هيئة علماء السودان تتهم نائبا قياديا في الحركة الشعبية بالتطاول على حدود الله

ياسر عرمان لـ«الشرق الأوسط»: فتاوى علماء الهيئة لا يحفل بها أحد حتى الرئيس البشير نفسه

TT

اتهمت هيئة علماء السودان، وهي جسم موال للحكومة في الخرطوم يضم حشدا من علماء الدين، ياسر عرمان رئيس كتلة الحركة الشعبية لتحرير السودان (جنوب) في البرلمان السوداني بالتطاول على «حدود الله» عندما طالب في جلسة خصصت الأسبوع الماضي لمناقشة قانون جنائي جديد يهتم بمراجعة عقوبة الزنا الواردة في القانون الجديد.

واستنكرت الهيئة في بيان وزعته في الخرطوم حديث عرمان، الذي أطلقت عليه «مفتريات عرمان». وقالت «إن حدود الله تعالى لم يضعها بشر حتى يكون عليها التطاول ولا صنعها إنسان حتى يكون عليها الاجتراء، إنما هي تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». لكن عرمان اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بيان هيئة علماء السودان فتوى سياسية، ووصفهم بعلماء المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس عمر البشير، وقال إن «الفتاوى التي يصدرونها لا يحفل بها أحد بمن فيهم الرئيس البشير نفسه». في إشارة إلى الفتوى التي أطلقوها أخيرا بعدم جواز سفر الرئيس لحضور القمة العربية بالدوحة، ولم ينفذها الرئيس.

وذكرت الهيئة في بيانها إن «كتاب الله تعالى هو أجلّ كتاب وقد تطاول عليه من تربوا في أحضان الكفر ورضعوا من ألبان الجهل حيث خرجوا على الناس بأعظم فرية وأقبح قولة أن تطبيق حدود الله وإقامة شرع الله إهانة للإنسان السوداني.. ما قالها هذا القائل إلا وهو يضمر شراً وينوي سوءًا خروجاً على ما اتُفق عليه وصداً عما استُوثق به وجرياً وراء الأسياد من وراء البحار». وطالب البيان «الشعب بحماية الدين ورفع كلمة الإسلام».

وكان عرمان أصدر بيانا أول من أمس قال فيه إن ثمة تشويهاً قد حدث لتصريحاته بالبرلمان في مناقشة السمات العامة للقانون الجنائي، وأضاف أنه طالب «بألا تطبق العقوبات الحدية على غير المسلمين، وفقاً لما ورد في اتفاقية نيفاشا». ومضى أن البرلمان سبق له أن أسقط عقوبة الجلد في قانون القوات المسلحة. وطالب عرمان «بأن يتم مراعاة الأعراف والتقاليد لغير المسلمين في وصف الزنا وعقوبته بدفع أبقار، وغرامات مالية»، ودعا إلى ضرورة مكافحة الفقر قبل الجريمة، وقال إن العقوبات لا تصون المجتمع، وإن الشرائع دعت للمساواة والعدل قبل العقاب. وكان حديث عرمان أثار في الجلسة غضب عدد كبير من النواب وسادت الجلسة، ورد عليه الدكتور غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة نواب حزب المؤتمر الوطني متحديا إن كان هناك «من يقبل جريمة الزنا» في أي مجتمع بشري. وقال الداعية السوداني والمحاضر في جامعة أفريقيا العالمية الطيب الواعظ لـ«الشرق الأوسط» إن حد الزنا خاص بالمسلمين فقط، لكنه يعتقد أن حديث عرمان يمثل جزءا صغيرا من عشرات المواقف المتوالية والمتشابهة لعرمان يصب في معارضة كل ما هو له علاقة بالإسلام»، وأضاف أن حديثه في البرلمان ليس معزولا عن مواقفه تلك، وأضاف «لا أعتقد أنه حديث معزول». وقال عرمان لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي أجري من لندن، إن الذين أصدروا البيان هم علماء المؤتمر الوطني وليسوا علماء السودان، وأنهم درجوا على التدخل في العمل السياسي ولا أحد يحفل بالفتاوى السياسية التي يصدرونها»، وأضاف «ليس أنا فحسب بل حتى الرئيس عمر البشير لم يحفل بالفتوى التي أصدروها بعدم سفره إلى الخارج (لحضور القمة العربية بالدوحة)». وقال إن البيان الصادر سياسي من الطراز الأول ولا علاقة له بالدين ومحاولة حجر الرأي الآخر، مشيراً إلى أنه خرق فاضح للدستور ولائحة البرلمان. وقال عرمان «الدستور ولائحة البرلمان يمنعان أي جهة من تعويق عمل النواب أو محاسبتهم عن كل قول أو فعل صادر أثناء أداء أعمالهم»، معتبراً حديث العلماء محاولة لتكميم الأفواه واستخدام الدين في عمل سياسي مفضوح في الانتخابات ووقف تنفيذ اتفاقيات السلام.

