إسلام آباد ترسل تعزيزات إلى منطقة بونير لوقف تقدم طالبان

غيتس يدعو باكستان للتحرك لمواجهة خطر الأصوليين

TT

أرسلت باكستان أمس قوات أمنية إلى منطقة سيطرت عليها طالبان بعد يوم من إعلان واشنطن أن إسلام أباد أذعنت للمتشددين عندما وافقت على فرض الشريعة في المنطقة. وأدى تجدد العنف في أنحاء باكستان وانتشار نفوذ طالبان في البلاد إلى إحياء مخاوف بشأن استقرار باكستان المسلحة نوويا، التي تمثل عنصرا حيويا في الجهود الأميركية لتحقيق الاستقرار في أفغانستان المجاورة. وقالت الشرطة إن نحو مائة جندي أرسلوا إلى منطقة بونير التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة إسلام أباد.

واستهدفت طالبان على وجه التحديد موظفي ومكاتب الدول الغربية التي تمول المنظمات غير الحكومية في منطقة بونير. وقال مسؤول حكومي لـ«الشرق الأوسط» إن طالبان نهبت معظم مكاتب المنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى أن المسلحين داهموا عددا من المكاتب الحكومية. وقال ارسالا خان، نائب قائد الشرطة: «وصلت فصيلة من فيلق الحدود إلى بونير لمساعدة الشرطة في الحفاظ على الأمن في المنطقة». وبعد إخفاق باكستان في القضاء على طالبان من خلال القوة، وافق الرئيس آصف علي زرداري في الأسبوع الماضي على تطبيق الشريعة في وادي سوات والمناطق المتاخمة، على الرغم من انتقادات من دول غربية وقوى ليبرالية وجماعات لحقوق الإنسان في باكستان. وقال مسؤولون عسكريون في إسلام أباد إن أكثر من 300 جندي تم نشرهم في بونير. وقلل هؤلاء المسؤولون من أهمية تقدم حركة طالبان. وقال مسؤول عسكري كبير في إسلام أباد إن «مقاتلي طالبان موجودون في جزء من المدينة وباقي المنطقة خالية من عناصرهم». إلى ذلك دعا وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس السلطات الباكستانية أمس إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الخطر المتمثل في حركة طالبان.

من جهتها أفادت الشرطة المحلية الباكستانية أن عشرات المقاتلين الذين يفترض أنهم ينتمون إلى حركة طالبان الباكستانية هاجموا أمس مستودعا للوقود لحلف شمال الأطلسي في بيشاور قبل أن يلوذوا بالفرار. وصرح نظيف الرحمن الضابط في الشرطة لفرانس برس أن المقاتلين هاجموا مستودعا بقنابل حارقة وقذائف وأسلحة خفيفة، وواصلوا إطلاق النار وهم يفرون.

وأوضح أن «أربع شاحنات صهاريج أحرقت تماما وتضررت اثنتان أخريان»، مضيفا أن الهجوم لم يخلف ضحايا. وتعبر معظم التجهيزات والمؤن المخصصة لجنود الحلف الأطلسي والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان، الأراضي الباكستانية.

وأكد رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني مجددا أمس أن الحكومة وافقت على تطبيق الشريعة بناء على نصيحة حزب علماني يقود الحكومة الإقليمية، ولكنها من الممكن أن تعيد النظر في الاتفاق في حالة عدم عودة السلام للمنطقة. وبدأ كذلك ساسة كانوا يحثون الحكومة على تطبيق الشريعة في وادي سوات في إبداء قلقهم إزاء تنامي نفوذ طالبان. وقال فضل الرحمن رئيس «جمعية علماء الإسلام» أكبر حزب إسلامي في البلاد أمام البرلمان أمس: «إذا ما واصلت طالبان زحفها بالخطى الحالية فسوف يطرقون قريبا أبواب إسلام أباد». وأخفقت محاولات السلطات المحلية في التفاوض حول انسحاب المقاتلين من إقليم بونير، ما ضاعف قلق واشنطن حيال قدرة الحكومة الباكستانية على احتواء تقدم المقاتلين المرتبطين بـ«القاعدة» وطالبان في أفغانستان المجاورة. وقال رشيد خان الضابط في شرطة الإقليم إن «حركة طالبان تسير دوريات في شوارع بونير». كذلك، أكد النائب المحلي السابق كريم باباك من بونير أن مئات من المقاتلين الإسلاميين المرتبطين بـ«القاعدة» و«طالبان الأفغانية» يتجولون في كبرى مدن الإقليم، مزودين بأسلحة خفيفة وقاذفات صواريخ، وأقاموا حواجز على الطرق الرئيسية. وقال: «لقد زرعوا أجواء من الرعب، والقلق يسود السكان المحليين». إلى ذلك، قتل شرطي وأصيب آخر حين فتح مسلحون النار على آليتهما، وفق ما أورد الضابط سيد أزهر. وأوضح رشيد خان أن «مسؤولين في الحكومة المحلية يتفاوضون معهم، ونأمل أن يوقفوا تسيير دورياتهم قريبا»، نافيا مقالات صحافية تحدثت عن فرار مسؤولين في الشرطة والإدارة من الإقليم قبل أيام عدة. وكانت سيطرة طالبان على إقليم سوات المحاذي أجبرت إسلام أباد على إعلان وقف لإطلاق النار في فبراير (شباط) مقابل تطبيق الشريعة الإسلامية. وبوصول المقاتلين المتطرفين إلى بونير، يكونون قد حققوا تقدما، خاصة أن هذا الإقليم يبعد نحو مائة كلم عن العاصمة إسلام أباد. ودان المجتمع الدولي، وفي مقدمه الولايات المتحدة، ما اعتبره «استسلاما». وكان يفترض بمقاتلي طالبان أن يسلموا سلاحهم، لكنهم لم يفعلوا. واعتبر معارضو الاتفاق أنهم استغلوا وقف إطلاق النار لتوسيع سيطرتهم على الأرض.

