الإدارة الأميركية وافقت صيف 2002 على وسائل الاستجواب القاسية

رايس أعطت الضوء الأخضر لانتزاع اعترافات من أبي زبيدة

TT

وافقت كوندوليزا رايس وجون أشكروفت ومسؤولون كبار في إدارة بوش في صيف عام 2002 على أن تستخدم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وسائل استجواب قاسية، منها الإيهام بالغرق، داخل السجون السرية، وفقا لتقرير تتبعي أعدته لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ وكشف وزير العدل الحالي إريك هولدر عنه النقاب. يذكر أن هولدر وصف الإيهام بالغرق بأنه وسيلة تعذيب غير قانونية. في الوقت الذي تنظر فيه وزارة العدل فيما إذا كان يجب التحقيق مع المسؤولين السابقين الذين وضعوا سياسة الاستجواب أو صاغوا المبررات القانونية لهذه السياسة للنظر فيما إذا كانوا ارتكبوا جرائم، نجد أن التقرير يحتوي على الأقل على اثني عشر عضوا في إدارة بوش كانوا حاضرين عندما وصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية وآخرون بالضبط وسائل الاستجواب التي سوف تستخدم وكيف سوف يجرى ذلك. وأعطت رايس الضوء الأخضر مبكرا، عندما اجتمعت، وهي تشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس جورج بوش، في السابع عشر من يوليو (تموز) 2002 مع جورج تينيت، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، و قالت «إن وكالة الاستخبارات المركزية يمكنها البدء في استخدام طريقة استجوابها المقترحة مع أبو زبيدة»، ويتوقف ذلك على موافقة وزارة العدل، حسب التقرير. وكان أبو زبيدة، وهو فلسطيني سعودي المولد اسمه الحقيقي هو زين العابدين محمد حسين، قد ألقي القبض عليه في مارس (آذار) 2002، وكان أول معتقل بارز داخل سجن تابع لوكالة الاستخبارات المركزية، وتعتقد الوكالة أن الرجل المرتبط بـ«القاعدة» كانت «لديه معلومات عن تهديدات محتملة»، حسب ما أفاد التقرير. ويضيف التقرير أن رايس وأربعة مسؤولين آخرين، اطلعوا للمرة الأولى في مايو (أيار) 2002 على «وسائل الاستجواب البديلة، بما فيها الإيهام بالغرق». وبعد ذلك بعام، في يوليو (تموز) 2003، أوردت وكالة الاستخبارات المركزية لرايس ونائب الرئيس ريتشارد تشيني والمحامي العام أشكروفت ومحامي البيت الأبيض ألبرتو غونزاليس والمستشار القانوني لمجلس الأمن القومي جون بيلينغر استخدام الإيهام بالغرق وغيرها من الوسائل. وأكدوا من جديد «على أن برنامج وكالة الاستخبارات المركزية قانوني ويعكس سياسة الإدارة».

ويقول جميل جافر، مدير مشروع الأمن القومي التابع لاتحاد الحريات المدنية الأميركي: «لم يكن ذلك مجرد نقاش، كما أنه دليل آخر على الدور الذي لعبه مسؤولون بارزون في الإدارة».

في هذه المرحلة، كانت الولايات المتحدة قد أسرت خالد شيخ محمد، الذي يدعي أنه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، الذي تعرض للإيهام بالغرق 183 مرة في مارس (آذار) 2003، حسب ما أفادت وثائق نشرتها وزارة العدل أخيرا. ويشير التقرير إلى أن وزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد لم يطلعا على البرنامج حتى سبتمبر (أيلول) 2003. ويقول السناتور الديمقراطي جون روكفيلر: «من المفاجئ، إلى أن يظهر كلام جديد لنا، أن وزير الخارجية ووزير الدفاع لم يشاركا في عملية صنع القرار على الرغم من المخاطر الكبرى التي كانت تحدق بالسياسة الخارجية الأميركية وطريقة تعامل الجيش الأميركي». ورفض بيلينغر التعليق على ذلك، ولم يتسن الاتصال بأشكروفت وتينيت. ولم ترد رايس على رسالة عبر البريد الإلكتروني، فيما رفض مستحدث باسمها التعليق، ورفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق. ويقول مسؤول سابق في البيت الأبيض شارك في المداولات: «هذه التقرير مضلل وغير كامل ولا يعكس عملية مراجعة مجلس الأمن القومي أو المعلومات التي وردت لمجلس الأمن القومي». وعلى نفس الصعيد، قال تشيني أكثر من مرة إن برنامج وكالة الاستخبارات المركزية كان قانونيا ومهماً في القضاء على هجمات إرهابية مخططة، كما دعا إدارة أوباما للكشف عن المذكرات التي تنظر في فاعلية سياسات الاستجواب التي يدعمها. ويقول مسؤولون أميركيون إنه في خريف عام 2002 اطلع أربعة أعضاء بارزين في الكونغرس، ومنهم النائبة نانسي بيلوسي (الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا)، ورئيس مجلس النواب حاليا، سرا على وسائل التحقيق، بما فيها الإيهام بالغرق. وأكدت بيلوسي على أنها «اطلعت حينئذ على وسائل التحقيق التي كانت الإدارة تنظر في استخدامها في المستقبل، وقالت الإدارة إن المستشار القانوني لوكالة الاستخبارات المركزية ووزارة العدل خلص إلى أن هذه الوسائل قانونية».

إلى ذلك ذكر تحقيق أجراه مجلس الشيوخ الأميركي أن وكالة في البنتاغون دربت جنودا أميركيين على مقاومة التعذيب، قامت بترويج استخدام بعض أساليب التحقيق العنيفة على المشتبه بأنهم من «القاعدة»، كما تمت المصادقة بسرعة على هذه الأساليب على أعلى المستويات في الحكومة الأميركية. وأظهر التحقيق أنه تم إهمال تحذيرات أطلقها محامون عسكريون حول قانونية وفعالية هذه الأساليب التي وضعت على غرار الأساليب التي استخدمتها الصين للحصول على اعترافات زائفة من سجناء أميركيين خلال الحرب الكورية.

وقال التحقيق إن منشأ أساليب التحقيق المستخدمة في خليج غوانتانامو في كوبا التي انتشرت بعد ذلك إلى أفغانستان والعراق، هو «وكالة استرداد الأفراد» في البنتاغون. وتشرف الوكالة على تدريب أفراد الجيش على أساليب «البقاء على قيد الحياة والفرار» التي تعد الجنود لاحتمال التعرض لأساليب التحقيقات التي لا تخضع لمواثيق جنيف. والأساليب التي تستخدم في وكالة «استرداد الأفراد» تشبه كثيرا تلك التي مورست في سجن أبو غريب العراقي وغيره، ومن بينها تعرية السجناء وجعلهم يقفون ويجلسون في أوضاع مؤلمة، وتغطية رؤوسهم ووجوههم، ومعاملتهم كالحيوانات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»