وقال عرمان إن محاولة تكفيره والحديث عن أنه رضع الكفر من النصارى، كما ورد في بيان العلماء، يقدح في أمر المواطنة، مشيراً إلى أن النصارى مواطنون سودانيون بدءاً من النائب الأول للرئيس السوداني سلفا كير ميارديت وحتى الذين يسكنون في مناطق، زقلونا، وطردونا، والحاج يوسف ودار السلام (محيطة بالخرطوم ويسكنها البسطاء من السودانيين وأغلبهم من غير المسلمين)، وقال «هؤلاء هم أبناء وطننا وهذا ما قلناه بالضبط في البرلمان في ضرورة أن تراعي القوانين حقوق غير المسلمين»، معتبراً أن علماء المؤتمر الوطني لا يريدون مراعاة التنوع والتعدد وحقوق غير المسلمين.

وينص اتفاق السلام الموقع بين الطرفين «حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» على أن الأديان والأعراف والمعتقدات تعد مصدر قوة معنوية وإلهام للشعب السوداني. وينص الاتفاق على أن «كل الشؤون الشخصية وشؤون الأسرة، بما في ذلك الزواج والطلاق والميراث والوصية والنسب تحكمها قوانين الأحوال الشخصية بما في ذلك الشريعة أو القوانين الدينية الأخرى، أو العرف، أو التقاليد الخاصة بالأشخاص». وينص على «صنع وحيازة واستعمال المواد والأدوات الخاصة بالطقوس والعادات المتعلقة بأي دين أو أي معتقد في الحد المناسب»، ويقول نفيا للشك «لا يجوز تعرض أي شخص بسبب الدين أو المعتقد، للتمييز من قبل الحكومة القومية، أو الولاية أو مؤسسة، أو جماعة من الناس، أو أي شخص، على أساس الدين أو معتقدات أخرى».

ويعتبر مشروع القانون الجنائي محل التداول الآن في البرلمان واحدا من القوانين الجدلية والخلافية بين الشريكين، كما يمثل واحدا من جملة قوانين من المقرر تعديلها كي تتواءم مع الدستور، واتفاق السلام «اتفاق نيفاشا» الموقع عام 2005.

وأضاف عرمان أن «علماء السلطان ظاهرة قديمة»، وتابع «لكننا نريد أن نعرف بأن يوضحوا لنا من هم، وأين يسكنون، ونوع السيارات التي يستخدمونها ومن يصرف عليهم وعلى حساب من؟»، وقال «الأفضل بدلاً أن تصرف الأموال عليهم أن يهتموا بالصرف على الكهرباء المقطوعة لساعات طويلة في كل بيت، وعلى مرضى الكلى الذين توفي بعضهم بسبب وقف غسيل الكلى، وعلى المزارعين المعسرين الذين تحطمت زراعتهم ودخلوا السجون بسبب عسرتهم والرعاة المثقلين بالإتاوات والضرائب». وأضاف أن «عمر بن الخطاب العادل رفض أن يصلي في كنيسة مخافة عليها.. وأن الإسلام يعترف بأهل الكتاب ويبحث عن الحق والعدالة ويخاف أئمته أن تتعثر بغلة في أرض العراق. وليس إسلام العقوبات والجيران يبيتون على الطوى».

وقال عرمان إن الحملة ضده مخططة تهدف إلى «تفكيك الحركة الشعبية لاسيما عملها في شمال السودان والرجوع بها إلى حركة جنوبية ثم اللحاق بها وتفكيكها في الجنوب».