لندن على موعد مع مهرجان «خفف الوطء».. لمدة 10 أيام

للاستمتاع بالمشي البطيء.. ومن لا يلتزم يعطى «مخالفة سرعة»

سرعة الحياة في المجتمعات الغربية تشاهدها في كل مكان خصوصا في المحطات المزدحمة والقطارات (تصوير: حاتم عويضة)
TT

لكل فعل رد فعل. عندما انتشرت التلفزيونات بشكل كبير ظن البعض أنها ستكون وسيلة التسلية الوحيدة وستقضي على الحياة الاجتماعية خارج البيت. وعندما انتشرت محلات بيع أفلام الفيديو قالوا إن هذا سوف يكون الضربة القاضية لدور السينما. وقيل إن الإنترنت سيقضي على كل شيء خصوصا الكتاب. كل هذا لم يحدث. فهناك إقبال غير عادي على دور السينما، ومبيعات الكتب، خصوصا الروائية، التي ما زالت في صحة جيدة. هذا يبين أن المجتمعات تتكييف باستمرار مع التغييرات، تستوعب ما هو جديد، لكنها تخلق نقيضه في نفس الوقت. سرعة الحياة في المجتمعات الغربية تشاهدها في كل مكان خصوصا في القطارات المزدحمة والمحطات، وترى الناس في ساعات الذروة في الصباح يتراكضون لاستقلال باصاتهم وقطاراتهم التي تأخذهم إلى أماكن عملهم، وتراهم يكررون العملية عكسيا في المساء للوصول إلى البيت. يوم عملهم الشاق، الذي يبدأ في الصباح الباكر مع إيصال الأطفال إلى المدرسة، يصبح حديث الساعة مع الأصدقاء على موائد العشاء خلال عطلة نهاية الأسبوع. كل هذا وما يسببه من ضغوط نفسية وإرهاق للشخص أعطى مجموعة من النشطاء، وبدعم من بعض المؤسسات الثقافية المرموقة مثل المتحف البريطاني ومؤسسات مدنية أخرى، سببا كافيا لتأسيس منظمة «تحرك بتأني» (سلو داون). ويحاول هؤلاء ابتداء من يوم 24 أبريل (نيسان) الحالي ولمدة عشرة أيام توعية الناس بأهمية الحركة البطيئة والتأني في المشي في شوارع لندن، كما سيقوم هؤلاء النشطاء بتحرير مخالفات المشي السريع (مثل التي تعطى لأصحاب السيارات عندما يتعدون السرعة المسموح بها في الشوارع). وسيتخلل الحملة تنظيم المشي على ضفتي نهر التايمز وحصص للتأمل وورشات حول إدارة الوقت، وتوعية الناس بكيفية «العيش مع الوقت الحقيقي». وإذا نجحت التجربة في لندن، فسوف يتم تعميمها في مدن بريطانية أخرى، وسيتم تنظيم حملات توعوية بأهمية هذا السلوك خلال طيلة العام. وقالت تيسا ووات، التي نظمت الحملة مع بعض الأصدقاء الذين «سئموا تكاليف الحياة» ويريدون توازنا في حياتهم، لصحيفة «التايمز»: هناك شعور في مدن مثل لندن أننا نتراكض مثل أرانب مجنونة في حظيرة. نغضب كثيرا من الناس الذين يقفون معترضين طريقنا على جانبي الشارع، ونشعر في حاجة لأن ندفع جانبا الناس الذين لا يخرجون بطاقات القطار لدخول حواجز المحطات بالسرعة التي نريدها. أعتقد أن الأمر زاد عن حده وأصبحت الحياة لا تطاق».

