«الشرايين المفتوحة» في سطور

TT

هو من أبرز ما كتبه صحافي وكاتب وروائي من أورغواي وهو ادواردو غاليانو، الذي بدأ حياته المهنية صحافيا في صحيفة «Marcha» في أوائل الستينات من القرن الماضي، وأثرت فيه بشدة الانقلابات العسكرية الدموية التي شهدتها أميركا اللاتينية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، وخاصة الانقلاب العسكري الدموي في الأرجنتين عام 1976، الذي أطاح فيه جورج رافائيل فيديلا بحاكمة الأرجنتين إيزابيل مارتينز دي بارون، حيث كان سببا رئيسيا لإلهام غاليانو لتأليف وكتابة ثلاثيته الشهيرة «ذاكرة النار». ويصف الكثيرون أعماله بأنها «تعتمد على تحليل تناقضات الشرط الإنساني، التي لا غني عنها من أجل توعية الضمير الإنساني»، وتحاول «إنقاذ الذاكرة القديمة لشعوب أميركا اللاتينية ولبناء مجتمع يقوم على الحقيقة والتضامن والعدالة».

ويرصد الكتاب الذي نشر لأول مرة عام 1971 الصراعات السياسية والايديولوجية التي تعصف بقارة أميركا اللاتينية، وحوادث النهب المنظم على يد قوى الاستعمار الأوروبية والأميركية التي تعرضت لها قارة أميركا اللاتينية منذ العصور الوسطي وحتى القرن التاسع عشر، مما جعل القارة الغنية بالإمكانات تتحول إلى قارة فقيرة تعاني صراعات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا حصر لها.

ويتكون كتاب «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» من جزأين، الأول هو «الرجل الفقير» كنتيجة للاستيلاء على ثروة الأرض، والثاني هو «التنمية أكثر رحلة بحارة السفن الغارقة»، فضلا عن مقدمة بعنوان «مائة وعشرين مليون طفل في مهب العاصفة»، وخاتمة بعنوان«بعد سبع سنوات» التي كتبها غاليانو لأول مرة بعد مرور 7 سنوات على إصدار الطبعة الأولى من كتابه، وتوصل فيها إلى أن شؤون أميركا اللاتينية بعيدة كل البعد عن التحسن بل إنها تزداد سوء بمرور الوقت.

كما لفت غاليانو الانتباه إلى أن الاحتجاج على السياسات الأميركية أو الغضب منها في أميركا اللاتينية يتصاعد كلما اتجهنا شمالا، أي كلما اقتربنا من أميركا، فمثلا كوبا، وهي الأقرب، هي الدولة الأشد غضباً بسبب سياسة العزلة التي تتبعها واشنطن معها، والمكسيك وهي الأكثر توتراً وقلقاً على المستوى الشعبي بسبب مشكلات الهجرة والإغراق السلعي وإجراءات الحرب ضد الإرهاب وضغوطها الشديدة عليها.

ودائما ما يتخذ غاليانو موقفا منتقدا ومتشددا من غطرسة القوى الأميركية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، فنذكر مثلا: أنه عقب اتخاذ أميركا قرار الحرب على العراق في أبريل (نيسان) 2003، اندلعت مظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق على مستوى العالم، ومنها ما شهدته مونتفيديو عاصمة أورغواي، حيث احتشد عشرات الآلاف من الناس للتنديد بمشروع الحرب الأميركية على العراق، وانتهت المظاهرات بقراءة بيان للكاتب الشهير ادواردو غاليانو وتمت قراءة نفس البيان في جميع عواصم أميركا اللاتينية.

وقال بيان غاليانو «لقد تعبت الإنسانية من البكاء على قتلاها في نهاية كل حرب. وإذا كان الرئيس الأميركي بوش يحب الإنسانية كثيرا.. ويريد فعلا أن يقضي علي أخطر تهديد تعاني منه الإنسانية.. فلماذا لا يعمد إلى قصف نفسه بدلا من التخطيط لعملية إبادة جديدة لشعوب بريئة؟ (..) إن رئيس العالم يعلن عن جريمته المقبلة باسم الله والديمقراطية، وبذلك يفتري على الله، ويفتري أيضا على الديمقراطية التي حافظت بصعوبة على بقائها رغم الديكتاتوريات التي ظلت الولايات المتحدة تزرعها في كل مكان طوال أكثر من قرن». ويبدو أن انتخاب الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما عكس شيئا من الأمل والتحفظ لدى غاليانو، حيث قال خلال مقابلة تلفزيونية معه عشية انتخاب باراك أوباما كرئيس جديد للولايات المتحدة «إن البيت الأبيض سيكون بيت باراك أوباما خلال الفترة المقبلة، ولكن هذا البيت الأبيض بني على جثث العبيد الزنوج، وأتمنى وآمل أن لا ينسى أوباما هذه الحقيقة».

وجدير بالذكر أن كتاب «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» استشهد به الرئيس البوليفي الحالي إيفو موراليس في خطابه الافتتاحي لاجتماع قمة زعماء أميركا اللاتينية في مدينة كوتشابامبا ببوليفيا في ديسمبر (كانون الأول) 2006، حين دعا زعماء القمة إلى القسم جميعا على إغلاق «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» مستعيراً بذلك عنوان كتاب غاليانو.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»