استثمارات كبيرة لم تعد في متناول القيمين على المزرعة، أو هم ليسوا في وارد «المغامرة» مرة أخرى «بالصولد»، علماً بأن دورة التربية للنعام تحتاج سنة كاملة، الأمر الذي يحول دون اكتفاء المؤسسة بالتمويل الذاتي.

ويتطرق ياسين إلى حياة النعامة، فيشير إلى أن النعامة الواحدة تبيض مرتين في السنة، وبمعدل 60 بيضة. بعضها يباع للأكل بسعر 15 دولاراً للبيضة الواحدة، والبعض الآخر يباع للتفقيس بسعر 50 دولاراً للبيضة الواحدة الملقحة. والبعض الآخر يتم الاحتفاظ به في المزرعة حتى التفقيس، علماً بأن صاحب المزرعة كان يستورد البيض من نيوزيلندا أو أستراليا، أو جنوب أفريقيا. وتباع الفراخ بسعر 75 دولاراً للواحد. وفي غضون سنة يبلغ وزن النعامة نحو 100 كيلوغرام ترسل عندها إلى المسلخ الذي يملك ياسين واحداً في ضاحية بيروت الجنوبية. ويباع اللحم بنحو 25 ألف ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد، فيما يباع الجلد بما بين 100 و300 دولار، وحتى الريش يمكن أن يصل سعر الكيلوغرام منه إلى 300 دولار، أما الدهون التي تحول إلى «زيوت» فتباع القارورة الواحدة بنحو 15 دولاراً.

ويستغرب ياسين عدم اهتمام الدولة بتشجيع هذا النشاط المربح أكثر من غيره، سواء على صعيد التسويق المحلي أو على صعيد التصدير. وفي هذا المجال يقول الطبيب البيطري المشرف على المزرعة وسام قبيسي: «إن نسبة تحول العلف إلى لحم هو نصف كيلوغرام للنعامة الواحدة، مقابل 8/1 للبقرة. وهذا يعني أن النعامة يزيد وزنها كيلوغراماً لكل كيلوغرامين من العلف الذي تلتهمه، في حين أن البقرة تحتاج لثمانية كيلوغرامات، ويضاف إلى مردودية النعام تميزه بمنتجات مشتقة يعتبر الطلب الصناعي عليها عالياً وكذلك الطلب الخارجي من دون أن ننسى أن وزن البيضة هو بين كيلوغرام و1.5 كيلوغرام، وهذا ما يبرر ارتفاع سعرها».

ويجمع القيمون على المزرعة على أن تشجيع هذا النوع من النشاط من شأنه أن يخفف الحرمان في القرى النائية ويضمن بقاء أبنائهم في أرضهم والعيش بكرامة وكفاية.