نافع علي نافع في باريس: السلام في دارفور يمكن أن يكون مخرجا من قرار المحكمة الجنائية

وصف المباحثات مع الفرنسيين والبريطانيين بالطيبة والمفيدة

نافع علي نافع مستشار الرئيس عمر البشير (يمين) وبجانبه السفير السوداني لدى فرنسا سليمان محمد مصطفى في مؤتمر صحافي بباريس أمس (أ.ف.ب)
TT

وصف الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني عمر البشير، المحادثات الثلاثية مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ووزير الدولة في الخارجية البريطانية مالوك براون والثنائية مع كلود غيان، أمين عام قصر الإليزيه وبرونو جوبير، مستشار الرئيس ساركوزي للشؤون الأفريقية وكبار موظفي الخارجية من جهة ومع الجانب البريطاني من جهة أخرى بأنها كانت «طيبة ومفيدة ونحن راضون عنها» مضيفا أن بلاده تأمل في أن تشكل «خطوة للتعاون» من أجل حل المشاكل العالقة، في إشارة إلى موضوع توقيف الرئيس البشير بموجب قرار المحكمة الجنائية الدولية وعمل المنظمات الدولية في دارفور. ورغم أن مساعد الرئيس السوداني حرص في المؤتمر الصحافي الذي دعاه إليه نادي الصحافة العربية في باريس أمس على القول إن المحادثات تركزت على العلاقات الثنائية، إلا أن «الشرق الأوسط» علمت من مصادر متطابقة أن قرار المحكمة شغل حيزا كبيرا من المحادثات. والرسالة «الرسمية» التي سمعها الوفد السوداني الذي ضم إلى جانب نافع علي نافع، مستشار الرئيس للشؤون السياسية الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل ومسؤولا أمنيا كبيرا ووزير الدولة للشؤون الإنسانية وآخرين هي ضرورة التعاون مع المحكمة الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي. لكن بمواجهة رفض السودان القاطع التعاون مع المحكمة، فإن الجانب الفرنسي «والبريطاني» فتح كوة في الجدار بالتركيز على ضرورة التوصل إلى سلام حقيقي وشامل في دارفور «وبعدها سنرى». ويعني هذا الكلام، وفق مصادر مطلعة، أن باريس «أو لندن» «ليستا مستعدتين للالتزام بشيء منذ الآن» إزاء السودان «خصوصا أنه أغدق الوعود في الماضي» كما أنه «أعطى فرصة ولكن لم يتحقق شيء». وسبق للرئيس ساركوزي أن طالب السودان بـ «تغيير جذري» في سياسته في إشارة إلى الحاجة إلى سلام حقيقي في دارفور وتطبيع الوضع على الحدود مع تشاد وعودة اللاجئين وخلاف ذلك.

غير أن للجانب السوداني قراءة مختلفة. وقال مساعد الرئيس السوداني إن «فشل استخدام المحكمة الجنائية كوسيلة ضغط على السودان أو لإحداث التغير «الذي يشتهيه الغرب» قاد الدول الغربية إلى نوع من الواقعية والبراغماتية».

وأضاف نافع: «هم يرون أنه يجب التركيز على قضية السلام في دارفور وهذا يمكن أن يكون مخرجا لقضية المحكمة الجنائية». وفي هذا الإطار، فإن السودان «يقبل التركيز على قضية دارفور والتعاون معهم وبعد ذلك سنرى ما سيحصل». ويركز نافع على عنصرين اثنين حملا الغرب على «تليين» موقفه: الدعم الذي لقيه السودان من العالمين العربي والإسلامي ومن الاتحاد الأفريقي, والدول النامية والتفاف الحزب الحاكم والشعب السوداني حول البشير. وبرأيه أن قرار المحكمة «خدم» الرئيس السوداني وقوى موقعه للاستحقاقات الانتخابية القادمة في إشارة للانتخابات الرئاسية عام 2010. و يرى الجانب السوداني الذي يرفض تبني تفعيل المادة 16 من ميثاق روما «لأنه يعني الاعتراف بالمحكمة» أن المخرج يكون بتخلي المحكمة عن قرارها باعتبار أن إمساكها بملف دارفور جاء بناء على تكليف من مجلس الأمن بسبب الوضع في دارفور. ولذا، فإن تحقيق هدف عودة السلام إلى دارفور يعني انتفاء السبب وبالتالي يصبح قرار المحكمة لاغيا تلقائيا. ولذا، يبدي السودان استعدادا للتعاون مع كل الهيئات والوساطات: قطر، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة... كما يبدي استعدادا لاستقبال منظمات إنسانية جديدة تحل مكان المنظمات الـ13 التي أخرجها من دارفور «لأنها كانت تعمل ضد مصلحة السودان» والتعاون في ذلك مع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وخلاصة نافع أن السلام في دارفور «ليس مستحيلا لا بل إنه ليس صعب المنال».

واستفاد نافع علي نافع من المحطة الباريسية لتوجيه رسائل «حسن نية» في أكثر من اتجاه ولكن باتجاه الغرب بالدرجة الأولى. فقد أعلن، من جهة، عن تمسك الحكومة السودانية بتنفيذ كامل اتفاق السلام مع جيش التحرير الشعبي السوداني وإحالة موضوع منطقة أبيي على محكمة التحكيم الدولية في لاهاي واستمرار التشاور لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وإبداء الجهوزية لمساعدة حكومة الجنوب لوضع حد للقتال الدائر في منطقة جونغلي الجنوبية بين القبائل. وخص فرنسا، من جهة أخرى، بتكثيف الجهود لإطلاق سراح المواطنين الفرنسيين اللذين خطفا مؤخرا في دارفور مبشرا بـ «أخبار سارة» في الأيام القادمة. وبخصوص دارفور وفي إطار العمل على سلام حقيقي، أبدى الاستعداد لإعادة الأراضي التي استولى عليها مهجرون في بعض المناطق في دارفور والرغبة في التحاور مع كل الفصائل المتمردة طالبا مساعدة الدول المؤثرة للتدخل لحث هذه الحركات على المشاركة في محادثات السلام. وأخيرا أبدى نافع الحرص على استقرار الوضع مع تشاد لكن مع الإعراب عن عجز حكومته عن منع الحركات المناهضة للنظام التشادي من التحرك ضد نظام جامينا. وختم بإبداء حرص السودان على تحسين علاقاته الثنائية مع العواصم الغربية وتحديدا مع باريس ولندن وواشنطن. وفي سياق آخر، عزا نافع إطلاق حسن الترابي من السجن بالتفاف الشعب السوداني حول البشير في موضوع المحكمة وبفشل المراهنة على إحداث انقسام في صفوف السلطة والحزب الحاكم والشعب.

هل ستكفي هذه الوعود لتغير الدول الغربية موقفها من السودان ومن قرار المحكمة الجنائية؟ الأوساط الفرنسية تؤكد أن «العبرة في التنفيذ» وترفض بالتالي الخوض في «سيناريوهات افتراضية» حول مصير قرار المحكمة بانتظار «التغيير الجذري» الذي تنتظره من شهور.