مراكز التسوق في جدة تقترب من ملامسة الرقم 80.. والأسواق الشعبية تنحسر

الأمانة: خطوتنا تستهدف الأسواق الشعبية التي تفتقد اشتراطات السلامة * خبير عقاري: تحويل «الشعبية» إلى «حديثة» ينعكس على التطوير العمراني بشروط

أحد المجمعات التجارية في السعودية التي تضم وسطها ناديا رياضيا للشباب («الشرق الأوسط»)
TT

اقتربت أعداد الأسواق التجارية الكبرى في جدة من ملامسة الرقم 80 وسط تراجع في أعداد الأسواق الشعبية التي بدأت تنحسر بسبب إزالتها وإحلال مراكز تجارية في مكانها. وفي وقت تجاوزت فيه أعداد الأسواق الشعبية نحو 70 سوقا مطلع العام سجلت تزايدا كبيرا للأسواق الموجودة تحت الانشاء وسط اعتراضات من السكان بإزالة الأسواق الشعبية وإحلال المولات مكانها مؤكدين أن هذه الأسواق أفضل بالنسبة اليهم. أسهم النقد اتجهت صوب أمانة جدة التي تقود عمليات تحويل الأسواق الشعبية إلى مولات والتي كان آخرها سوقا السوريين وطيبة، اللذان شهدا بعد تحويلهما إلى مراكز تجارية ارتفاعا كبيرا في الأسعار باعتراف أصحاب المحلات.

