حراس أمن في الصباح.. وطلاب علم في المساء

حولوا ساعات الانتظار إلى إبداعات.. لكنهم ينتظرون الفرج

إبراهيم يتأكد من تصريح الدخول لإحدى السيارات (تصوير: مروان الجهني)
TT

بشعار «لا مستحيل تحت الشمس» و«مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة» يقف إبراهيم عيسى القرعاني ذو السبعة وعشرين ربيعا صباح كل يوم مرتديا زيه الأمني المرصع بعبارة «أمن المواطن مسؤولية الجميع»، أمام بناية مركز الفارسي التجاري بجدة، مسيرا للمرور تارة، ومراقبا للبناية ومحافظا على أمن العاملين تارة أخرى.

القرعاني يصفه جميع موظفي البناية بأنه رجل المهمات الصعبة وصديق الجميع، يقابلهم صباح كل يوم تسبقه همة وابتسامة عند فتح بوابة المركبات المؤدية للمواقف تحت البناية.

القرعاني كغيره من الشباب العاملين في هذه المهنة الشاقة ينتظر انتهاء ساعات دوامه بفارغ الصبر، لكن ليس من أجل أن يتجه إلى منزله ليخلد إلى النوم، بل من أجل أن يحمل كراسته وقلمه ويتجه إلى حيث الدور الرابع في البناية نفسها التي يحرسها، ويدرس في معهد للغة الإنجليزية في نفس مبناها، حيث يؤكد أنه يهدف من ذلك إلى تحقيق حلمه للوصول إلى منصب مدير استقبال في أحد الفنادق الكبيرة في مدينة جدة.

يقول إبراهيم القرعاني «فرضت ظروف حياتي الصعبة أن أغادر مقاعد الدراسة وأتجه لمجال العمل وعمري 16 عاما لإعالة إخوتي الصغار وأسرتي المكونة من 18 فردا، فعملت على مدى أحد عشر عاما في العديد من المجالات حتى انتهى بي الأمر ومنذ 8 سنوات في هذه المهنة كحارس أمن، وتنقلت في عدد من المركز التجارية والمنشآت، أقابل يوميا كبار الشخصيات وأقدم العديد من الخدمات لكنها لا تتواكب مع الراتب الذي أحصل عليه، وفور انتهاء عملي أقوم بالذهاب مباشرة إلى المعهد لتعلم اللغة الانجليزية، لكي أصعد منابر الحياة للوصول إلى عمل أفضل رغم كل المعوقات والظروف». ولم يخف القرعاني استثماره أوقات وساعات الانتظار الطويلة في تعلم العديد من الأشياء لعل أبرزها احتراف الخط العربي الذي استثمره في تزيين دفاتره وقصاصاته بالعديد من الأشكال اللافتة للنظر.

في مكان قريب من هذا الشاب الطموح يقف رمضان عسيري ذو الأربعين عاما مرتديا بزته الزرقاء حاملا معه هموم 3 أبناء يعولهم براتب لا يتجاوز 2000 ريال، وذلك بالمحافظة على أمن مبنى يحتضن كبار رجال الأعمال، ويدخله الكثير من الشخصيات المهمة. يقول رمضان «بدأت عملي قبل نحو 13 عاما في هذه المهنة وتنقلت في العديد من المواقع، وشاهدت الكثير من الشخصيات المهمة لعل أبرزهم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية». العسيري الذي حول محنته إلى منحة وانتظاره إلى إبداع يقول «أسوأ ما أواجهه، وقد تعودت عليه حاليا، هو لحظات الانتظار لساعات طويلة في مكان واحد، وهو الأمر الذي عوضته باستثمار الوقت في رسم الكثير من اللوحات الفنية بقلم الرصاص، والتي غالبا ما تكون صناديق النفايات مكانا لها رغم احتفاظي بالكثير منها». ورغم تلك الفنون إلا أن الأمر يختلف تماما لدى عمر العجلاني ذي الثمانية عشر ربيعا والطالب في الصف الثاني قسم العلوم الطبيعية، والذي يعمل في الفترة المسائية كونه طالبا في الصباح، ويستغل معظم ساعات المساء في مراجعة بعض دروسه ومتابعه عمله بتفان أجبر الجميع على احترامه.

من جانبه طالب علي الشاعري ذو الخمسين عاما والذي يعول أسرة من 8 أفراد براتب 1800 ريال الجهات المختصة بإتاحة الفرص لهم للعمل في مواقع أخرى خلال وقت الفراغ كون نظام التأمين يمنعهم من ذلك. يذكر أن تقارير إعلامية أبانت أن نحو 70 ألف فرد يعملون في مجال الحراسات الأمنية على مستوى المملكة، 98 في المائة منهم سعوديون، وساهمت الأوضاع الأمنية في دخول العديد من الشرائح الجديدة كعملاء لتلك الشركات، ومن بينها الأسواق والمراكز التجارية ومكاتب الشركات، بالإضافة إلى تعزيز بعض المؤسسات والمجمعات السكنية لحراس الأمن العاملين فيها بأعداد إضافية.