وأثار سقوط بونير أول من أمس ردود فعل سلبية من جانب واشنطن التي تعتبر إسلام أباد حليفتها الرئيسية منذ نهاية 2001 في «حربها على الإرهاب».

وأعربت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن قلقها «من أن يشكل تقدم طالبان تهديدا لوجود دولة باكستان، وأن تتمكن الحركة يوما من السيطرة» على الدولة النووية العسكرية الوحيدة في العالم الإسلامي. وأول من أمس تعهد المتحدث باسم طالبان في سوات، مسلم خان، بتوسيع تطبيق الشريعة في كل أنحاء البلاد. وقال أحد سكان بونير في اتصال هاتفي رافضا كشف هويته «أعلن (عناصر) طالبان من أحد المساجد أنهم لن يقبلوا بعد اليوم أي نشاط يناقض الإسلام في بونير».

وأضاف «ألصقت كتابات على صالونات الحلاقة تمنع الرجال من حلق لحاهم». وأورد المحامي شمس بونيري المقيم في بونير أن «الشرطة لم تعد لها أي سلطة، ويبدو أنها تركت الأمور لطالبان الذين يفعلون ما يشاؤون في المدينة». بدوره، أكد المحامي باديوز زمان أن المحاكم أغلقت أبوابها بعدما وجهت طالبان تهديدات إلى المحامين والقضاة. وقال أحد السكان، عبد الرحمن: «شاهدت كتابات تحظر على النساء التوجه إلى السوق». وأوضح مسعود أحمد خان الموظف في وزارة الصحة المحلية أن المسؤولين المحليين في المستوصفات والمستشفيات طلبوا من الموظفات البقاء في منازلهن. وأعربت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ورئيس الأركان الأميركي الأميرال مايك مولن عن قلقهما من مخاطر وقوع السلاح النووي بأيدي أشرار. وقالت كلينتون أمام البرلمانيين بينما يتقدم المتطرفون باتجاه العاصمة إسلام أباد: «لا يمكننا التأكيد بما فيه الكفاية على خطورة التهديد الذي يشكله تقدم قوات طالبان على وجود دولة باكستان بعدما باتت على مسافة ساعات من إسلام أباد». وأضافت أن تحالفا من قوات طالبان ومقاتلين لا تعرف انتماءاتهم بدقة يحاول «السيطرة على باكستان التي، كما نعلم، هي دولة نووية».

وهو أمر ذكر به أيضا الأميرال مولن. وقال «إن قلقي على الأجل البعيد هو أنه إذا استمر الوضع على حاله سنصل إلى أسوأ العواقب». ويلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما مطلع مايو (أيار) نظيره الباكستاني علي آصف زرداري. وسيستقبل أوباما أيضا الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بحسب ما قال المتحدث باسمه روبرت غيبس. وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» يلتقي أوباما الرئيسين على انفراد في السادس والسابع من مايو (أيار) ويجتمع في القمة قادة البلدين الجارين اللذين يقيمان علاقات صعبة. وبحسب غيبس، سيذكر أوباما الرئيسين بـ«مسؤولياتهما» ملمحا إلى أن الدعم الأميركي لا يأتي من دون شروط. ووضع أوباما أفغانستان على رأس أولوياته، وأعلن إرسال 21 ألف جندي إضافي إلى هذا البلد. إلا أن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنت الشهر الماضي تشمل باكستان لأنه من دونها لا يمكن تسوية الملف الأفغاني، بحسب الإدارة الأميركية. وتكثفت أعمال العنف منذ عامين في أفغانستان وتهدد بأن تصبح موضوع قلق كبير في باكستان. والجانب الباكستاني من الحدود الذي يشكل القاعدة الخلفية للتمرد في أفغانستان، هو أيضا المعقل الذي تنطلق منه نشاطات طالبان باكستان و«القاعدة» ضد الحكومة الباكستانية. وأدت سلسلة اعتداءات غير مسبوقة إلى مقتل ما لا يقل عن 1800 شخص خلال عام ونصف العام في باكستان. وأعربت واشنطن عن قلقها لقدرة باكستان التي انضمت إلى حملة محاربة الإرهاب بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، على التصدي لتقدم المتطرفين. والأسبوع الماضي بدد زرداري هذه المخاوف من خلال إعلانه تطبيق الشريعة في وادي سوات معقل المتطرفين الذين لم ينجح الجيش في سحقهم، مقابل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.