منظر الجهاد المصري: إخوان غزة حرموا أهلها من الحج لرد الجميل إلى إيران

الدكتور فضل: الإخوان في مصر يجاملون إخوان غزة على حساب الفقراء

فلسطينيون عند معبر رفح في موسم الحج الماضي (أ. ف.ب)
TT

يتنقل الدكتور فضل بين الأمور الشرعية المرتبطة بقضيته الرئيسية «غزة وقميصها» ورافعي لوائها، وحملة التخوينات والتكفيرات المجهزة والتي تحمل شعار «صنع في طهران». وفي حلقة اليوم يتناول في خواطره أموراً فقهية ملتبسة على الكثير من عامة المسلمين، ويبدأ بخاطرته الثامنة، «مَحَلّية الصدقات وقميص غزة».. يقول الدكتور فضل في كتابه:

«مع قرب حلول عيد الأضحى الماضي، الذي وافق 8 ديسمبر (كانون الأول) 2008، ظهرت إعلانات في وسائل الإعلام المصرية تدعو للتبرع بالأضاحي لصالح أهل غزة، وبأسعار مُبالغ فيها، وتم جمع مبالغ طائلة لهذا الغرض، وهنا عدة ملاحظات:

أولاً: محلية الصدقات: حدّد الله سبحانه لمن تعطى الصدقات، وحدد رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أين تعطى الصدقات، وذلك لحكمة بالغة تأتي الإشارة إليها إن شاء الله.

أما لمن تعطى الصدقات؟ ففي مصارف الزكاة الثمانية التي ذكرها الله في قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ...» إلى آخر الآية (التوبة60).

وأما أين تعطى؟ فلفقراء المكان الذي جُمعت منه الصدقات، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم) الحديث رواه البخاري (1496). ولهذا لا يجوز نقل الصدقات من مكان إلى آخر إلا بعد كفاية فقراء المكان الذي جُمعت منه الزكاة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (فتُرد على فقرائهم). ولهذا فقد قال بعض الفقهاء بتحريم نقل الصدقة من مكانها إلى غيره، ومنهم من أجاز نقل ما زاد على حاجة فقراء مكان جمعها. أما من أجاز نقلها بلا شروط أو لأن أهل المكان البعيد أحوج، فلا حجة معه، بل قوله مخالف للنصوص. وقد بيّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولويات التصدق في قوله (ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فِلذِي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) يقول (فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) رواه مسلم (2329). وعندما تصدّق أبو طلحة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ بحديقته (بَيْرحاء) كلها، أمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقسمها بين أقاربه، الحديث رواه البخاري (4554).

فلا يجوز نقل صدقات المصريين إلى غزة أو غيرها إلا بعد سد حاجة فقراء مصر، ولا يجوز دفع الصدقات أو الزكاة أو ثمن الأضاحي لمن أعلن أنه سينقلها إلى غزة. حتى وإن أفتى المفتي بجواز ذلك، ففتواه مردودة بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (فترد على فقرائهم). وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ) رواه مسلم، ومعنى (ردّ) أي مردود.

وفي الأيام نفسها التي أعلنوا فيها عن جمع ثمن أضاحي لغزة، قرأت في الصحف أن بعض الفقراء نصيبه من اللحم: بعض العظام يشتريها من الجزار لعله يجد فيها بقايا لحم. فكيف لا تقسّم أضاحي المصريين على هؤلاء وهم أحق بها.

إن سد الأغنياء حاجة فقراء المكان هو في مصلحة الأغنياء قبل الفقراء، لأن الفقير إذا رأى أن الغني قد شعر بحاجته وأحسن إليه فلن يحسده ولن يسرقه، وهذا يقلل جرائم السرقة والقتل بدافع السرقة، وبهذا يشيع الأمن بين الناس وتقل الجرائم وتتحقق مصالح اجتماعية مهمة. وهذا من حكمة التشريع في محلية الصدقات.

ثانيًا: ظلم فقراء مصر، واستغفال المصريين بقميص غزة: حقيقة ما حدث في موضوع نقل أضاحي المصريين وغيرها من التبرعات والأدوية إلى غزة: هو أن الإخوان المسلمين في مصر، وهم القائمون بذلك، يجاملون الإخوان المسلمين في غزة (حماس)، ويحلّون لهم مشاكلهم على حساب فقراء مصر. وتترّسوا في ذلك بفتوى المفتي، وهي مردودة، وبهذا يكسب إخوان مصر الشعبية، وتكسب حماس شعبية في غزة، على حساب ظلم فقراء مصر بحرمانهم من أضاحي وصدقات المصريين، كما تم استغفال أغنياء مصر بجمع أموالهم وإنفاقها في غير المكان الذي حدده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (فتُرد على فقرائهم)، وتم هذا كله بقميص غزة.