يقول أحد بائعي العطور في مركز المرجان الذي كان سوقا شعبيا في السابق «فضّل عدم ذكر اسمه« إن مبيعات المعرض بدأت في التحسن قليلا، غير أن أرباحهم تعد قليلة مقارنة بما كانوا يجنونه حينما كان المركز سوقا شعبيا». ويقول «من الطبيعي أن ترتفع أسعار العطور لدينا تبعا لغلاء إيجارات المعارض التي تزيد عن 70 ألف ريال، إلا أن معظم تلك الزيادة في الأسعار عادة ما تكون ناتجة من شركات العطور العالمية نفسها، والتي ليس لنا دخل بها». مشيرا إلى أن بعض أنواع العطور الجديدة شهدت ارتفاعا بمعدل تجاوز الضعف. بينما أكدت عبير عبد الوهاب وهي إحدى مرتادات السوق على أن هناك بعض محلات الملابس ما زالت محتفظة بأسعارها القديمة، التي تتراوح ما بين 20 إلى 50 ريالا على القطعة الواحدة، غير أن تلك المحلات زادت من نوعيات بضائعها، مما أسهم في زيادة الإقبال عليها بشكل لافت. كما يرى أبو عبد الرحمن السالم أن إزالة الأسواق الشعبية يضر بمن هم من ذوي الدخل المحدود، لا سيما أن مستوى معيشة الكثير من العائلات تأثر نتيجة ما حدث في الاقتصاد من مشاكل، ويقول «ليس كل فرد قادر على التسوق في المراكز التجارية الكبيرة، إضافة إلى أن الكثير من المحلات الصغيرة تبيع السلع نفسها بأسعار مناسبة، في حين توجد تلك السلع داخل محلات كبيرة بأسعار مضاعفة». وأكد الدكتور سالم باعجاجة الخبير الاقتصادي على أن تحويل الأسواق الشعبية إلى مراكز تجارية يحتاج إلى تكاتف أصحاب المصالح بشكل يضمن إنشاء مول تجاري كبير تدمج فيه رؤوس أموال المحلات الشعبية بهدف الانعكاس الإيجابي على اقتصاد الدولة. وقال في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن تلك المراكز التجارية ستحتوي على جميع احتياجات العملاء، إضافة إلى تحقيق أصحابها لأرباح كبيرة، في ظل استفادة المستهلكين من التخفيضات التي تطلقها هذه المراكز بهدف جذب أكبر عدد ممكن من العملاء، لافتا إلى أن الأسر محدودة الدخل تستطيع استغلال تلك التخفيضات بشكل جيد ـ على حد قوله. وأضاف إن كثرة المراكز التجارية أثرت على حركة البيع والشراء لدى المحلات الصغيرة، الأمر الذي قلل من إقبال الناس على مثل تلك الأسواق الشعبية بشكل ساعد في انخفاض مردودها المادي. فيما أفاد خالد الجار الله الباحث في التطوير العقاري لـ« الشرق الأوسط»: «أن تحويل الأسواق الشعبية إلى مولات من شأنه أن ينعكس على التطوير العمراني إيجابيا شريطة أن تحاكي حاجة واحتياجات الناس، إضافة إلى ضرورة ابتعادها عن التكرار في المنطقة الواحدة. وقال لـ«الشرق الأوسط» شهدت مناطق عدة في مدينة جدة ظاهرة ركوب الموجة والتي تتمثل في التقليد والابتعاد عن تنوع الأنشطة، إذ لابد من تحديث وسائل الجذب لأفراد الأسرة بالكامل كي لا تواجه تلك المراكز مشكلة انحسار مرتاديها لتسهم بعد ذلك في أزمة تسويق المنتجات والأنشطة، ما يؤثر على اقتصاد الدولة بشكل سلبي. وأوضح أن ضريبة إحلال المراكز التجارية محل الأسواق الشعبية ستدفعها الشريحة التي تستهدفها تلك الأسواق والمتمثلة في محدودي ومتوسطي الدخل، لا سيما أن ارتفاع أسعار إيجارات المحلات والخدمات سيصاحبه ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات. وأشار خالد الجار الله إلى أن الأسواق الشعبية عادة ما تكون في وسط البلد والذي يعد الخيار الأمثل في المدن، غير أنه أصبح يصنف من ضمن الأحياء العشوائية التي تضم بؤرا غير صالحة. وأضاف «تعتبر العشوائية عدو التنمية، إذ لابد من تنظيم الأحياء الواقعة في وسط البلد والأخذ بعين الاعتبار إقامة مجمعات سكنية وتجارية ومكاتب إدارية ومرافق وخدمات باعتبارها واجهة البلد وتمثل التاريخ مع الإبقاء على هوية المدينة من خلال إحياء بعض المواقع والأحياء التاريخية». وبيّن الدكتور طارق فدعق عضو مجلس الشورى ورئيس المجلس البلدي في جدة «أن الأسواق الشعبية تتميز برونق خاص وطابع مميز لا ينبغي تحويلها إلى مراكز تجارية، إلا أنها تحتاج لإعادة تطوير من الناحية التنظيمية والترتيب والنظافة ونوعية أدوات البناء المستخدمة والتبريد». وقال ليس بالضرورة استخدام التبريد الميكانيكي، إذ من الممكن اللجوء إلى التظليل والنباتات والمياه واختلافات الضغط في المكان الواحد والتي ينتج عنها تيارات هوائية، وذلك بهدف تطويرها بطريقة صحية وحضارية مع الاحتفاظ برونقها التاريخي. وأكد على أن إنشاء المركز التجاري له ضوابط من ناحية سهولة الوصول إليه والمداخل والخارج ومواقف السيارات، مضيفا أن تلك المولات لابد أن تكون على استعداد تام لاستقبال المتسوقين من خلال اعتبارات الحركة للوصول إليها أو التحرك بداخلها. ولفت عضو مجلس الشورى إلى أن خطوة تحويل الأسواق الشعبية لن تقضي على العمالة المخالفة بداخلها، خصوصا أن هناك بعض المراكز التجارية النظامية ما زالت تتعامل مع تلك الفئة من العمالة، غير أن وجودها في الأسواق المفتوحة يعد أسهل، منوّها إلى أن الأسواق الشعبية من شأنها أن تكون أروع ما يمكن إذا وجدت الرقابة والضوابط والمعايير العمرانية السليمة بها. وبالعودة لخالد الجار الله الباحث في التطوير العقاري، شدد على أهمية وجود المراكز التجارية في مواقع الكثافة السكانية العالية لتخدمها، إضافة إلى ضرورة ابتعادها عن أي مراكز مشابهة لها. وأضاف، عادة ما يكون التفكير في تخطيط المولات محدودا جدا فيما يتعلق بتوفير مواقف السيارات، الأمر الذي يسبب إزعاجا للسكان المجاورين وإرباكاً للحركة المرورية في الشوارع المحيطة بها، مطالبا بضرورة مراعاة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة عند تخطيط المراكز التجارية في المواقف ودورات المياه والممرات وبوابات الدخول والخروج. من جهته شدد المهندس سامي نوار مدير عام الثقافة والسياحة في أمانة محافظة جدة على رفضه التام لتحويل الأسواق الشعبية إلى مراكز تجارية باعتبارها جزءاً من تراث المدينة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن ما تم إزالته من أسواق كانت ملكا للأمانة أو أملاكا خاصة، والتي عادة ما تكون في مواقع استثمارية، غير أن الأسواق الشعبية التراثية ما زالت موجودة حتى الآن وسيتم الحفاظ عليها، خصوصا أنها تعتبر مناطق تاريخية، مؤكدا أن ذوي الدخل المتوسط لن يتأثروا بإزالة عدد محدود جدا من الأسواق الشعبية في ظل وجود غيرها. بينما أشار المهندس خالد عقيل وكيل الأمين للخدمات ووكيل الأمين للمشاريع والتعمير في أمانة محافظة جدة إلى أن الخطوة التي تقوم بها الأمانة تستهدف الأسواق الشعبية والقديمة التي تفتقد اشتراطات السلامة كونها تشكل خطورة على مرتاديها. وضرب مثالا على ذلك ما حدث في سوق السوريين الذي تقدم الدفاع المدني برفع تقرير عنه لافتقاده تلك الاشتراطات، وأضاف، إن بعض الأسواق عند إنشائها كانت تمثل أسواقاً لفترات محددة غير أنها استمرت، لافتا إلى أنه لا توجد أعداد محددة لتلك الأسواق التي ستشملها الإزالة.