وأضافت أن المهرجان، الذي يتمتع بدعم بعض المؤسسات الثقافية مثل المتحف البريطاني ومركز جنوب النهر للفنون، يقدم العديد من النشاطات التي تهدف إلى تحسين حياة الناس و«تعلمهم كيف ينجزون الأشياء بأفضل وجه لا بأسرع طريقة». ومن النشاطات المزمع تنظيمها هو المشي على جسر «وترلو» بوسط لندن. وقد خصصت ساعة كاملة للمشي بين ضفتيه، من وسط لندن شمالا باتجاه المحطة التي تحمل اسمه على الضفة الجنوبية، وهذا المشوار لا يستغرق عادة أكثر من دقيقتين. وخلال هذا النشاط سيحرر المنظمون مخالفات المشي السريع لأصحاب الخطوات السريعة. وأضافت ووات أننا نحاول من خلال هذه التجربة توعية الناس بأخذ قسط من الراحة في حياتهم اليومية والعملية، «نريدهم تناول وجبة الغداء في الهواء الطلق لا على المكتب؛ لأن ذلك يساعد في تخفيف الضغط عنهم وتعودهم على إيجاد الوقت الكافي بين المواعيد دون اللجوء إلى السرعة».

مفهوم «التأني في الحياة» بدأ في التسعينات من القرن الماضي في بعض المدن الإيطالية، بسبب خوف الناس من أن وتيرة الحياة العصرية بدأت تغير من الطرق التقليدية في الحياة لشعوب البحر الأبيض المتوسط. وهذا التوجه الجديد انتشر في بعض المدن الأوروبية وعكس نفسه بأشكال مختلفة، مثل تناول الطعام ببطء. وتقدم عدد من المدن البريطانية بطلب الاشتراك في هذه الحملة، وهذا يتطلب من أي مدينة أن يكون عدد سكانها لا يقل عن 50 ألف نسمة. وقالت ووات فكرة الناس في التمهل في أعمالهم اليومية مربوطة في الحياة بالمناطق الريفية. «نريد أن نثبت أنه يمكنهم ممارسة ذلك في المدن الكبرى أيضا».

يذكر أن لوكا دي جيسو الذي كان يعمل خبازا في التمورة في جنوب إيطاليا أصبح بطلا في المنطقة بعد أن تحدى محلات ماكدونالدز قبل ثمانية سنوات. عندما قررت مطاعم الوجبات السريعة افتتاح محل لها في المدينة، قرر آنذاك افتتاح مخبز إلى جانب مطعم ماكدونالدز يبيع المعجنات الإيطالية المحلية الساخنة مما أجبر ماكدونالدز على إغلاق المطعم بسبب الخسارة. لوكا دي جيسو اشتهر عالميا بعد أن تم تصوير فيلم اسمه «فوكاشيا بلوز» (الفوكاشيا هو نوع من أنواع الخبز الإيطالي) عن حياته. وقال كارلو بيتريني، الذي يقف وراء حملة «الأكل البطيء» التي تأسست عام 1986 كردة فعل على وصول مطاعم الوجبات السريعة إلى روما أن الأكل مثله مثل الحياة يجب الاستمتاع به ببطء. وبدأ بيتريني حملته من أجل الحفاظ على التقاليد الإيطالية القديمة، مثل تناول وجبة الغداء ببطء في مكان مريح وليس السندوتشات على المكتب. «لقد أصبحنا عبيدا للحياة العصرية، من خلال فيروس السرعة، الذي غزا خصوصية بيوتنا، وأجبرنا على تناول الوجبات السريعة».

بعد حملة الأكل البطيء عام 1989 انتشرت حمى المشي السريع وتطور ذلك إلى «المدينة البطيئة» قبل عشرة أعوام، وأصبح يطلق عليها اسم «المدينة البطيئة» في دول أوروبية مختلفة. وبالنسبة للنشطاء فإن الأكل السريع يجب أن يكون جزء من ثقافة كاملة تتضمن المدن الخالية من السيارات وتكثر فيها استخدام الدراجات الهوائية وغيرها من النشاطات الصديقة للبيئة. وبعد أول مدينة في مقاطعة تاسكاني في إيطاليا أصبح هناك 42 مدينة في إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال والنمسا وبولندا والنرويج.

وعندما تتقدم مدينة بطلب الانضمام للحركة يقوم النشطاء بالتأكد من بعض العوامل قبل منحها شعار الحلزون، الذي يرمز إلى البطء.