ثالثًا: الفقر في مصر أشد منه في فلسطين: حتى على قول من قال من الفقهاء بجواز نقل الصدقة إلى المكان البعيد إذا كان أهله أكثر فقرًا وحاجة، فإن فقراء مصر هم أيضاً الأوْلى بالصدقات، إذ إن الثابت بالإحصاءات أن متوسط دخل الفرد الفلسطيني أكبر من المصري، والثابت أيضاً حدوث حالات انتحار فردي وجماعي في مصر بسبب الفقر، وسقوط قتلى في طوابير الحصول على الخبز في مصر، وفقراء مصر يبيعون أعضاء أجسادهم بسبب الحاجة، ولا يجوز مطالبة المحرومين بالإيثار ولا فرضه عليهم.

فلا يجوز نقل اللحوم ولا الدقيق ولا الدواء من مصر إلى غيرها إلا بعد سد حاجة فقراء مصر، هذا حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (فترد على فقرائهم) خاصة مع تعدد مصادر الدعم المقدم للفلسطينيين من مختلف دول العالم، وخاصة من الاتحاد الأوروبي.

فقراء مصر هم الأقربون وهم أولى بالمعروف، وما يحتاجه البيت يُحرم على الجامع، ولكن الجميع قد تم إسكاتهم وخداعهم بقميص غزة.

كلهم يأكلون بقميص فلسطين، وشعب مصر يجوع من أجل فلسطين.

والمسؤول عن غزة وإفقارها هم حكام غزة (حماس)، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه، ولكنهم حطموا رعيتهم بمغامراتهم وسوء سياستهم وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إن شرّ الرِعاء الحطمة) رواه مسلم، وهو الراعي الذي يحطّم رعيته.

رابعًا: حماس ترد التحية بأحسن منها: أرسل إخوان مصر أضاحي المصريين إلى إخوان غزة (حماس)، وكان عيد الأضحى في 8 ديسمبر (كانون الأول)2008 ، فلم يمضِ أسبوع إلا وقد ردت حماس التحية بأحسن منها، فقامت بعقد مؤتمر جماهيري في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2008 أعلنت فيه تجديد البيعة والولاء للإخوان المسلمين، وكعادتهم في تقديم الأكبر سنًا من أعضاء الإخوان فقد (نهض عبد الفتاح دخان إلى منصة الخطابة ورفع قبضة يده اليمنى عاليًا فرفع الحضور ـ 200 ألف يتقدمهم قادة حماس ـ أيديهم اليمنى، وانطلق بصوت جهوري يردد، وردد وراءه الحاضرون «أعاهد الله أن أخلص لدعوة الإخوان المسلمين، والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة» (من صحيفة «الشرق الأوسط» 25 ديسمبر (كانون الأول) 2008 ص15).

وهذا يعني باختصار: أن من يريد شيئًا من حماس فليتكلم مع قيادة الإخوان في مصر، وبهذا تكتسب هذه القيادة الشرعية التي تبحث عنها وتفرض شروطها في المقايضة.

وبهذا تكون حماس قد ردت التحية لأمها (جماعة الإخوان المسلمين) بأحسن منها، ولكم الله يا فقراء مصر، فقد استولى الإخوان على الأضاحي التي هي من حقكم في شرع الله بقميص غزة وجاملوا بها أصحابهم في غزة.

الخاطرة التاسعة: الإخوان المسلمون يمنعون المسلمين من الحج وتعجيل الله عقوبته على ذلك:

تكلمت في غير مقالتي هذه كيف أن تنظيم «القاعدة» لما سيطر على بعض مناطق العراق لفترة: أقام المذابح والسجون والتعذيب للأهالي، وخطفوهم وفرضوا عليهم فديات باهظة لإطلاقهم، وفرضوا عليهم الإتاوات، وقتلوهم للشبهة، وهذا نموذج لما يمكن أن تكون عليه دولة «القاعدة» إذا تمكنت في مكان.

أما الإخوان المسلمون: فإخوان مصر حرموا فقراء مصر من الأضاحي ليجاملوا أصحابهم في غزة، وإخوان غزة حرموا مسلمي غزة من الحج لأغراض سياسية، وهذا نموذج للتلاعب بأحكام الدين من أجل المصالح الشخصية والسياسية من المتحدثين عن الإسلام، والحج فريضة وركن من أركان الإسلام. وإذا صارت لهؤلاء دولة فلن تكون إسلامية، وقد رأيتم ما فعلوا وما فعلته «القاعدة» في العراق.

فلماذا منعت حماس الحجاج من الخروج من غزة للحج؟ إليك الخبر (بالنسبة لفريضة الحج حاولت حماس الحصول على شيء من الشرعية من جانب مصر ومن جانب المملكة (السعودية) من طريق إرسال الحجاج ببطاقات منها دونما جوازات من السلطة الفلسطينية، وكان المراد بذلك: الحصول على الاعتراف وإحراج مصر والسعودية، وسارعت السلطة الفلسطينية (أبو مازن) للاعتراف بكل حجاج حماس، وهيأت للمساعدة على استقبالهم من الجهة المصرية، لكن حماس كان قد استجد لديها هدف آخر يتمثل في مهاجمة مصر والسعودية... وبدوافع ما عادت خافية على أحد: وتنحصر تلك الأهداف في الاستجابة لإيران وتنفيذ أوامرها بعرقلة مفاوضات الوحدة بين الفلسطينيين... عطلت الحج لأسباب سياسية بحتة تتعلق بِرَدّ الجميل لإيران التي دعمتها ولا تزال تدعمها لتمكينها من الاستمرار في تقسيم الفلسطينيين أرضًا وشعبًا).. (من مقال رضوان السيد في «الشرق الأوسط» 19 ديسمبر (كانون الأول) 2008 ص15) وبهذا صارت فريضة الله (الحج) لعبة وورقة سياسية عند الإخوان المسلمين (حماس) للتمسك بالسلطة ولتصفية حسابات سياسية. ولم ينكر عليهم هذا التصرف لا قادة الإخوان في مصر ولا قادة حماس في دمشق ولا مرشد الثورة في إيران ولو بتوجيه نداء لحماس لإطلاق الحجاج المحصورين عندها، كلهم سكتوا وتواطؤوا على الباطل. فلا مبالاة عندهم لا بالرب ولا بالشعب في سبيل السلطة.

قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (الحج25) فلما صدّت حماس الحجاج عن المسجد الحرام والوصول إليه لم يمهلها الله وعاجلها بالعقوبة قبل خروج شهر ذي الحجة، فصب عليهم غضبه في يوم السبت 29 ذو الحجة 1429هـ/27 ديسمبر 2008). قال الله تعالى: « فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ...» (الزخرف55)، فسلّط الله عليهم إسرائيل تقتلهم بلا هوادة، قال تعالى: «...وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ...» (النساء90)، وقال تعالى: « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى» (النازعات26).

الخاطرة العاشرة:

إيران وقميص غزة: ماذا قدمت إيران لفلسطين؟ الشعارات والكلام وبعض الأموال وتقسيم شمل الفلسطينيين، لقد كانت سيرة إيران دائمًا هي الإضرار بفلسطين، ومنذ أيام حكم شاه إيران ـ قبل ثورة الخميني في 1979 ـ الذي كان حليفًا لأميركا وإسرائيل، وكان الشاه كلما توترت الأوضاع بين إسرائيل ودول الطوق العربي (مصر وسورية والأردن) أو وقعت حرب، كان الشاه يحرك جيشه نحو حدوده مع العراق ليشغل جيش العراق فلا يتحرك غربًا لمساعدة سورية والأردن فخرج بذلك جيش العراق من الصراع العربي الإسرائيلي بسبب سياسة إيران.

ولما قامت ثورة الخميني عام 1979، سألني بعض الإخوة عن الشيعة وخلافهم مع السنّة فأرشدتهم إلى مراجعة كتب مثل: (الخطوط العريضة للشيعة الاثنى عشرية) رسالة مختصرة لمحب الدين الخطيب.

مذهب الشيعة أنه (لا جهاد إلا بإمام) أي إنه في غياب الخليفة لا يجوز الجهاد، وقد رددت على هذه الشبهة الباطلة في كتابي (العمدة)، وهذه الشبهة هي اليوم مذهب (حزب التحرير الإسلامي). أما عند الشيعة فإن الخليفة الذي يجب الجهاد معه ويحرم بدونه فهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم، وهو المهدي المنتظر عندهم، وهو محمد بن الحسن العسكري ويقولون عنه إنه اختفى وهو صبي في سرداب بمدينة سامراء بالعراق منذ نحو ألف سنة، ومن وقتها وهم ينتظرون خروجه كل يوم جمعة عند السرداب حتى أذان المغرب. وفي العصر الحديث لما أراد الشيعة الخروج على شاه إيران كانت هذه الشبهة عقبة أمامهم، إذ كيف يخرجون و(لا جهاد إلا بإمام) ولا إمام لهم. واخترع الخميني نظرية (ولاية الفقيه) الذي يقوم بدور النائب عن الإمام الغائب، وحتى اليوم يوجد من مشايخ الشيعة من يعارض هذه النظرية. إلا أن جناح الخميني تغلب وقامت الثورة في 1979، وكان أول وَلِيّ فقيه نائب عن الإمام الغائب (المهدي المنتظر) هو الخميني ثم تبعه الآن علي خامنئي (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران).

* غداً: قميص غزة على الطراز الفارسي.. تمخضت إيران وصواريخها وفتواها فولدت «شكوى»